كلمة الدكتور ناجي الحايك احتفاءً ب ” كتابُ ابي ” لمؤلفه د. عماد يونس الفغالي في انطش جبيل

” منذ وعيت وليومنا هذا يكثر ابي من جلسات الاخضاع للشرح والتعليم ويقلل من الروايات القروية التي كانت من اختصاص المرحوم جدي.

كثيرة كانت الاسماء التي رددها بحسب ارتباطها بظروف عمله أو صروف أيامه ولكن أخبار علاقاته الخاصة كانت نادرة إلا ان أعتقها واحبها الى قلبه على الإطلاق كان اسم يونس الفغالي وهو الذي حمل لقب صديق المدرسة ورفيق العمر وخازن الذكريات.

حبذا لو كان لأبي عافية كافية تسمح له بالجلوس حيث اجلس اليوم لأنالمنبر لاق دائما به والكلام طاع دوما في يديه.

لهذا أجد نفسي غير قادر أن ازيد في ما قاله عن يونس فاقتبست:

“ما أعرفه عنه، هو أنّه رجل صادق، روحه غنيّة بالمناقب، يعيشها فيداخله وفي الخارج… تلك هي جبلته، تلك هي روحه التي لا يصحّ فيهاإلّا الحمد لا المباهاة.

يونس بورجوازيّ حديث، بورجوازيّ سماع، وبورجوازيّ تفكير، رغم أنّهجبليّ لم يتخلَّ يوما عن جبليّته في قطاف اللوز والعنب والزعتر منجلال فغال!

يجيد الصمت إلى أعلى مستوى الكلام، يعطي محدّثه بسمعه ما هوأغنى من الحديث إليه! هكذا عرفتُه!

يحاول دومًا أن يخرج إلى التفكير الراقي بكلمات متواضعة، بومضاتعابرة إلى مناخات حيّة… ويبقى هناك مع روح الحقّ والخير والجمال،محاولاَ أن يقفز خارج ظلّه إليها، إلى رحاب أخرى.

سألته مرة عن رأيه بوصفي هذا فأجاب ببسمته الصامتة والهادرةمعًا: نعم أنا في مثل هذه المحاولة.

انّه وحتى إن طال بيني وبينه هذا المدى، إلا أني خليت له زاوية فيقلبي يعود إليها وأعود كلما هب نسيم الذكريات!

إنّ الزمن يمرّ على كلّ شيء ما عدا الذكريات الجميلة!”

وينهي أميل شهادته بالقول:

أتوقّف عند هذا الحد، لأني لا أريد أن أجرح تواضع صديقي كونيعليم بخشوعه، شهيد لرهافة حسه، سميع لصفاء صوته عندما يناديني: إميل أنا يونس! فأجيبه: يونس، أنا إميل!

انتهى الاقتباس

ماذا عساي أخبر عن علاقتنا بهذا البيت؟

اورثتني أخوة يونس وأميل أحبة ثلاثة عماد وعصام وجهاد.لكن الإبنالبكر كان الأقرب الى عمري فوجدت به أخا عزيزا وإن لم تلده أمي، انهالدكتور عماد صاحب نزاكة أمه أمل المميزة واحساس أبيه المرهفولاهوت عمه الخوري أنطون المعمق وناسوت موارنة هذه الأرضالمشلش.

قد يكون يونس صديق أبي الوحيد الذي كنا نزوره ويزورنا بانتظاموبدون انقطاع، أنا بفيق على خمسين سنة. حضورمتبادل ودائم بين فغال وبجه وبين بيروت وجبيل.في تلك الفترة كان هذا متنفسا وحيداوبسيطا لأولاد الأيام الصعبة. بالحقيقة إن أحب مشاويرنا كان مشوارجبيل الذي كنت انتظر بشغف وصول تاريخه، اولا لانني كنت أحب البيتزا تحت البيت بالإضافة إلى التنزه مزهوا برفقة عماد في أحياءالمدينة الأعز الى قلبي والنزول الى الميناء والبحصة وفرح وشرف السباحة في بحر فينيقيا الذي خلناه ملكا لنا لا للرومان “ماري نوستروم”.

وفي معرض استذكار الماضي الجميل من واجبي أن أخبركم بكم عذابه لي ولأصدقائه الكثر في قريتي عندما كان يقضي بعض ايامالصيف في بجه، هذا الاكليريكي المتواضع القلب العاقل بالتصرفوالذهبي الفم الذي كان يصرف كل وقته مبشرا بكد وجد وبدون كلل، محاولا بدون جدوى تصويب اداء شياطين ساحة البستان في بجه.

ترافق يونس واميل على درب ناهزت العقود التسعة حتى انهما فقدا توازنهما وتعثرا في نفس الفترة وكسر وركيهما في نفس الوقت وقاتلا المرض نفسه بنفس العزم ونفس الشكيمة وبقوة ايمان مستمدة من سركيس وباخوس ومخايل وجبرايل.مررت وابي في جبيل منذ شهرين فاصر على زيارة يونس ولكنني تلكأت تفاديا لاحراج اي منهما من رؤية تراجع صحة صديقه.مع العلم أن وضعهما الصحي كان متشابها ولكن بدون علمهما. في مكان ما عرفت بأن فيض المحبة الجامعة بين التوأمين كانت ترفض أن ترى الوهن وأثر الأيام على الأجساد.

سبق اميل يونس بالميلاد ولكن يونس تقدمه بالإنتقال الى جوار الاب، يسألني عنه من وقت لاخر ويطلب زيارته فاكذب متذرعا برغبة عمو يونس بتأجيل اللقاء، ذلك اللقاء الحتمي حيث تنأى الاحزان والافراح ازمان والازمان اباد والاباد عيد.

في الختام لم أجد تقييما يليق بسر صداقة ابي مع ابي عماد ويفي ارتباط عائلتينا حقهما إلا بتشبيه هذه العلاقة بديمومة سر الكهنوتالذي لا ينتهي حتى مع الموت بل يبقى ابديا ابديا ابديا.”