كانَ الشيوعيُّونَ في القرنِ الماضي، يؤمنون بأنَّ هناك حتميَّةً تاريخيَّةً، بسِقوطِ الرأسماليَّةِ، وسيادةِ النِّظامِ الشيوعيِّ. إلّا أنّه كان للتاريخِ رأيٌ آخرٌ، فانهارتِ الشيوعيَّةُ، فيما الرأسماليَّةُ ترسَّخت عميقا في أنماطِ الحياة.
وها نحن اليوم، أمامَ الحتميَّةِ التكنولوجيَّةِ، ودُرَّتُها الذكاءُ الاصطناعيُّ، الذي سيَدخُلُ، دون استئذانٍ، الى كلِّ مجالاتِ حياتنا، العِلميَّةِ والعَمَليَّة، وستتحوَّلُ معه الشركاتُ المُطَوِّرَةُ، الى “إقطاعٍ تكنولوجيٍّ مُتَحَكِّمٍ ، فيما ستَغدو الطبقةُ المُستَهلِكَةُ “بروليتاريا ” القرنِ الواحدِ والعشرين.
هذا هو قانونُ الحياةِ البديهيّ، أنَّ التَّحوُّلَ الدَّائمَ، هو الثابتةُ الوحيدةُ في المجتمعاتِ.
وهذا التَّحوُّلُ، كان عند كلِّ محطَّةٍ، يُجابَهُ بتوجُّسٍ، الى ان ينتهيَ بخلقِ فُرَصِ عملٍ أكثرَ، وتحسينِ نوعيَّةِ السِّلعةِ، مع غزارةٍ في الانتاج!
هذه هي الفطنَةُ البشَريَّةُ، التي لا تَحِدُّها افآقٌ، بل هي في انطلاقةٍ دائمةٍ، تُراكمُ على ما سبَقَ من معرفةٍ، لتُطوِّرَ ولتَبتَكرَ، ما هو حاجة مستدامة لرفاهيَّةِ الانسان. وهذه الأدمغةُ الخلَّاقَةُ المُبدعَةُ، تُشبهُ ارضًا خصبةً، تُكَثِّرُ ثمارَ البذورِ التي تُزرَعُ فيها، جاعلةً من العِلمِ سَمادها، ومن الحُريَّةِ ماءها.
وبعيدًا عن سلاسلِ الأيدولوجيَّاتِ المُكبِّلةِ لِحَذاقةِ العقلِ، فهناكَ شعوبٌ اندفعت بقوَّةٍ وسُرعَةٍ نحوَ رِحابِ التَّقدُّمِ، فكانت،
الفلسفةُ وعُلُومُها، التي أفضَت الى المِطبَعَةِ،
والمِطبعةُ أفضَت الى نشرِ العلمِ والثقافةِ للعُمومِ،
فكانتِ الثورةُ الصناعيَّةُ، مع المُحرِّكِ البُخاريِّ والسيارةِ والطائرةِ والكهرباء… حتى وصلنا الى الكومبيوتر ثمَّ الى الثورةِ الرقميَّةِ، فكانت الانترنت والذكاءُ الاصطناعيُّ…
إنَّ هذه الشِحناتُ الفكريَّةُ، أسَّست عبر التاريخِ، لمشروعاتٍ إنسانيَّةٍ تنمويَّةٍ، ما زال صداها يتجَدَّدُ، في شَحْذِ العقول، ودَفعِها الى الإبداعِ والرِّيادة، في سبيل رخاءِ الانسان ونهضة المجتمعاتِ وتقدُّمِ البشريَّة.
لم تَعُد المساحةُ الجغرافيَّةُ، او التعدادُ السُّكانيُّ، مقياسًا اساسيًا لأهميَّةِ دولةٍ ما. ولنا في تايوان او كوريا الجنوبية او هولندا…أكبرُ مثال على ذلك. بل، كادَت أهميَّةُ الدُّوَلِ تنحصِرُ بمدى امتلاكها ناصيَة َ، التكنولوجيَّاتِ الحديثةِ والذكاءِ الاصطناعيِّ، والذي بدورِه، سيكونُ الفيصَلُ بين الأمَمِ القاطرةِ للحضارةِ الانسانيَّة، والاخرى المُنساقَة بالشَّطَطِ الأيدولوجيِّ المُعثِرِ، والتي ما فتئت تَتَمنَّعُ عن دخولِ مقصوراتِ قطاراتِ الحداثةِ، التي دُفِعَت إليها، مرَّاتٍ عِدَّةٍ في القرونٍ الأخيرة!!
هناك حاجةٌ ذاتيَّةٌ مُلِحَّةٌ، لِتجديدِ الفِكرِ الفرديِّ، ومُبارحَةِ الرُّكودِ العقائديِّ،
وأيضًا هناك ضرورةٌ موضوعيَّةٌ مُوجِبةٌ، للإرتقاءِ بالثقافةِ الجَمعيَّةِ، لِنَفضِ التَّكَلُّسِ عن ميكانيكيَّات البصيرةِ،
في المحاولة الأخيرةِ ربَّما، لتأمينِ حتميَّةِ الانتقالِ التكنولوجيِّ، في مجتمعاتِ هذا الاقليمِ البائس!
المهندس ساسين القصيفي