وداعًا للبريفيه… بداية كسر حلقة التعليم العقيم. بقلم د. بيار الخوري

منذ 27 مارس 2025، أثار قرار إلغاء امتحانات الشهادة المتوسطة (البريفيه) في لبنان ردود فعل مختلفة، حين وافق مجلس الوزراء على طلب الوزيرة ريما كرامي بإعفاء التلامذة من هذه الامتحانات واستبدالها بإفادة مدرسية .

القرار جاء استثنائيًا، كاستجابة مباشرة للظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد، ولمنح الوزارة المجال للتركيز على امتحانات الثانوية العامة.لكن يأتي حديث الوزيرة في 29 أغسطس 2025 ليضفي بعدًا أعمق.

إذ أكّدت لصحيفة “النهار” أن إلغاء شهادة البريفيه ليس مجرد خطوة عابرة، بل هو جزء من إعادة تشكيل للعقلية التربوية القائمة. هي تعلم أن النظام التربوي القديم لم يعد يواكب التحولات الحاصلة، وإن كانت هذه السنة لا تشهد تطبيقًا كاملًا لهذا المفهوم، فإنها تسير في هذا الاتجاه ضمن خطة زمنية مدروسة .

العبارة المفتاحية هنا هي: “إلغاء شهادة البريفيه جزء من التغيير في العقلية التعليمية التي نعمل عليها… نحن نسير بالتأكيد في هذا الاتجاه لكن وفق خطة تحتاج إلى مدى زمني” .

العبارة تعكس بوضوح أن هناك رغبة للخروج من نموذج تعليم تابع للامتحانات كغاية، نحو نظام أكثر امتيازًا بالمحتوى التربوي والقياس الكفائتي.

لا شك أن التلامذة أنفسهم عبّروا عن هذا التحول بشكل عملي عندما وصفوا شهادة المتوسط بأنها مجرد خطوة عبور نحو المرحلة الثانوية، لا أكثر، “ليس لها معنى إلا أنها تؤهلهم للثانوي” .

ومعرفة ذلك من داخل المؤسسات التربوية نفسها، دفعت المركز التربوي للبحوث والإنماء إلى اقتراح نموذج أكثر ديناميكية للتقييم، يقوم على مزيج من العلامات المدرسية، والمشاريع، وملفات التتبع portfolio، وبعض الامتحانات المكتوبة في مواد مختارة .

هذا النموذج لا يكسر الروتين فقط، بل يؤسس لمنظومة تقييم حقيقية تأخذ بالمقارنة ضمن السياق التربوي أولًا، وليس مجرد اجتياز عقدة الامتحان.أما من الناحية العملية، فيؤكد القرار أن إلغاء البريفيه لهذا العام جاء عبر مرسوم وزاري قدم إلى مجلس الوزراء بعد المرور بمجلس شورى الدولة ، ما يعني أنه قرار رسمي ذو طابع استثنائي وليس مبادرة عابرة.

ولكن تحويل هذا القرار إلى سياسة دائمة، كإلغاء كامل للشهادة، سيتطلب تعديل قانوني يصدر من النواب، بحسب الدستور .يمكن أن يُفهم من تصريحات الوزيرة أنها تدرك حجم التحديات: الكثافة الطلابية، تراجع الموارد، وضغوط المرحلة. لذا، لا يمكن الذهاب نحو التغيير الشامل بين ليلة وضحاها. لكن هذه الخطوة، وإن كانت مؤقتة، هي محاولة تحمل الكثير من المعاني: إعادة ترتيب الأولويات، وتهيئة المناخ لتحول جوهري في طريقة تعاملنا مع التقييم والنجاح والتعلّم.

بهذا المعنى، يشكل إلغاء “البريفيه” استثناء هذه السنة نافذة لفهم أوسع: أن تغيير منظومة التعليم لا يتطلب فقط تعديل المنهج أو تقليص الحشو، بل تغيير ثقافة التقييم نفسها، من التركيز على الامتحان كغرض، إلى التعلّم كغاية.

وهذا ما يُفهم من كلام كرامي حين تقول إنهم يسيرون في هذا الاتجاه، لكن وفق خطة وضعت زمنها وتدرّج خطواتها.

عسى ان تشكل هذا القرار خطوة أولى في رحلة الالف ميل.

بيروت يا بيروت