الصور الحاضرة في البال والذاكرة


‏‎
‏‎وحفرت  ايام هذا العام العابرة و العامرة، أروع الصور على الصفحات وفي الذاكرة، ،ولبّينا  في خلاله الدعوات، وشاركنا في الإحتفالات،ولم نفوّت المناسبات،وبين جمالية المشاركة ونعمة المباركة، أنشدنا مسك ختام هذا الصيف ،الذي ومض كالطيف،وإذا بنا نلملم الصور من بستان الزمان، ونعرضها على صفحات الوجدان،لا للمباهاة والمفاخرة ، بل لتصمد ،ولتبقى في البال حاضرة.
‏‎وتعملقت المشاهد، في زيارة جبال العاقورة،تلك البلدة التي بالأنوار مغمورة،بلدة البطولات والعنفوان ،وأرض الخيرات والإيمان،وطابت القهوة الصباحية،على تلك الشرفة وقبالة الأرزة الدهرية وفي روعة المناظر الطبيعية،حيث كانت الأخت مادونا والأخت فاديا في إستقبالنا في دير راهبات العائلة المقدّسة المارونية.
‏‎بعدها حمَلَنا الوفاء المرفق بالإشتياق إلى دارة  أعزّ الأصدقاء وأحسن الرفاق الشيخ فراس الهاشم،وصدحت مُرحّبة والدته الناشطة الرسوليّة والرئيسة الدائمة للأخوية الشيخة جانيت،واستقبلنا والده الشيخ رشيد،وبين الدمعة والإبتسامة  غرق ذلك الشاب الذي كان يتربّع على عرش الوسامة،هو الذي أقعده المرض ونالت من جسده الأوهان،لكنه يتغلّب على كل ذلك بنعمة الصبر وقوّة الإيمان،وغادرنا بيت فراس مزوّدين بإضمامات الرجاء وعطر المحبة،إلى رحاب شاعر العاقورة أسعد نصرالله، وهتفنا”ماشالله” على حسن الإستقبال وعلى تلك القامة العاقورية الأصيلة،وفي الجلسة معه ومن حواضر شعره بادرني صادحا ببيت من العتابا :
‏‎غالي وفي زوايا البيت إسعد    الليالي وطالما بالأمس أسعد
‏‎وكلما زرت مرّة دار أسعد  جبيني بينطح غبار السحاب
‏‎فما كان مني إلا أن إرتجلت :
‏‎إسمالله عليك وما شالله      بالكلمه عم بتتجلّى
‏‎العاقورة  بتفاخر فيك       الشاعرأسعد نصرالله
‏‎وهكذا إنتصف النهار وغادرنا  محمّلين بالغمار من طينة وطيبة تلك الديار،وفي طريق العودة عرّجنا على عنّايا  فتباركنا وصلّينا وطرحنا الأمنيات والنوايا. 
‏‎وفي يوم ٱخر من أواخر ٱب ،وفي ذلك المساء بينما الشمس تبارح السماء والعيد يسكن الأجواء، قصدنا لحفد وبيت الطوباوي إسطفان بمناسبة عيده،وعيد ميلاد إبن شقيقنا إسطفان ،وانتعشنا من مياه “نبع الغرير”المباركة،ومن ثم تناولنا اللقمة الشهيّة في إستراحة “لحفدية”.
‏‎ومع إطلالة الأول من أيلول،أطلّ علينا عيد”مار ماما” ،ودعوة الصديق طوني سمعان فارس لبّينا  ومن سخائه وذوقه مع السيدة زوجته إنتشينا، ومع أهل عبادات الأحبّّاء شاركنا في العشاء القروي في جوّ فنيّ وغنيّ وضيعوي.
‏‎وتابعنا مع زهوة النشاطات الأيلولية،برفقة إبنة ضيعتنا الروائية والشاعرة منى رفيق بولس،قاصدين قلب لبنان وعلى مقربة من قرية  أديب ” قلب لبنان” “أمين الريحاني””الفريكه”,حيث شاركنا في إحتفالية  بمناسبة مئوية الفنان منصور الرحباني في ساحة دير “مار جرجس بحردق”، وبرعاية سيادة المطران أنطوان أبي نجم، وكانت للسيدة منى كلمة بليغة لا بل دراسة معمّقة بالمناسبة، أثنى عليها الحاضرون ومن بينهم  الشاعر هنري زغيب والفنان غدي الرحباني…وهكذا سكرت الكلمات مع الأغاني،وأطلقت الوقفات أروع المعاني،وسرحنا في رحاب الفن الرحباني مَدعاة فخر وعزّة  كل لبناني.
‏‎ولما حان موعد اليوبيل الفضي لمجلة الروابط لا بل لمجلّتنا ،والتي كانت متنفسا لأفكارنا،وموطنا لٱرائنا،ومرتعا لكلماتنا، على مدى سنوات وكانت وستبقى،فكيف لنا أن لا نشارك الصديق الكبير والأديب والخطيب الأستاذ جورح كريم فرحته هذه فحضرنا برفقة إضمامة حصاراتية وفيّة،وسُحرنا كالعادة بإطلالة الأستاذ جورح الخطابية وبكلماته الغنية ولفتاته السنيّة ،نحو تلك الوجوه النوعية وببركة صاحب الغبطة والنيافة مار بشارة بطرس الراعي وبمشاركة معالي الوزير وليد نصار…
‏‎أمّا عشقنا للشعر ومحبتنا لضيعة فتري والتي رافقنا نشاطاتها منذ زمن بعيد،وقدمّنا احتفالاتها كلما رنّت أجراس العيد، فبادلتنا محبتها ووفاءها،وهكذا نادتنا فلبّينا النداء،إلى تقديم تكريم إيقونة الزجل اللبناني الشاعر الكبير موسى زغيب،وسط مباراة شعرية رائعة وراقية بين الشعراء شربل كامله وميلاد ضو من” جوقة العمر”،وسميح خليل وفيصل الصايغ من “جوقة القلعة”،وتسامى الشعر وطاب السَمر وطال السهر وممّا قلته في التكريم:
‏‎عاشر  الكبير بتكبر وكرّم الكبير بتكبر
‏‎وفي شاعر طابع بصمات    وجوّات القلب بيعبر
‏‎في لو صولات وجولات     التاريخ بأمرا أخبر
‏‎موسى زغيب من الهامات  البيفاخر  فيها  لبنان
‏‎                وقلعة بيشهدلا المنبر
‏‎وأقبل عيد الصليب،حيث اللقاء يطيب،وفي “حصاراتنا” بين سنديانات كنيسة مار يوحنا العتاق،وفي هذه السنة إمتزجت البسمة بالدمعة على وقع الفراق،حيث وسط الأجواء الفنية والجمعة الضيعوية والأطباق الغنية،كانت مميّزة تلك اللفتة التكريمية من شبيبة الرعية إلى  روح فقيد الشباب سامر أنطوان نجم فجرى تقديم درعا تكريميا إلى عائلته،حيث قلت :
‏‎سنة الماضي هوني كان      عم يزهى  بي شبابو
‏‎كلّو  نخوه   وعنفوان         وبيحرٓك  بين صحابو
‏‎كان مميّز  هالإنسان         من هيكي كترو حبابو
‏‎سامر مابين الشبّان           ضحكه وحركه وإندفاع
‏‎                    وألله يرحم ترابو
‏‎وفي اليوم التالي تابعنا ليالي الأفراح،عبر المشاركة في إكليل العروسين حويك الحويك وتمارا يزبك،في كنيستنا الرعوية،وسط جوّ من البهجة والتمنيات القلبية والزينة البهية.
‏‎وبعد عجقة وجمالية المهرجانات والحفلات،كان لا بد من القيام ببعض الزيارات ،تلك الزيارات المؤجلّة منذ فترة طويلة،إلى نخبة من الوجوه الأصيلة،وحانت الزيارة الأحبّ،إلى ذلك الراهب الأقرب إلى القلب،والذي وجّهنا إلى كيفية السير على درب الرب،
‏‎وترافقنا إلى زيارته وإلى دير مار مارون عنايا  مع الخوري الصديق بيار الخوري،وسرحت بنا الأوقات التي تختصر بلحظات بين الأحاديث والذكريات،وفي عودتي إلى دياري سال المداد من قلمي وتدفّقت أفكاري لتكتب مقالة مِلؤها المحبة والإحساس تحت عنوان “الأب مارون غاريوس،حكاية عمر تفوح كالعطر”.
‏‎وكانت وجهتنا التالية إلى بلدة غوسطا،لزيارة النسيبة الشيخة ورده عاصي وزوجها سليم شهوان،وقبل الوصول كيف لا نزور! سيدة لبنان في حريصا،طالبين من العذراء،التي تعانق الجبل وتطلّ على البحر ،أن تشفع بنا وبهذا الوطن وتنهي زمن المحن وتبعد عنا البَغضاء والفتن. وهانحن على تلّة كسروانية  ،ليكتمل هذا المشوار،وبعد طول إنتظار في بيت يعبق بالمحبة ويرحب بنا كأننا من أهل الدار،ومن ميزاته الكرم والحفاظ على التراث وجمع الٱثار، وهكذا بالأهلا والإبتسامة وبتقدير صلة القرابة،كان الإستقبال ،ومن ثم ختمنا هذه “المسوية”برفقة سعاد وبولا سليم شهوان بزيارة كنيسة وتمثال الرحمه الإلهية.
‏‎ودارتنا في حصارات ،التي طالما شرّعت الأواب للجود وللترحاب،هاهي هذه الدار العريقة تحتفل بعيد ميلاد “ريتا” إبنة الشقيقة وكان عيد من أجمل الأعياد وسط فرحة الكبار وزوغة الأولاد.
‏‎وعندما يحضر الثالث والعشرون من أيلول،من أهم العادات التي حافظنا عليها، أن نقصد جارة ضيعتنا شامات في عيد شفيعتها القديسة تقلا، حيث شاركنا في الذبيحة الإلهية وسط الأجواء الإحتفالية في تلك الكنيسة الأثريّة.
‏‎وما زلنا في أجواء القداسة حيث لم تخمد في داخلنا روح الحماسة،وكانت زيارتنا السنوية إلى ضيعة عين كفاع،التي لنا في حناياها  أصدق الصداقات،  ولها في حياتنا  أعمق الذكريات،وعلى صفحاتنا أبلغ الكلمات  ، وفي دنياها أمضينا أحلى الأوقات ،إنه عيد مار روحانا،في طرف أيلول الذي بشتاء الإيمان “مبلول” وفي قلوب أهل عين كفاع “محمول”ومن طينة غنية “مجبول”،وبعد القداس تنافس الأحبّة على دعوتنا إلى “فنجان قهوة”وكنا من نصيب الصديق يعقوب فرحات وشقيقه طنوس،وترافقنا مع الخوري أيمن الخوري،وإ ستقبلنا أهل الدار بوجوه مشعة بالأنوار مع إبتسامة الأستاذ إدمون،وما توقفت القصة عند فنجان قهوة، فامتدّت إلى فاكهة وحلويات العيد، وما  أروع ختام الصيفية على تلك المصطبة “العين كفاعية” ومع هذه الوجوه البهية ومن تلك الأيادي السخية.
‏‎وأختم هذه الكلمة بالشكر والعرفان،وبالوفاء الذي لا يقدّر بأثمان،وبمتابعة سلوك دروب الإيمان،وكلما كتبنا من القلب نكتب ويحضر العنوان،متضرّعين الى الله كي يمنحنا العافية والصحة، والأمان لموطننا لبنان.
‏‎
‏‎ غانم إسطفان عاصي
‏‎  حصارات٠١-١٠-٢٠٢٥