المهندس ساسين القصيفي
تابَعَ الكثيرونَ باهتمامٍ، الإنتخاباتِ الرئاسيَّةِ في الولاياتِ المُتَّحِدةِ، لِما لأميركا من تأثيرٍ على السِّياسَةِ الدَّوليَّةَ كلِّها.
وكان البعضُ اعتبرَ، أنَّ انتخابَ ترامب سنة 2016 رئيسًا، هو حدثٌ مفصولٌ في التَّاريخِ. فيما أثبَتَتِ التجربةُ خطأ هذا الرأي. فَتَرامب يُشكِّلُ حالةً شعبيَّةً، تتخطى بِرَمزيَّتِها حدودَ أميركا. هي هذه الفئةُ الحريصةُ على القِيَمِ الإجتماعيَّةِ والمُثُلِ الإنسانيَّةِ، بعيدًا عن غَوْغَائياتٍ يَسَاريَّةٍ أو هرطقاتٍ ليبراليَّةٍ، باسم حضارةِ ما بعدِ الحداثة!
ومَع فَوزِ ترامب، انتَعَشَ، في العالم كُلّهُ، الفكرُ المُحافظِ،
ومَع انهِزَامِ كامالا هاريس – ومن ورائها باراك أوباما – انتَكَسَت بالفعلِ ذاتِهِ، كلُّ المَساراتِ اليَسَارُو – ليبراليَّةِ، في العالم كلِّه.
هذه هي المُعادلَةُ بكلِّ بَساطة!
وكانَ الحزبُ الديمقراطيُّ الأميركيُّ، انحرَفَ ابتداءً من عهدِ الرئيسِ السَّابقِ باراك أوباما، عن الإتِّجاهاتِ التَّاريخيَّةِ، في السَّعي الى سياساتٍ إقتصاديَّةٍ عادلَةٍ اجتماعيًّا، مثلما كان زمَنَ عظماءٍ من الحزبِ، أمثالَ جون كينيدي او فرانكلين روزفلت…. وغَلَبَ عليهِ، اتِّجاهٌ مُتَطَرِّفٌ، يٌشجِّعُ تفكيكَ الأسُسِ الطبيعيَّةِ لنظام الحياةِ والمُجتمع. فَشرَّعَ زواجَ المِثليِّين جنسيًّا، ودَعَمَ المُتحوِّرين جَنْدَرِيًّا، وأجازَ الإجهاضَ دون أيَّةِ مُحدِّداتٍ، كما وأباحَ الهِجرةَ غيرِ القانونيَّة دون أيَّة ضوابط…
وفي السِّياسَةِ الخارجيَّة،
لَوَّحَ لأوكرانيا بالحُلْمِ الوَرديِّ، في أحضانِ الحِلْفِ الأطلسيِّ. فكانت الحَربُ مع روسيا.
كما وتميَّزت مواقفُهُ من أحداثِ الرَّبيعِ العربيِّ، بالإلتباسِ. رَاهَنَ على “ديمقراطيَّةِ” حَرَكاتِ الإسلامِ السياسيِّ، وتَخَلّى عن الأنظِمَةِ العسكريَّةِ الحاكمة. فَسَقَطَت الانظمةُ وفَشَلَ الإسلامُ السياسيُّ. فَضَاعَت أمَّةٌ…
وأبرَمَ الإتِّفاقَ النَّوَوِيَّ مع إيران، دون أن يَتَشَاوَرَ مع حلفائِهِ التَّقليديِّين العَرَبَ. فَذَهبت إيران بعيدًا في تَحالُفِها مع روسيا والصين. فَخَسِرَت أميركا حُلفَاءَها العَرَبَ ولم تَسْتَمِل إيران!
لِكلِّ ما سَبَقَ، كانت اتِّجاهاتُ النَّاخِبِ سلبيَّةً، نَحوَ الديمقراطيِّين.
أمَّا الجُمهوريُّون،
فَلَم يَنجَرِفُوا الى مَسائلَ تَمُسُّ الرَّكائزَ الأساسيّة للعائلةِ والمُجتَمعِ، وبَقَوْا أمينينَ على القِيَمِ الأخلاقيَّةِ والإنسانيَّةِ الطبيعيَّةِ. كما وكانت لِسياسَةِ الحِمَائيَّةِ الإقتصاديَّةِ، التي انتَهَجَها ترامب في عُهدَتِهِ الأولى، أثَرًا رابحًا لدى المُنتِجينَ الأميركيِّينَ، من زراعيِّين وصناعيِّين. أضف الى ذلك، أنَّ سياسةَ مَنْعِ الهجرةَ غيرِ الشرعيَّةَ، كانت أصداؤها إيجابيَّةً.
وفي السياسَةِ الخارجيَّةِ،
كانَ الجُمهوريُّونَ أكثَرَ وُضوحًا، إنْ كانَ في العلاقَةِ مع مكوِّناتِ الحِلفِ الأطلسيِّ او مع حُلفَائِهِم الآسيويِّين أو مع الدائرَةِ الأوسَعِ من الحُلفَاء والخُصُوم.
وكلُّ ما سبقَ أعلاه، كانت تَرَدُّداتُهُ إيجابيةً، على نَجاحِ الجُمهوريِّين في إنتخاباتِ الكونغرس والرئاسة معًا.
وفي النهاية،
وبعيدًا عن الترويجاتِ الزَّائفةِ، لمُعظَمِ وسائلِ الإعلامِ، والتي أكثريَّتُها تُلمِّعُ فكرًا مُنحَرفًا، وتَستَعدي مُثلًا أخلاقيَّةً نَبيلةً،
وليس مجاراةً، لمعظمِ مَشاهيرِ هوليود والفنَّانين، والذي باتَ الإنحلالُ الإخلاقيُّ، جزءًا من فنِّهم الهابِط،
تظهَّرت شخصيَّةُ، إيلون ماسك، أيْقونةً عِلميَّةً عالميَّةً، ونَمُوذجًا واضحًا للتَّفوقِ الأميركيِّ، ونَمَطًا نابِغًا من خارجِ هذا الزمان، ومَثَلًا جَليًّا في صناعةِ الأحلام، إضافةً الى كونِهِ مؤثِّرًا كبيرًا، على رُؤَى أجيالٍ صَاعِدَةٍ. وتُحسبُ له أنَّه، مِنَ القليلين مِن مُجتَمَعِ ” السِّيليكون ڤَالي” الذين تَجَرَّؤوا وانتفَضوا، على هذا التشويهِ المُمَنهجِ للعائلةِ والمُجتمع، من قِبَلِ هذا التيَّارِ المُدمِّرِ، فَنَاصَرَ ترامب، ولازمَهُ في حَمَلاتهِ، فكان نجاحُهُما باهرًا!
10-11-2024