هل نحنُ في عصرِ الإرتِدادِ عن الديمقراطيَّة؟


المهندس ساسين القصيفي

صرَّحَ وزيرُ خارجيَّةِ اليابان عام 1940، أنَّهُ: ” في المَعركةِ بينَ الدِّيمقراطيَّةِ والشُّموليَّةِ… فإن الأخيرةَ… سوفَ تفوزُ من دونِ شكِّ وسَتُسَيطرُ على العالم”.
وحاليًّا، تَتَكاثَرُ اقوالُ كُتَّابِ السَّلاطينِ، وتتضاعفُ تحاليلُ الصَّحافةِ الصفراءِ، وجميعُها تَشِي، بِصُعودِ الأنظمَةِ الشُّموليَّةِ، وَاضمحلالِ الدِّيمقراطيَّة.
ولكن،
نحنُ من جيلٍ، درسَ في كُتبِ التَّاريخِ، عن هزيمَةِ الأيدولوجيا الشُّوفينيَّةِ الشُّموليَّة، التي مثَّلَتها في فترةٍ ما، دولٌ مثل اليابان والمانيا…
ونحنُ كذلك من الفئةِ العُمريَّةِ، التي كانت شاهدَةً على ثوراتِ الحُريَّة، اواخِرَ ثمانيناتِ القرنِ الماضي، والتي بدأت في عواصِمِ اوروبا الشرقيَّة، حيث أُسقَطَتْ النُّظُمُ الديكتاتوريَّةَ، بعد هَدْمِها لِجِدارِ برلين، ولم تنتَهِ في ساحة تيانانمن في الصِّين، حيث تمَّ سَحْلُ ثُوَّارِ الحريَّةِ بالدبَّاباتِ.
ونحنُ من البيئةِ الجغرافيَّةِ، التي عايشَت الأنظمةَ الشُّموليَّةَ، بمختلَفِ أشكالِها العسكريَّة والثوريَّة والقوميَّة والدِّينيَّة…وكنَّا شهودا على انهيارِ الكثيرِ منها، فيما عُرفَ، بثوراتِ الرَّبيع العربيِّ، والتي بِدَورِها، تخلَّفَت عن الوُصولِ الى بَرِّ الديمقراطيَّة.
فهل فعلًا نحن اليومَ، في عَصرِ الرِّدَّةِ عن الدِّيمقراطيَّة؟
مِمَّا لا شك فيه، انَّ الانظمَةَ الشُّموليَّةَ، ما زالت تَقوى شوكَتُها، وتَتَمدَّدُ جغرافيَّتُها، وتَتَثبَّتُ عقائدُها، على أفكارٍ ثوريَّةٍ او قوميَّةٍ اويساريَّةٍ او مذهبيَّةٍ او في مَزيجٍ بينها… وباتَ لها أُطُرها التَّنظيميَّةَ، في السياسَةِ والاقتصادِ والإعلامِ…
لكنَّ التاريخَ يعلَّمُ،
انَّ الانظمةَ الشموليَّةَ، والتي عادةً ما تعيشُ مجتمعاتُها حياةَ استِلابٍ، تراها تقفُ عاجزةً عن مجاراةِ التَّطَوُّرِ الطبيعيِّ للأفكارِ كما وللوَعْي الفرديِّ والجَمعيّ، فَتَخلُقُ أجواءَ ضاغِطةً على الإبداعِ والمُبدعين، فَنَلحَظُ نُزوحًا للأدمغَةِ من هذه البيئاتٍ وتأطيرًا للحريَّاتِ. وهنا يكمنُ كَعْبُ أخيلِها!
أمَّا الانظمَةُ الديمقراطيَّةُ فَمَهما بَانَت عليها علاماتُ التَّرهُّلِ او الضَّعفِ، فهي تبقى قويَّةً في منظومَتِها القِيَميَّةِ والأخلاقيَّةِ، وهي قديرةٌ في تصحيحِ أخطائها، من ضِمنِ نظامِ الحُريَّاتِ التي تَتَمتَّعُ بهِ مؤسَّساتُها القضائيَّةِ والإعلاميَّةِ…زِد على ذلك فإنَّ النِّظامَ الدِّيمقراطيَّ، يخلقُ بيئةً جاذِبَةً للأفكارِ التَّقدميَّةِ، كما وللأشخاصِ المُبدعين. وهنا يَكمُنُ أساسُ قوَّتِها وديْمومَة تقدُّمها!
صحيحٌ انَّ النظامَ العالميَّ حاليًّا، هو في ديناميَّةٍ مُطَّردَةٍ، ولكنَّه كان دائمًا هكذا، في تغيّيرٍ مُستمِرٍ، على مدارِ التَّاريخ.
وها إنَّ البشريَّةَ اليومَ، أمامَ نفسِ التَّحدِّي التَّاريخِيِّ، مرَّةً جديدةً، في سَيْرُورَةِ تطوُّرها على مساراتٍ غيرِ مُستقيمَةٍ!
فَمِثلما سبَقَ لأثينا أن تَحَدَّت إسبرطة في القرنِ الخامسِ قبلَ الميلاد، هكذا سيبقى التَّضَادُّ بين نظامَيْ الحُكمِ، الى انْ تنموَ البشريَّةُ بإدراكها العِلميِّ وسُموّها الأخلاقيِّ ورِفعتها الإنسانيَّة…
فالديمقراطيّةُ كمنظومةِ حُكمٍ، قد باتَتَ قيمةً كونيّةً، يَنْشُدُها كلُّ طالبِ حريَّةٍ،
ولا حريَّة صادقةً، حيثُ تُشتَرى الطاعَةُ بالخُبزِ!