يمر قطاع العقارات في لبنان بحالة ركود شديدة، إذ تراجع الطلب على العقارات بشكل كبير في عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ مقارنة بالسنوات السابقة للأزمة المالية والاقتصادية التي بدأت في عام ٢٠١٩. ويعزو خبراء اقتصاديون هذا التراجع إلى نقص السيولة في السوق وانهيار الليرة اللبنانية وتجميد الودائع المصرفية وتفاقم الوضع السياسي والأمني والصحي في البلاد.
*انخفاض الطلب والقيمة*
تؤكد الدراسات أن سوق العقارات في لبنان شهد انخفاضاً حاداً في الطلب بنسبة تزيد عن ٨٠ في المئة خلال الأربع سنوات الأخيرة، نتيجة للأزمة المالية والنقدية التي أثرت على البلاد، وأنه في السنتين الأوليين من الأزمة، كان بإمكان المشترين شراء العقارات بواسطة الشيكات، وهي الطريقة التي كان يفضلها المطورون العقاريون لتسديد ديونهم للمصارف، ولكن بعد أن تمكنوا من تخفيض معظم هذه الديون، أصبحوا يطلبون الدفع نقداً، ما أدى إلى صعوبة شراء العقارات من قبل الكثير من المشترين اللبنانيين، وبالتالي انخفاض الأسعار بدورها بنسبة تصل إلى ٥٠ في المئة مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة.
كما يؤكد معظم الخبراء أن معظم العقارات التي تم بيعها كانت من الشقق الصغيرة ذات السعر المنخفض، والتي لا تزيد قيمتها عن ١٠٠ ألف دولار. ولكن هذه الشقق لم تعد في متناول الفئة الأكثر طلباً عليها، وهي الفئة التي تتلقى رواتبها بالليرة اللبنانية، والتي شهدت انهياراً في قيمتها خلال الأزمة. ولجعل الأمور أسوأ، فإن الوضع الصعب للقطاع المصرفي حرم هذه الفئة من الحصول على القروض التي كانت تعتمد عليها لشراء العقارات.
*تضخم غير منطقي*
هنا يرى بعض المحللين أن سوق العقارات في لبنان كان مضخماً بشكل غير واقعي، وأن الأسعار كانت مرتفعة بشكل مبالغ فيه مقارنة بالقيمة الحقيقية للعقارات، وأن هذا السوق لم يدفع اقتصادياً ثمن الحرب الأهلية، فعلى عكس المنطق والعلم، ارتفعت أسعار العقارات بعد نهاية الحرب الأهلية بشكل متضخم وغير منطقي.
فهذا السوق يحتاج إلى تصحيح كبير، وإلى البدء من الصفر، كما حدث في بعض الحالات في أوروبا بعد الحروب، بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات جذرية في النظام المالي والاقتصادي والسياسي في لبنان، وإذا تم توفير الحوافز والتسهيلات للمشترين والمطورين العقاريين.
ولكن، هذا الأمر يبدو شبه مستحيل لأن اللبناني يواجه صعوبات كبيرة في تأمين احتياجاته الأساسية من الغذاء والدواء والوقود والكهرباء، في ظل تراجع الدولار وارتفاع التضخم والفقر والبطالة. وفي هذا السياق، يبدو أن قطاع العقارات ليس على رأس أولوياته، هو الذي يناضل من أجل البقاء في ظل الانهيار الشامل.
د.ايلي الخوري





