تشجيع القراءة على مواقع التواصل يكتسب أهمية خاصة في زمن يسيطر فيه المحتوى الرقمي على حياة الناشئين. تقارير “We Are Social” لعام 2025 تذكر أن أكثر من 72% من الشباب بين 16 و24 عاماً حول العالم يقضون أكثر من ثلاث ساعات يومياً على المنصات، وفي المنطقة العربية ترتفع النسبة إلى 80%. في لبنان يتجلى هذا الواقع بوضوح، إذ يشكل الشباب الفئة الأكثر نشاطاً على مواقع التواصل.
إحصاءات اليونسكو تكشف أن متوسط القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 35 ساعة سنوياً للفرد، بينما يتخطى في أوروبا 200 ساعة. لبنان حقق وفق “مؤشر القراءة العربي” حوالي 59 ساعة سنوياً بمعدل يقارب 29 كتاباً، إلا أن استطلاعاً أجري عام 2024 أشار إلى تراجع المعدل إلى 3.4 كتب سنوياً ومتوسط 77 ساعة قراءة. هذه الأرقام تضع الحاجة إلى مبادرات فعلية في صدارة الأولويات، وهنا يبرز دور تشجيع القراءة على مواقع التواصل كوسيلة عملية.
الناشئون يمتلكون القدرة على جعل المنصات مكتبات تفاعلية من خلال نشر روابط لمقالات مثيرة للاهتمام أو مشاركة اقتباسات قصيرة من كتب. بعضهم يلجأ إلى مقاطع الفيديو القصيرة لتلخيص رواية أو مقال، ما يمنح الفكرة بعداً بصرياً جذاباً. تجارب في مصر والهند أظهرت أن تحديات القراءة مثل “10 مقالات في 10 أيام” جذبت آلاف المشاركين، وخلقت نقاشات مستمرة حول محتوى النصوص. الإحصاءات بيّنت أن هذا النوع من المشاركات يزيد معدل التفاعل بنسبة 23% مقارنة بالمحتوى العابر.
المعلمون يشكلون ركيزة أساسية لإنجاح هذه المبادرات. عندما يقترحون قوائم قراءة أسبوعية أو يديرون مجموعات للنقاش على فيسبوك وواتساب، يصبح تشجيع القراءة على مواقع التواصل نشاطاً منظماً يرتبط بالصف كما بالحياة اليومية للطلاب. تجارب في فنلندا والإمارات أثبتت أن إشراف المعلمين على الأنشطة الرقمية رفع معدلات مشاركة الطلاب بنسبة 40%. الأثر يتضاعف حين يظهر المعلم نفسه كنموذج قارئ نشط، إذ تؤكد دراسة لليونسكو عام 2022 أن حضور المعلم بهذه الصفة يزيد من احتمال ممارسة الطلاب للقراءة.
التجارب التطبيقية يمكن أن تتخذ أشكالاً متعددة. بعض الطلاب يفضلون نشر فقرة يومية ملهمة من كتاب، وآخرون يختارون إعداد مراجعات سريعة عبر الفيديو، وهناك من يطلق مسابقات لاختيار أكثر اقتباس تأثيراً. جميع هذه الأنشطة تعزز روح المشاركة وتجعل القراءة نشاطاً ممتعاً، في الوقت الذي تضيف فيه قيمة معرفية حقيقية إلى محتوى المنصات.
اليوم يضم العالم العربي أكثر من 228 مليون مستخدم نشط لمواقع التواصل، أي ما يقارب نصف عدد السكان. هذا الحضور الضخم يشكل فرصة غير مسبوقة لإطلاق مبادرات تربوية وثقافية واسعة. حين يشارك الناشئون بحماسهم ومعلموهم بخبرتهم، يتحول تشجيع القراءة على مواقع التواصل إلى ممارسة قادرة على إعادة الاعتبار للكتب، وتعزيز النقاش العام، وتغذية جيل كامل بثقافة رقمية متوازنة بين الترفيه والمعرفة.

