كي لا تكون وزارة التكنولوجيا عنواناً آخر بلا اثر. د. بيار الخوري

بيروت يا بيروت

ولادة وزارة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في لبنان خطوة تحمل بعدًا استراتيجيًا، خصوصًا أن الاقتصاد الرقمي العالمي يُقدَّر أن يصل حجمه إلى نحو 20% من الناتج العالمي بحلول 2030 وفق تقديرات البنك الدولي.

لبنان، الذي يملك الآف المهندسين في قطاع تكنولوجيا المعلومات مسجّلين في نقابة المهندسين، إضافة إلى آلاف المبرمجين ورواد الأعمال، يمكنه أن يحوّل هذه الطاقات إلى مصدر إنتاجي إذا أحسن استغلال الوزارة الجديدة.من الناحية الإيجابية، تشير أرقام البنك الدولي إلى أن إدخال التكنولوجيا في الإدارة العامة يمكن أن يرفع كفاءة الإنفاق الحكومي بنسبة 10 إلى 15%، أي ما يعادل وفورات قد تصل إلى مليار دولار سنويًا في حالة لبنان إذا طُبّقت أنظمة رقمية متكاملة في الجباية والقطاع العام. كذلك، فإن تعزيز بيئة الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي قد يفتح الباب أمام استثمارات مباشرة تتراوح بين 200 و300 مليون دولار خلال خمس سنوات، إذا جرى توفير التشريعات المناسبة والحوافز الضريبية.

لكن في المقابل، هناك تحديات كبرى. فوفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، تحتاج أي دولة ترغب ببناء بنية تحتية رقمية متقدمة إلى إنفاق لا يقل عن 2% من ناتجها المحلي سنويًا.في حالة لبنان، هذا يعني نحو نصف مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ يصعب تأمينه في ظل عجز الدولة وضعف المالية العامة اذ يعادل١٠% من مجموع الموازنة للعام ٢٠٢٦.

هذا الخلل يهدد بتحويل الوزارة إلى إطار شكلي بلا موارد كافية.أما على مستوى الموارد البشرية، فإن الأرقام محزنة: تشير تقديرات نقابية إلى أن أكثر من 40% من خريجي علوم الكومبيوتر في لبنان يهاجرون سنويًا. هذا النزيف يعني أن أي مشروع للتحول الرقمي سيبقى ناقصًا إذا لم تُعالج بيئة العمل والرواتب الضعيفة.إضافة إلى ذلك، فإن الفساد الإداري الذي يكلّف لبنان نحو 5 مليارات دولار سنويًا وفق تقارير سابقة للبنك الدولي، يشكل تهديدًا مباشرًا لأي محاولة لبناء ثقة بالتحول الرقمي.

يبقى أن لبنان يمتلك فرصة إذا عرف كيف يربط الوزارة الجديدة بالشبكات الدولية. تجارب دول صغيرة مثل إستونيا أظهرت أن الاستثمار المبكر في الرقمنة رفع الناتج المحلي بنسبة 2% سنويًا، وقلّص كلفة المعاملات الحكومية بنسبة 70%.إذا تمكن لبنان من تطبيق نصف هذه النتائج، فإن الأثر سيكون مضاعفًا على اقتصاده المأزوم، خصوصًا في تقليص البطالة بين الشباب التي تجاوزت 36%.وزارة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي قد تكون بداية طريق جديد.

لكنها ليست ضمانة بحد ذاتها. نجاحها مرتبط بتأمين التمويل، استعادة الثقة، ووقف نزيف الكفاءات. الأرقام تقول بوضوح إن الفوائد هائلة، لكن الكلفة أيضًا كبيرة، والتهديد الأكبر أن تتحول الوزارة إلى عنوان آخر بلا أثر إذا لم تُحصّن بخطة تنفيذية شفافة وإرادة سياسية حقيقية.