جورج كريم _ الروابط
وطن الإشعاع والنور، وطن الحرف والأبجدية، وطن مغناته ، أنه موجود بفعل الوجود. فلا وجود بدون هذا الوطن، وهو برهان قاطع على أن ما خلقه الله كان ” حَسَنٌ وحسنٌ جدّاً “. (سفر التكوين)
وطن، علّمنا استاذ التاريخ والجغرافيا بأن تاريخه ابتدأ مع الإنسان الأول، وجغرافيته لها حدود من الشمال والجنوب والغرب والشرق. وان شعب هذا الوطن تكوّن من مكوّنات بشرية مضطهدة، ومعتدى عليها بحريتها وكرامتها ، فكان لبنان ملجأ المضطهدين، وملاذ الأحرار، وموئل المبعدين.
وعلمنا استاذ القانون الدستوري، ان “شعوبه” انصهرت في شعب واحد هو الشعب اللبناني. وان طوائفه تؤمن باله واحد هو الإله الحيّ القيّوم. وان نظامه ديمقراطي في دولة مدنية، ولا عَلَمَ يعلو علمه مهما تعدّدت أعلام الطوائف والمذاهب والأحزاب والجمعيات ، وان النشيد الوطني هو على فَم كل لبناني قبل نشيد العشيرة والقبيلة.
وعلّمنا استاذ القانون المدني، بأن القانون يطبّق على جميع المواطين سواسية وفقاً لقواعد تطبيقية واحدة موحّدة، والعقوبة على قدر الخطأ والمخالفة. وان المُلكية الخاصة كما مُلكية الجماعة كفلها الدستور كما يكفل حرّية المعتقد والتعبير…
وعلّمنا أستاذ علم الإجتماع، ان لا طغيان لمكوّن اجتماعي على المكوّنات الأخرى عملاً بشرعة العقد الإجتماعي الذي ارتضاه اللبنانيون لأنفسهم، وباختيارهم الحرّ. وإن الحكم شورى من خلال عمل المؤسسات الدستورية ومنها: مجلس النواب، الحكومة، رئاسة الجمهورية، ومؤسسات المجتمع المدني غير الطائفي وغير الإلهي.
فآمنا بما درسنا، وصدّقنا ما تعلّمنا.
ولكننا اليوم نكفر بما درسنا وتعلّمنا، لأننا اكتشفنا على أرض الواقع وبالعين المجرّدة زيف ما تعلمناه، حيث لا انتخاب لرئيس الجمهورية ولا مجلس نواب يحاسب ويشرٍع ، بل مجلس عشائر ومجالس طوائف، وأن تأليف الحكومة يخضع لكل المعايير الحزبية والطائفية والحصصية ، إلا للمعايير الوطنية، وان التاريخ أُلغي من المناهج التربوية لإلغاء ذاكرة الوطن، وجغرافية الوطن شلّت الي مقاطعات ، لكل مقاطعة أميرها الدنيوي والديني، وصار لكل مكوّن اجتماعي حدوده الجغرافية والسكانية، وعلَمه ، وثقافته ، وشعاراتِه، وشعائرَه ، وسلوكه بما يشبه ما يُعرف بال “غيتو”. وإن المُلكية الفردية للأقليات المتواجدة في بعض مناطق الأكثريات سقطت بوضع اليد ” واغتصابها” من قبل جماعات وقوى نافذة في هذه الأكثريات، وتحت بصر الدولة المركزية. وهذا ما نراه يومياً في هذا الزمن الرديء من قيام أبنية وانشاءات على أملاك الغير، سواء كانت من المشاعات أو من الأملاك الخاصة، أو من الأملاك العامة والبلديات، ولا تتمكّن قوى الأمن والشرطة على منعها أو قمعها أو هدمها، مهما علا صراخ أصحاب الملكيات والحقوق.
فأين هو القانون الذي يطبق على الجميع؟ وأين هو دستور حماية الملكية الخاصة والعامة؟ وأين هو القضاء ؟ وأين هي المحاكم؟
لم يعد خافياً على أحد كما تنشر وسائل الإعلام يومياً، بأن انتشار “وباء” هذه التعديات على أملاك الغير وخاصة العامة منها تتوسع تحت ” عيون” أجهزة الدولة ، لأن هناك من يحمي المخالفين من جماعة النافذين في زمن لا سقف فيه للدولة ولا حيط عالياً.
ونستطرد بالسؤال: هل على المواطن في “المقاطعات ” التي ما زالت تؤمن بالدولة وتدعو الى قيامها ان يدفع “غرامة” مخالفة صغيرة كتسكير بلكون مثلاً أو يمنعه شرطي ما من إقامة “خيمة” عصير أو منقوشة ليعتاش منها!؟
وهل على المواطن في مناطق نفوذ الدولة أن يدفع الغرُم ولغيره الغُنم!؟
وهل على المواطن اللبناني في مناطق نفوذ الدولة أن يخاف ويهاب الدركي ، بينما يُعتدى عليه في مناطق الإستكبار والإستقواء!؟
وهل يكون صيف وشتاء على سطح الوطن الواحد؟
أسئلة كثيرة هي على كل شفة ولسان، تتأجج غضباً في الوجدان الشخصي والوطني، ولا تجد لها أجوبة سوى بين المشاعات المغتصبة ، في دولة هشّة، ودويلات فجة.
فهل ينتصر وطن الحق والكرامة؟
أم يسقط في الدويلات والزعامة؟





