يُتقِنُ الرئيسُ فلاديمير بوتين، فنونَ التأثيرِ والإيحاء. وها هو في لقائه مع الصحافيِّ الاميركيِّ المحافِظُ، تاكر كارلسون، يُظهرُ مهاراتِهِ في هذا المجال، وذلك في أوَّلِ إطلالةٍ له على الرأي العام الغربيِّ، منذ بِدء العمليَّة العسكريَّة الخاصَّة في أوكرانيا.
في الشَّكلِ،
المقابلةُ نجَحَت قبلَ حصولِها. فالملايين انتظَروا هذا الحدث. وقد بَدا السيِّدُ الرئيسُ جَذِلًا في حديثه. حيث في أُولَى لحظاتِ المقابلة، وفي حركةٍ لافتةٍ منه، نَزَعَ ساعتَهُ من يدِهِ اليُمنى ووضعَهَا أمامَه، كما ومازَحَ محاورَهُ عدَّةَ مرَّاتٍ. وبَرَزَ طيلةَ مُدَّةِ النِّقاشِ، والذي دامَ حوالَيْ الساعتيْن، وكأنَّه هو الضَّابطُ للإيقاع.
في المضمونِ،
ذهبَ بعيدًا في الصيْرورةِ التَّاريخيَّةِ للأمَّة الروسيَّة، إذ كان كلامُهُ في هذه الناحية، مناجاةً للوَعي القوميِّ السلافيِّ. أَجْهَرَ بِعُمقِ تداخُلِ، التَّاريخِ الرُّوسيِّ مع الجغرافيا الأوكرانيَّةِ، كما وأنَّه وَصَّفَ الشَّعبَيْن، بالواحدِ في التَّاريخِ والعِرقِ والدِّين والثقافة… وكان المتابعُ للسيد الرئيس وهو يغوصُ في التاريخ، قد لحَظَ، كيف انَّ وجهَهُ قد ضَبَرَ وانفَرَجَت أساريرُهُ. ربَّما قد تراءَت له في تلك اللحظاتِ، أرواحَ مُلهِميهِ من القياصرةِ المُخَلَّدين في الذاكرة الجَمعيَّة الروسيَّة، أمثالَ إيفان الرَّهيب وبطرس الأكبر وكاترين العظيمة، مُرفرِفةً مُغتَبطةً، في أروقةِ الكرملين!
خاطبَ الغربَ بوِدٍّ، وأكَّدَ انَّ قنواتِ الاتِّصالِ مع الولايات المُتحدة ما زالت مفتوحةً. حَمَّل الغربَ مسؤوليَّةَ استمرارِ الحربِ في اوكرانيا. غازَل تلميحًا الرئيسَ ترامب، عندما أشادَ بالتعاون البنَّاء الذي كانَ قائمًا زمنَ رئاسته. كما وأشادَ بإيلُون ماسك، الذي يمثِّلُ مع الصحافي تاكر كارلسون، بالإضافة إلى حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت، أهمَّ وجوهِ ثورةِ المُحافظين الأميركيِّين، التي تلوحُ في الأفقِ، إذا ما وصَلَ ترامب الى الرئاسة.
ركَّزَ على انبلاجِ نظامٍ عالمَيٍّ جديدٍ، مُتعدِّد الاقطاب. انتقَدَ العُقوباتِ الغربيَّة على روسيا، وأبانَ فَشلَها في التأثيرِ على نموِّ الاقتصادِ الروسي. وأضافَ انَّ إدارةَ السيطرةِ الغربيَّةِ على النظامِ العالميِّ، تَخورُ بفعلِ السياساتِ العَدائيَّة تُجَاه روسيا. عابَ على الليبراليَّة الغربيَّة، طروحاتها التي تُشرِّعُ العلاقاتِ المِثليَّة، وشدَّد في هذا الإطار على الخُصوصيَّةِ الروسيَّة.
الرُّوسُ يعشقونَ شخصيَّةَ الأسطورة راسبوتين، أكانَ مرتديًا بِذلةَ كاهنٍ او زِيًّا عسكريًّا او لباسًا مدنيًّا معَ نجومٍ مَخفيَّة،
وما زالَ بوتين، وهو على بُعدِ اقلَّ من شهريْن على الانتخاباتِ الرئاسية، يَمثُلُ في وجدان شعبِهِ، بهذه الشخصيَّة السِحريَّة، سارقًا الأضواءَ، مُحاكيًا الأمجادَ، مُجترِحًا المعجزاتِ،
والجميعُ ينتظرُ كلامَهُ!
إنَّه القيصر!
المهندس ساسين القصيفي