قراءةٌ في الهزيمةِ السِّياسيَّة للمِحورِ


المهندس ساسين القصيفي .

في السِّياسةِ، كما لكلِّ شيءٍ في هذه الدنيا، هناك محطات فَوْزٍ وأخرى خسارات. وهذه هي دورةُ التَّاريخِ الطبيعيَّةِ.
وفي القراءةِ المُتأنِّيةِ، لنتائجِ الصِّراعِ في الإقليم، نلحَظُ في الفترةِ الأخيرةِ، عَدَمَ وضوحٍ في الرُّؤَى السياسيَّة، كما وتخبُّطًا جليًّا، في اللا – إستراتجيَّةِ المُتَّبَعةِ، من قبل مكوِّنات المِحَور في لبنان، واستطرادًا في الإقليم.
وفي المُقارباتِ الخاطئةِ للمحور، يظهرُ أنَّ قادَتَهُ، ما زالوا يقرؤونَ في خريطةٍ كان قد رسَمَ خطوطَها الحُمرِ، وحدَّدَ سقفَ تَحَدِّياتِها، الأمينُ العامُّ السَّابقُ، السيِّد حسن نصرالله. أمَّا وقد استشهدَ، وتمَّ بعد ذلك، التوقيعُ على تنفيذِ مُندَرَجاتِ اتِّفاقِ القَرارِ الدَّوليِّ 1701 مع الأميركيِّين، والذي استُتبِعَ بانهيارِ النِّظامِ السوريِّ، فإنَّ كلَّ تلك الوقائعَ الميْدانيَّةَ، قد انعَكَسَت تَضَعضُعًا في سياساتِ مِحورِ المقاومة. وأصبحت الواقعيَّةُ السياسيةُ، تُحتِّمُ قراءةَ المَيْدانِ، حسبَ توازُنِ القوى، آخذةً بِعيْنِ الإعتبارِ، المُستجدَّاتِ الذاتيَّةِ والإقليميَّةِ، في لبنان والمنطقةِ، بطريقةٍ موضوعيَّة.
وفي هذا الإتِّجاه،
إنَّ انتخابَ العمادَ جوزيف عون، بِحدِّ ذاتِهِ، رئيسًا للجمهوريَّة اللبنانيَّةِ، ليسَ فشلًا للمحور. لكنَّ حزبَ الله، قارَب الموضوعَ بكثيرٍ من الفَوْقِيَّةِ، تعود لزمنٍ ولَّى. فَوَضَعَ نفسَه في المكان الغير مناسبٍ.
كما وإنَّ تكليفَ القاضي نوّاف سلام، رئيسًا للحكومة اللبنانيَّة، ليسَ انكسارًا للمحور. لكنَّ الثُنائيَّ الشِّيعيَّ تعاطى مع الموضوع، بطريقةٍ غير مُنسَجِمةٍ والأصولِ الدستوريَّة. فكان ان ارتسمَ شبحُ خسارةٍ.
ولكن، ليس هنا تكمُن الهزيمةُ الكبرى، لِمِحور المقاومة. بل إنَّ سوءَ إدارةِ المَعركة السياسيَّة، والتَّذَبذُبَ في المواقفِ، على مستوى الدَّاخلِ، أفضيا الى انفضاضِ مُعظم الحُلفاء – لا بل كلُّهم – عن المحور. فأغلبُ الصحافيِّينَ الحُلفاءِ، باتوا في المَقلَبِ الآخر. وأكثريَّةُ السياسيِّين وصنَّاع الرأيِ، بدؤوا يَتَلمَّسون طريق الابتعادِ عن هذا المِحور، ومن دون خجلٍ.
كما وإنَّ نزعةَ التَّنائي عن مسارِ الحزبِ، بدَت واضحةً، لدى سائر الحُلفاء. فلم يَعُد تقريبًا للحزبِ، أيُّ فريقٍ ذي وزنٍ، يَجهَرُ بالتَّحالفِ معَهُ، لا عند المَسيحيِّين ولا عند السُّنَّةِ ولا عند الدُروز، فيما بدأت تتجرَّأُ اصواتٌ من داخل البيئة الشيعيَّة، على انتقادِ الحزبِ وسياستِه… فكلُّ هذا البُنيانِ، الذي رُصِفَ مِدماكًا فوقَ مِدماكٍ، لعشراتِ السِّنين، وبدا لِزَمنٍ غير بعيدٍ، كَقلعةٍ مُتَرَاصَّةٍ ومتناغمةٍ، ذات أبراجٍ عالية، يحكُمُ قائدُها إقليمًا واسعًا، فَكان إذا أَوْمَأ، حصَلَ، وإذا أمَرَ، أُطيعَ، وإذا رفَضَ، استُجيبَ… قد تقوَّضَ سريعًا، وَهَرَعَ الكثيرون، مِمَّن كانوا بداخلِه مُستفيدين، يرمون الرَّاياتِ الصفراءَ من النوافِذِ، وهم في طريقهم الى الخارج!!
وهنا كَمَنَ الإحباطُ السياسيُّ الأكبرُ للمحوَر.
وفي النِّهايةِ، اعتقَد حزبُ الله ومن خلفِه إيران – أو أُريدَ لهما أن يَقتَنِعَا – لِسَنواتٍ طويلةٍ،
أنَّهُما وَحدَهُما، مَن يُطلِقا العواصِفَ في الإقليمِ، وكذلك هما وحدَهُما القادِرانِ على صَدِّها،
وأنَّهما الملاكِمان الوحيدانِ على حَلَبةِ الشَّرق الاوسَطِ، وأنَّه لم يعُد أحَدٌ يَجرؤُ على مُنازلَتِهما، لا في الدّاخلِ ولا في الإقليمِ، الى ما بعدَ الحِلفِ الأطلسيِّ وأساطيلِهِ…
لكنَّ كلَّ تلك التَّوازناتِ الإعلاميَّةِ، لم تَشفَع لهما لحظةَ الحقيقة. فكانَ الذي يملِكُ، في تلك الدولةِ العَميقةِ، ناصيةَ العِلْمِ وخبايا التكنولوجيا إضافةً الى تلك القوَّةِ التدميريَّةِ الهائلةِ، أنْ قرَّرَ، أنَّ الوقتَ قد حَانَ، لإعادةِ ِرَسْمِ الخرائطِ السياسيَّةِ والإقتصاديَّةِ وربَّما الجغرافيَّةِ، في الإقليمِ. وهذا ما هو حاصلٌ. مع الملاحَظَةِ، أنَّ أكثريَّةً من شعوبِ الإقليمِ، لا تأسَفُ لما هو يَرتَسمُ !!
إنَّها دورةُ التَّاريخِ في هذا الشَّرقِ، فَطُوبى لِمَن يفهَمُها ويلتزِمُ بِقَواعِدِها، فَيَخلُص!!