من 11 سبتمبر… إلى 7 أكتوبر، وجْهُ الشَّرقِ يَتَغَيَّر.


المهندس ساسين القصيفي

على أثرِ غَزوةِ نيويورك، التي نفذَّها جُنْدُ الإرهابيِّ إبنِ لادن، في الحادي عشر من أيلول سنة 2001، حيث سقطَ ما يُناهزُ 3000 شهيد بريءٍ، والتي ترافقت مع نموِّ الفكرِ الراديكاليِّ في الكثير من دول الإقليم، شُنَّت حربٌ دوليَّةٌ، بقيادة أميركا، لمحاربةِ الإرهابِ، مع مُشاركةِ البعضِ من الدُّولِ العربيَّةِ، وأدَّت في نهايةِ المَطافِ، إلى سَحقِ المُنظَّمات الأصوليَّةِ وتجريمِ فكرها، من داعش وأخواتها، اللواتي كُنَّ يُمارِسْنَ هوايةَ الإرهابِ، مُتَزَمِّلين بغطاءٍ ديني. فَغَدَوْنا على عالمٍ سياسيٍّ مُغايرٍ وثقافة مختلفة حيث بات تمجيدُ العُنفِ مَكروهًا في عدَّةِ بيئاتٍ من حواضِرِ المنطقة.
ثمَّ جاءَت عمليَّةُ طَوَفانِ الأقصى في السَّابعِ من أكتوبر سنة 2023، والتي نفَّذتها حركةُ حماس، بِحَمَاسٍ، على بلداتٍ في جنوب إسرائيل، وكانت “الغَلَّةُ وافرةً” حيثُ قُتِلَ أكثر من 1200 إسرائيلي، إضافةً إلى أسرِ حوالي 200 شخص، ما زالَ نصفُهم في أيدي حركة حماس إلى اليوم. وحصلَ أن دخلَ حزبُ الله هذه المعركةَ من جنوبِ لبنان، وكذلك الفصائلُ المُواليةُ لإيرانَ في الإقليم… وذلك من بابِ المُساندة لغزَّة.
وكان الردُّ الدوليُّ على حربِ غزَّة هذه، داعما لإسرائيل، إذ تقاطرَ رؤساءُ وزعماءُ الدول الغربيَّةِ إلى إسرائيل منذ اليوم الأوَّلِ لهذه الحرب، شاحنينَ معهم عتادًا عسكريًّا، وناشرين في البحارِ أساطيلَ وحاملاتِ طائرات.
واضحٌ كان، أنَّ الغربَ تعاطى مع هذه الحرب وكأنَّها مسألةُ أمنٍ قوميٍّ غربيٍّ، فيما إسرائيلُ اعتبرتها حربًا وجوديَّةً، تصغُرُ أمامَها كلُّ التضحياتِ.
أمَّا مِحورُ المُمانعة، فقد بنى خُطَطَهُ لهذه المعركة، مُتَّكئًا على سَيْرورةِ الحُروبِ السَّابقةِ مع إسرائيل في آخر 30 سنة. إلَّا أنَّ الردَّ الإسرائيليَّ تخطَّى كلَّ التَّوقعاتِ وبلغَ جُلَّ المُحرَّمات: فلا أعدادُ قتلاه أردعَتهُ، ولا وجودُ أسراهُ أعاقَتهُ، ولا تعدُّدُ الجبهاتِ أرهقتْهُ، ولا طولُ الحربِ ألجمَتهُ، ولا توصياتُ وقفِ إطلاقِ النارٍ زَجَرتْهُ.
في النتيجةِ، إلى الآن، لم يكُن ردُّ مِحورِ المُمانعة على مستوى التَّحديَّات. فلا إيران أوجعت إسرائيل، ولا حزبُ الله لجَمَها، فيما الحوثيُّون والفصائلُ العراقيَّةُ والسوريَّةُ ، أظهروا عدمَ قُدرةٍ موازيةٍ في حَجمِ التدميرِ وقوَّةِ الإختراقِ الإسرائيليِّ.
في القراءةِ المتأنِّية، نلاحظُ أنَّ حزبَ الله تُركَ وحيدًا في المعركة. وكأنَّ الجميعَ في الإقليمِ، غيرُ مَعنيٍّ بما يَحصلُ له من ضرباتٍ قاتلةٍ. فيما تُعاينُ بين السُّطورِ، أنَّ هناك قرارًا دوليًّا كبيرًا قد اتُّخِذَ، وهو قيدُ التَّنفيذِ، بإنهاءِ الحالاتِ العسكريَّةِ للأحزابِ المُمانِعَةِ في الإقليم. أمَّا الموقفُ الإيرانيُّ، فَما زالَ مُلتبسًا، وهو يتذَبذَبُ، بين آمالٍ اقتصاديَّةٍ موعودةٍ، وضماناتٍ سياسيَّةٍ مبتغاةٍ، وبين الحفاظ على واقعٍ مأزومٍ، لم يعد مُربحًا.
إنها لعبةُ الأمَمِ مرةً ثانيةً، حيث كان لبنانُ قد خضعَ لمُندَرَجاتِها، أوائلَ تسعينيَّاتِ القرنِ الماضي. وها هو نفسُ السيناريو يتكرَّرُ اليومَ، وما مِن مُهْدٍ…
رحمَ الله كلَّ بريءٍ،
وأعانَ الله كلَّ مُهجَّرٍ،
ويا ليتَ هذه الشعوبُ، تتَّعِظُ من التّاريخِ وكَبَوَاتِه…