باباوات من أصول لبنانية أو فينيقية

بمناسبة زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى ​لبنان​، بين 30 تشرين الثاني الحالي و2 كانون الأول المقبل، نستذكر بعض المحطات من سيرة باباوات من أصول لبنانية أو فينيقية، كان قد ذكرهم الأب إميل إده في مقال له نشر في صحيفة “النهار” بتاريخ 16 أيلول 2012، لكن مع التوسع أكثر في تلك المحطات.

البابا ​القديس أنيشيتوس​ (155 – 166)

هو البابا العاشر للكنيسة الكاثوليكية، تم إختياره بعد وفاة البابا القديس بيوس الأول. وبحسب المعلومات ينحدر من مدينة حمص السورية، وكان معروفاً جداً في روما حيث عاش القسط الأكبر من حياته.

من أبرز الأحداث، التي يشار إلى أنها حصلت في زمان حبريته، كانت الحوار الذي حصل مع القديس بوليكربوس، أسقف سميرنا، في قضايا مختلف عليها بين الجماعات المسيحية، من أهمها قضية تعيين يوم للاحتفال بعيد الفصح تجمع عليه كنيسة الشرق وكنيسة الغرب معاً، لكنهما لم يتوصلاً إلى إتفاق.

وكانت المجتمعات المسيحية في آسيا الصغرى تحتفل بالفصح في اليوم الرابع عشر من شهر نيسان (بغض النظر عن اليوم الذي يقع فيه)، وهو نفس توقيت عيد الفصح اليهودي (عيد الفصح). بينما كانت كنيسة روما والمجتمعات الغربية تحتفل به في يوم الأحد الذي يلي اليوم الرابع عشر من نيسان، رمزاً لقيامة المسيح في يوم الأحد.

ويعتبر البابا انيشيتوس أول من أوصى الكهنة بجم الشعر ولبس الثوب البسيط الأسود، كما منع الاكليروس عامة من ارتداء الثياب الفضفاضة والمتعددة اللون، إلا في أثناء الحفلات الدينية.

واعتبر البابا أنيشيتوس شهيداً، وفقاً للتقاليد، حيث استشهد خلال اضطهاد الإمبراطور الروماني لوسيوس فيروس، ودفن في ​الفاتيكان​. ويحتفل بعيده في 17 نيسان من كل عام.

البابا يوحنا الخامس​ (685 – 686)

ولد في إنطاكية نحو العام 630، ثم انتقل إلى روما حيث عاش القسم الأكبر من حياته.

في العام 685، خلف البابا بنيديكتوس الثاني على السدة البطرسية، وينظر إلى إختياره، بحسب بعض المراجع، على أنه يمثل تحولاً مهماً، بعد فترة من السيطرة البيزنطية القوية على انتخاب الباباوات في روما، حيث كان مرشحاً محبوباً من العامة والإكليروس.

ومن الأمور الهامة التي يشار إليها عند ذكره، هو أنه قبل فترته كان من المطلوب أن يحصل البابا المنتخب على موافقة من الحاكم البيزنطي في رافينا قبل تنصيبه، لكن هو تنصيبه فور انتخابه دون انتظار الموافقة من رافينا. كما واجه ضغوطاً كبيرة بسبب الضرائب الباهظة التي فرضتها الإدارة البيزنطية على ممتلكات الكنيسة في روما وإيطاليا.

ومن أهم مبادراته إدخال كنائس سردينيا في محور الإدارة الكنسية المركزية في روما.

القديس سرجيوس الأول​ (687 – 701)

خلف البابا يوحنا الخامس، بعد وفاته في العام 687. وولد في باليرمو (صقلية) في العام 620 من عائلة فينيقية نزحت من الشرق (تعود أصول العائلة إلى إنطاكيا).

تلقى تعليمه الجيد وانضم إلى الإكليروس في روما، حيث ارتقى في المناصب ليصبح كاهنا معروفاً بالتقوى والكفاءة.

كان البابا سرجيوس الأول أول من أثبت السلطة الزمنية للكرسي الرسولي. حيث اشتهر في معارضة قرارات مجمع القسطنطينية الدخيل، ما أغضب الإمبراطور الذي أرسل مبعوثاً عسكرياً إلى روما لاعتقاله وإحضاره إلى القسطنطينية، بينما قام جيش رافينا (في إيطاليا) وسكان روما بالتمرد ودافعوا عنه، مما أجبر المبعوثين على الفرار.

ويعود له تعزيز الاحتفال بأربعة أعياد كبرى لمريم العذراء في التقويم الروماني، وهي: البشارة (25 آذار)، الرقاد (15 آب)، الميلاد (8 أيلول)، التقدمة في الهيكل (21 تشرين الثاني)، كما أدخل بعض الطقوس الخاصة بتكريس الصليب.

كما كان معروفاً برعايته للفقراء والعطاء بسخاء، بالإضافة إلى الإهتمام بالفن والعمارة، قام بتزيين العديد من الكنائس في روما، منها كنيسة سانت سوزانا.

البابا سيسينيوس​ (708)

خلف البابا يوحنا السابع، بعد نحو ثلاثة أشهر على وفاته، في 18 كانون الثاني عام 708، وهو من صور.

وتشير جميع المصادر التاريخية إلى أنه كان يعاني من داء النقرس الحاد، في حين كانت أبرز اهتماماته تحصين روما من جديد، بعدما كادت أسوارها تخرب تماماً نتيجة لهجوم البرابرة مراراً عليها. إلا أن الموت فاجأه بسرعة، قبل أن ينهي مشروعه المهم، في شهر شباط من السنة عينها، إذ كان في بداية مسيرته الإصلاحية.

البابا قسطنطين الأول​ (708 – 715)

خلف البابا سيسينيوس بعد وفاته، وهو أيضاً من مدينة صور وولد في صقلية، حيث تسلم السدة الرسولية في شهر آذار من العام 708.

ويشار إلى أنه نتيجة لأصله ونشأته، كان يتقن اللغة اليونانية إتقاناً تاماً، ما ساعده في مهمته الدبلوماسية الكبرى لاحقاً.

أكمل ما بدأ به البابا سيسينيوس من إصلاح وبناء أسوار روما. لكن الحدث الأبرز في فترة حبريته كان الزيارة التاريخية إلى القسطنطينية، بعد أن كان الإمبراطور جستنيان الثاني قد عاد إلى العرش بعد فترة من المنفى.

في ذلك الوقت، كان لا يزال الخلاف حول مجمع ترولو (692) قائماً، فأراد الإمبراطور جستنيان الثاني من زيارة البابا قسطنطين إلى القسطنطينية مناقشة المسألة وجهاً لوجه.

وبعد مفاوضات استمرت عدة أشهر، تمت المصالحة بين الجانبين، حيث كان الأهم تنازل الإمبراطور عن المطالبة بقرارات مجمع ترولو المثيرة للجدل. لكن بعد عودته بفترة وجيزة، تمت الإطاحة بجستنيان الثاني وإعدامه، مما جعل الاتفاقية التي تم التوصل إليها بينهما بلا معنى عملياً، لكن الرحلة أثبتت مبدأ استقلالية البابوية.

بالتزامن، حاول ملك اللومبارديين أريبرت الثاني، خلال غياب البابا في الشرق، الاستيلاء على بعض أملاك الكنيسة، لكن بعد عودته، نجح البابا في التفاوض مع الملك المذكور واستعادة هذه الممتلكات.

البابا القديس غريغوريوس الثالث (731 – 741)

خلف البابا القديس غريغوريوس الثاني، وهو أيضاً من أصول فينيقية. ومثل سلفه، كان يتقن اللغة اليونانية بطلاقة.

وتمحورت حبريته بالكامل حول الصراع مع الإمبراطورية البيزنطية، حاول تحطيم الأيقونات وبناء تحالفات جديدة. حيث واصل، كما البابا القديس غريغوريوس الثاني، معارضة مرسوم الإمبراطور ليو الثالث (الإيساوري) الذي حظر تبجيل الأيقونات.

بعد وقت قصير من انتخابه، عقد مجمعاً في كنيسة مار بطرس بالفاتيكان حضره 193 أسقفاً، أخذوا موقفاً مناقضاً لموقف الإمبراطور البيزنطي لاوون الثالث. ومن أهم قرارات المجمع أن من يشوه صورة المسيح أو صورة أمه العذراء مريم أو صور الرسل والقديسين يمنع من شركة الكنيسة ومن الأسرار المقدسة كافة.

بينما رد الإمبراطور لاوون الثالث بمصادرة الأملاك البابوية في جنوب إيطاليا وصقلية، والتي كانت تمول الأنشطة الخيرية والإدارية في روما. كما سحب السلطة الكنسية على مقاطعات إيليريكوم (البلقان) وغرب اليونان من البابا، ونقلها إلى بطريرك القسطنطينية.

ولما كان مندوب البابا متجهاً إلى القسطنطينية ليسلم الإمبراطور قرار المجمع اعتقله الجيش البيزنطي وسجنه، كما تم إعتقال بعض موفدي البابا إلى المدن الإيطالية وهم مكلفون بنشر قرارات المجمع.

ونتيجة لذلك، التجأ البابا إلى ملك فرنسا شارل مارتيل واضعاً ممتلكاته البابوية تحت حماية الفرنسيين، داعياً إياهم إلى استرداد إيطاليا. وفي أيامه حج ملك الساكسون إلى روما، وبعد عودته إلى بلاده أسس رسماً سنوياً سمّاه “دينار مار بطرس”.

كما قام البابا بتزيين العديد من الكنائس في روما بالأيقونات والفسيفساء، كرد فعلي عملي على سياسة التحطيم في الشرق. وأسس ديراً مخصصاً للرهبان الناطقين باليونانية والسريانية، مما وفر ملاذاً للرهبان الفارين من الاضطهاد في الأراضي البيزنطية.

وفي العام 731، خصص ​البابا غريغوريوس الثالث​، في كنيسة مار بطرس، مكانا لتكريم جميع القديسين.