بعد سقوط “البارون”: ماذا يعني توقيف نوح زعيتر في ميزان واشنطن والداخل اللبناني؟

شربل مخلوف

المركزية-يوم امس، تمكّن الجيش اللبناني من توقيف أبرز تجار المخدرات في لبنان، نوح زعيتر، خلال عملية نفّذها في منطقة بعلبك – الكنيسة. وزعيتر، المولود عام 1977، يُعدّ أشهر مهرب مخدرات وفارّ من وجه العدالة، وقد صدرت بحقه عشرات مذكّرات التوقيف والأحكام الغيابية.

في 28 آذار 2023، فرضت وزارة الخزانة الأميركية، بالتنسيق مع بريطانيا، عقوبات على زعيتر واثنين من أبناء عمومة الرئيس السوري بشار الأسد بتهمة تهريب الكبتاغون. وفي 24 نيسان من العام نفسه، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مماثلة على الأشخاص الثلاثة. وأعلنت وزارة المالية الفرنسية آنذاك أنّ زعيتر متورّط في تجارة الكبتاغون بين لبنان وسوريا.

انطلاقًا من هذا التطور الأمني اللافت الذي أفضى إلى إلقاء القبض على زعيتر، تبرز تساؤلات حول خلفياته ودلالاته وتوقيته، ولا سيما في ظل إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى واشنطن. فهل يحاول الجيش إثبات قدرته أمام الأميركيين على مواجهة المجرمين، بمن فيهم أولئك القريبين من حزب الله، بهدف تخفيف الضغوط الأميركية؟ وكيف تزين واشنطن هذا الإنجاز؟

المحلل الاستراتيجي الجنرال يعرب صخر يوضح لـ”المركزية” أن “هناك ثلاثية مستمرة ومتلازمة تحكم هذا الملف، هي المال والسلاح والمخدرات، ثلاثية لطالما حظيت بحماية ورعاية وتشجيع المحور الإيراني – نظام الأسد – حزب الله”.

ويضيف: “طوال السنوات الماضية، شكّل نظام الأسد وتعاظم نفوذ حزب الله في لبنان، إضافة إلى التمدد الإيراني في المنطقة، مظلة حامية لهذا النشاط. لكن بعد سقوط النظام السوري عمليًا، وما أصاب الحزب من ضعف ووهن، وتراجع التأثير الإيراني في المنطقة، تهاوت المظلة التي كانت تؤمّن الحماية لتجارة المخدرات”.

ويتابع صخر: “كل هذه التطورات الجيوسياسية أدّت إلى إضعاف الغطاء الذي كان يحمي شبكات المخدرات. ومنذ أشهر، بدأت الأجهزة الأمنية اللبنانية، وعلى رأسها الجيش، تحقيق إنجازات متتالية في تفكيك عصابات المخدرات والحد من نفوذ الكارتيلات، خصوصًا في البقاع الشمالي، من الهرمل إلى بعلبك، وصولًا إلى الحدود السائبة مع سوريا. صحيح أن العمل متراكم منذ عقود، لكن ما تحقق خلال الفترة الأخيرة يُعدّ تقدمًا مهمًا، وإن كان لا يزال هناك الكثير من الشبكات التي تحتاج إلى تفكيك”.

ويشير إلى أنّ “الدول العربية، ولا سيما الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، عبّرت عن ارتياحها لهذا المسار، بدليل الوفود الاقتصادية والاستثمارية التي زارت لبنان اخيرًا، وأبدت استعدادًا للتعاون بعد سنوات من التوتر نتيجة تدفق المخدرات من الأراضي اللبنانية”.

ويضيف صخر: “تتويج هذه الإنجازات بتوقيف نوح زعيتر، وقبله أشخاص آخرون كأبي سلّة وغيرهم، يؤكد وجود قرار جدي بمواجهة هذه الآفة. أما القول إن الهدف من توقيف زعيتر هو تبييض صورة الجيش أمام الأميركيين بعد إلغاء زيارة قائده، فهذا غير صحيح. فإذا أراد لبنان تحسين صورته أمام الولايات المتحدة، فالمطلوب هو التقدم في ملف نزع السلاح غير الشرعي، لأنه الملف الأساس الذي يعني واشنطن. أما المخدرات، فستسقط تلقائيًا مع سقوط السلاح والمال غير الشرعي”.

ويتابع: “تبييض الوجه أمام العرب قد يكون في مكافحة المخدرات، أما أمام الأميركيين فالمعيار هو السلاح. وفي الحالتين، مكافحة المخدرات ووقف التمويل غير الشرعي، بما في ذلك الكاش ماني التي تغذي المليشيات المرتبطة بإيران والكارتيلات العالمية في أفريقيا وأميركا اللاتينية، كلها خطوات تمهّد لمعالجة أصل المشكلة وهو السلاح”.

ويختم صخر: “عام 2026 قد يكون محطة مفصلية. الأمل كبير بأن نشهد نهاية هذه الثلاثية: السلاح غير الشرعي، المخدرات، والمال غير الشرعي. وعندها فقط يمكن للبنان، وللشرق الأوسط بأكمله، أن يستعيد مسار الازدهار والاستقرار”.