Skip to content Skip to footer

بينَ الغَزالي وابن رُشدٍ


المهندس ساسين القصيفي

أكبَرَ عَدُوٍّ للإسلامِ، جاهلٌ يُكَفِّرُ النَّاسَ – ابن رُشدٍ.
شخصيَّتانِ، حَفَرَتا عميقًا اسمَيْهِما في الحضارةِ العربيَّة – ولا أقولُ الإسلاميَّةِ – لأنَّه ليس هناك حضارةٌ تُنسَبُ لدينٍ. وما زالَت نَزْعَتاهما الفلسفيَّتانِ، تُشكِّلَيْن مادةً للنقاشِ الفِّكريِّ كما وللصِّراعِ الدَّمَويِّ، بين المدارسِ الفِقهيَّة، أو في العلاقة مع الآخر، الى اليوم، على مساحةِ الجغرافيا العربيَّة والإسلاميَّة.
الإمامُ الغَزَاليُّ، المولودُ عام 1058م في طوس، في بلاد فارس، كان من أشهرِ فُقهاءِ وعُلَماء الدَّولةِ العَبَّاسيَّة، وكان لقبُهُ: ” حُجَّةُ الإسلام “. وقَفَ ضِدَّ الفلسفةِ والفلاسفة، وقالَ بِتَغليبِ النصِّ الدينيِّ، على المنطِقِ العقليِّ، إذا ما تَعَارضا.
في كتابِاته الغزيرة، مثل ” تهافُت الفلاسِفَة “او في موسوعَتِهِ ” إحياء علوم الدين”، أرجَعَ عِلَّةَ المَشاكلَ السِّيَاسيَّةَ والفكريَّةَ والفقهيَّةَ والبِدَع، في عصرِهِ، الى ابتعادِ المُسلمينَ عن الجانبِ الرُّوحيِّ من العقيدة.
من جهَّته، كان ابنُ رُشدٍ، المولودُ سنة 1126م في الأندلُسِ، زمَنَ الخلافَةِ الأمَويَّة، فَقِيهًا وطَبيبًا وفيلسوفًا وعالِمَ رياضيَّاتٍ وفلكٍ… سلكَ مسارَ الفلسفةِ اليونانيَّة، وحُجَّتُهُ تأسَّست على منطق أرسطو: الحكمُ للبرهان. ألَّف كتابَهُ الشَّهير: ” تهافُت التَّهافُت “، وكأنَّه رَدٌّ على فكرِ الغزالي في كتابه: ” تهافُت الفلاسفة”، حيثُ تَبَنّى وِجْهَةَ نظرِ أرسطو، وَمُقدِّمًا العُلومَ والفلسفَةَ على منطقِ الشَّريعَةِ الدِّينيَّةِ، إذا ما تعارضا.
من أقوالِهِ الشَّهيرة:
لا يُمكنُ أن يُعطينا الله عُقولًا، ومِن ثُمَّ يُعطينا شرائعَ مُخالفَةً لها!
إنَّ الحياةَ بعدَ المَوتِ، لا تكونُ بالجَسَدِ الفاني، بل بالرُّوحِ!
هو الذي كرَّسَ معظمَ حياتِهِ، في سَعْيِهِ لِتَغيِّير أسلوبِ التَّفكيرِ في مجتمعاتِ بيئتِهِ، وخاصةً لناحيةِ المواضيعِ الفلسفيَّةِ والدِّينيَّةِ، مؤكِّدًا على وُجُوبِ تجديدِ الهُويَّةِ الاسلاميَّةِ – إذ إنَّه تيقَّنَ باكرًا، بأنَّ الجُمودَ العقائديَّ، سيُصيبُ الإسلامَ والمسلمين بمَقتلٍ – فَجُوبِهَ بالرَّفضِ من التقليديِّين، واتُّهِمَ بانَّهُ يحاولُ هدمَ ثوابتِ الاسلام.
فَكَفرَّهُ رجالُ الدِّينِ في حياتِه، وعَزَلُه الحُكَّامُ عن مناصبهِ في وظيفتِهِ، وَأَحاقوا به اجتماعيًّا حتّى آخر أيَّامِهِ، كما وأحرقوا نتاجَه الفكريَّ – الفلسفيَّ. وبعد مَمَاتِهِ، نُكِّلَ به معنويًّا، وكُرِّهَ فيه فكريًّا، فدَفَنَته الأمَّةُ مَعَ نُورِ أفكارِهِ، الى يومنا هذا…
وهكذا،
فلقد غَلَبَ فكرُ الغزالي، منطقَ ابنِ رُشدٍ، على سائرِ المساحَةِ الزَّمنيَّةِ، وفي مُعظمِ جغرافيَّةِ العالمِ العربيِّ والإسلاميِّ الى اليوم. وما نراه حاليًّا، من فتاوى التكفير والتحريم من الأزهر وأخواِته، ما هو إلا رجْعُ صدىً، لجُمودِ الفكرِ النقديِّ، وضُمُورِ البحثِ العِلميِّ والفلسَفيّ.
وللأسَفِ،
انتصَرَ فكرُ الغزالي، وكُفِّرَ ابنُ رُشدٍ،
فاعتُمِدَت كُتُبُ النَّقلِ، وَقُبِّحَت مَنهَجيَّةُ العقلِ،
فَتَكرَّسَت قواعدٌ بليدةٌ، وَتَبَدَّدَت ذَخْائرٌ تَليدَةٌ،
فأضلَّت أمَّةٌ طريقها…فمتى تعود الى رُشدِها؟!

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.