بقلم: أ.د. مصطفى حسين كامل
انطلقت اليوم في مدينة بيلم. البرازيلية أعمال الدورة الثلاثين لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP30)، بمشاركة قادة وممثلين من أكثر من 190 دولة من مختلف أنحاء العالم، في حدث يوصف بأنه لحظة فارقة في مسيرة العمل المناخي الدولي. ويأتي هذا المؤتمر بعد انعقاد قمة القادة حول المناخ يومي 6 و7 نوفمبر الجاري، التي جمعت رؤساء دول وحكومات ووزراء وممثلي منظمات دولية من 153 وفدًا، لمناقشة التحديات الملحّة لتغير المناخ والالتزامات الضرورية لمواجهتها، وهو ما يمهّد الطريق للانتقال من التعهدات النظرية إلى التنفيذ الفعلي على الأرض.
اختيار مدينة بيلم لاستضافة المؤتمر ليس مجرد تفصيل شكلي، بل يحمل رمزية خاصة؛ فغابات الأمازون، المعروفة بـ”رئة الأرض”، تمتص نحو ملياري طن من الكربون سنويًا وتساهم بشكل حيوي في توازن المناخ العالمي. إلا أن هذه الغابات تواجه خطر التدهور بعد فقدان ما يقارب 17% من مساحتها خلال العقود الماضية نتيجة الحرائق والقطع الجائر للأشجار، ما يعكس الحاجة الملحّة لاتخاذ إجراءات دولية عاجلة لحمايتها.
يحمل COP30 أجندة مزدحمة بالملفات الحيوية، بدءًا من خفض الانبعاثات الكربونية، وتمويل المناخ الذي تطالب فيه الدول النامية بتخصيص ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار سنويًا لدعم خطط التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي، بينما لا يتجاوز التمويل الفعلي حتى الآن نحو 30% من هذا المبلغ. كما يركز المؤتمر على حماية الغابات والتنوع البيولوجي، والانتقال العادل للطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة النظيفة، مع ضمان عدم الإضرار باقتصادات الدول النامية، بالإضافة إلى تعزيز العدالة المناخية من خلال مشاركة المجتمعات المحلية والنساء والشباب في صنع القرار المناخي، باعتبارهم الأكثر تضررًا من الأزمة.
الحضور العربي في المؤتمر كان بارزًا ومؤثرًا، حيث ركزت الدول على مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والزراعة الذكية مناخيًا وإدارة المياه، مع التأكيد على ضرورة تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، والدعوة إلى تمويل منصف ونقل التكنولوجيا للدول النامية.
وحذر خبراء المناخ من تفاقم الأزمة البيئية، مشيرين إلى أن تركيز ثاني أكسيد الكربون وصل إلى 421 جزءًا في المليون، وهو الأعلى منذ نحو 4 ملايين سنة، فيما ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمعدل 1.2 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية. وتقدر الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الظواهر المناخية لعام 2024 بما يزيد عن 300 مليار دولار، ما يعكس حجم التحدي العالمي وأهمية التحرك السريع.
وأكد المشاركون في COP30 أن المؤتمر يمثل لحظة حاسمة للتحول من الوعود والتعهدات إلى التنفيذ الفعلي، مشددين على أن قضية المناخ لم تعد محصورة في البعد البيئي فقط، بل أصبحت مرتبطة مباشرة بالأمن الغذائي والمائي والاستقرار العالمي. ودعوا المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل وفاعل لضمان مستقبل أكثر أمانًا وعدلًا واستدامة للأجيال القادمة، مؤكدين أن الوقت لم يعد يسمح بالمماطلة وأن كل تأخير في الإجراءات سيضاعف التكاليف الاقتصادية والإنسانية.




