نص كلمة مرسيل خليفة ، الفنان والمغني والمؤلف الموسيقي بصوته ووتر عوده يترددان في أصقاع الأرض، كأنهما صلاة حرة لا تعرف حدودًا..
القي النص خلال حفل أطلاق مهرجانات صيدا الدولية أمس الأثنين
“هل من مكان اليوم للأغنية للموسيقى وسط هذا المشهد المرعب من الدمار والأنقاض والركام وبعد عشرات ألوف الشهداء والجرحى واللاجئين ؟!
من يستطيع أن يعزف ويغني وهو يعيش في الموت ؟!
ذلك بالضبط هو الخلاص
ذلك بالضبط هو الرجاء
الخلاص من حقارة الواقع وعجز الحقيقة وأن نستطيع على المُضيّ حُبّاً ، رغم الموت والحرب والوحشيّة والإبادة الروحيّة والجسديّة .
إن كل نوتة كل اغنية كل قصيدة تضيء الآن هي شمس كبيرة . شمس تعيد إلينا الحب والكرامةش والحريّة . شمس تعيدنا إلى الحياة ، تنقذنا ، وهي انتصار على الموت .
هذا هو ما جعلنا نأتي اليكم ولنقول أن هناك أمل بعد في هذا الزمن الاجراميّ السافل . نلتقي اليوم على وقع مهرجان صيدا . نطير مع صهيل الذاكرة ونزداد شروقاً في هذا الليل . كاللهب المتضرّم يرتجف في شمس حزيران .
أنظر إلى شاطى ذكرى بعيدة ، تحت شمس حارقة .
وطن عربي شاسع وقد أُخذت منه زينته ، عسير النقط ،متوحّل في اول الصيف .
أتقشفً في التحديق ولا اطيل النظر . شيءٍ في داخلي يطلق ريحاً في الغمام . يولد من بحر صيدا ويحررني من قرفي .
أحتاج إلى كوفيّة أمسح بها دمعاً حاراً كالصديد . لقد تقرّح لقلبي من عفن المرحلة ومن تعب اسئلة قاحلة .
كيف أروي شيئاً ممّا ارى ، لعلّه شيئاً من الماضي الجميل .
أصدقائي
أنا مدين لصيدا بمالا تُخفي من شغف في بحرها الأزرق .
من هنا غنينا لمعروف سعد ” يا بحريي هيل هيلا ” من طعم ماء هذا البحر واصبحت على كل شفة ولسان .
كنا نصرخ بشغفنا على المينا ، نتذوّق عسل الحياة ونطلق الخيال . كنا كصوت الموج على صخرة ينساب ، نصعد إلى شرفة احلامنا ولم نكن نبالي بما سوف يقولون إن اكتشفوا بريق عيوننا .
حملت عودي أول مرّة في صيدا عاصمة الجنوب وغنيت للفرح حين وعدتني العاصفة بنبيذ آلهة وبأنخاب جديدة وبأقواس قزح . غنيت آنذاك بصوت غارق في براءة هذا الوعد وتملكني شعور بأنه قادم لا محالة ، وأن العاصفة ستفي بما وعدت به . وتكرّ الأيام وأقلب المدن صفحة صفحة واعود اليوم مثل البحار العتيق إلى ” المينا ” إلى أرض أغنيتي لأواصل سرد الحكاية لكي نذهب إلى الحلم مؤمنين بأننا سننتصر على وحش الأعماق .
نحرس الحنين إلى بحر صيدا بين حبّات الموج ينتحرنَ على قصبة الصيد لتنثرها الأسماك المجنونة . نرفع الشراع قارباً يمخر العباب ويمسح السَحاب عن ظفائر شمس تجدل في الافق البعيد . ثمّ نصعد في عرس بيدر تُزّف سنابله لمنجل الحصّاد على موّال صوت صياد حنون تقطفه الامواج وتطويه زغرودة الانتظار .
أبحث عن الوطن في الاغنية وفي كل
ما لدى المقام المُعد لتطرية الايام الصعبة التي نعيشها .
لا بدّ من الرغبة والحسرة والقسوة والثورة والنداء والكلام والصمت والنسيان والتذكّر والحب .
أصابعي سأعلقها على مشارف الوتر لأكتب لصيدا جَهراً بيان الحب !
أعودّ اليكم كطائر فرح في هيمانه عبر البحر .
أعود خلف القلعة لأحط في ليل ٩ آب بمهرجان صيدا
ننتظركم ونغمركم بكل الحب”
مرسيل





