ميلاديَّات


المهندس ساسين القصيفي

في التَّاريخ القديم، لم يكُن يُسَجَّلُ، الميلادُ الحقيقيُّ للأشخاصِ، إلَّا لِقِلَّةٍ من فئات عَليَّةِ القوم، من الذين تَتَوفَّرُ لديهم، ظروفُ التقويمِ والتَّدوين. وبذلك، لا يُوجدُ تأريخٌ مُحدَّدٌ عِلميًّا، ليَومِ أو سنةِ ولادةِ السيِّدِ المسيح. وهذا ينسحبُ على الأنبياءِ والملوكِ والعُلماءِ والفلاسفَةِ… من زمَنِ المَسيحِ وما قبلَهُ، وحتى الى مئاتِ السنين مِن بعدِه.
الى ذلك، فإنَّ في المسيحيَّةِ، دلائلُ كتابيَّةٌ كثيرةٌ، حولَ مكانِ وزمانِ ولادةِ السيِّد المسيح، له كلُّ المجد.
فالمكان، مُحدَّدٌ أنَّه في مغارةِ بيتَ لحمِ أفراتة، في اليهوديَّة.
والزَّمانُ، يدلل الى قرار يوليوس قيصر، باكتتاب المَسكونة.
أمّا التأريخُ الرومانيُّ، فكان يستندُ، الى زمنِ تأسيسِ مدينةِ روما، الموافِقَةِ لسنة 753 قبل الميلاد. والتقويمُ الميلاديُّ المعروف حاليًّا، تأسَّسَ على يَدِ كاهنٍ أرمينيٍّ ” ديونيزيوس إكزيجيزوس” سنة 525م، الذي أعادَ احتسابَ التَّأريخَ حسبَ التَّقويمِ الميلاديِّ.( وتبين لاحقا انَّه أخطأ في حساباته لسنتين او ثلاثة).
كيفيَّة اعتماد يوم 25 ديسمبر، يوم عيد الميلاد.
يجب التأكيدُ أولَّا، انَّ يومَ 25 ديسمبر، الذي اعتُمِدَ، يومًا لعيدِ ميلادِ السيِّدِ المسيح، لم يَكُن عيدًا وثنيًّا. إذ إنَّ المسيحيِّين في تلك الفترةِ، كانوا ما زالوا يُضْطَهَدونَ مِن قِبلِ الإمبرطوريَّةِ الرومانيَّةِ، ويُقدَّمون أُضحياتٍ في أعيادِ روما الوثنيَّة.
ويشيرُ القدِّيس أغوسطينوس، في القرن الرابع، أن التقليدَ الكنسيَّ يعُودُ بالإحتفالِ، بعيدِ البشارةِ الى يوم 25 مارس. وبالتالي يكون الميلاد بعد تسعةِ أشهرٍ في 25 ديسمبر.
بِدَورهِ، يقولُ القديسُ يوحنا ذهبيُّ الفمّ، أنَّ زكريا الكاهن، كان يخدمُ في الهيكل يومَ عيدِ الكفَّارة، عندما ظهر له الملاك مبشِّرًا بولادة يوحنا المعمدان. وهذا العيدُ اليهوديُّ، عادَةً ما يأتي في أكتوبر. وإذا ما احتُسِبَ أنْ حمْلَ إليصاباتِ زوجتَهُ، كان قبلَ بشارةِ العذراءَ بِسِتَّةِ أشهُرٍ، يكون شهرَ مارس، مطابقًا لعيد البشارة بولادة السيِّد المسيح. وهذا بِدَورهِ يُعطي التقليدَ الكنسيَّ بُرهانًا، على تاريخ مولد المسيح في 25 من ديسمبر، إذ إنَّ 9 أشهرٍ تَفصلُ شهرَ آذار عن ديسمبر.
وكذلك القديس ترتيليانوس، وهو من شمال افريقيا، احتسبَ في القرن الثاني الميلادي، يوم موتِ المسيح في 25 مارس، والذي اصبح فيما بعد عيد البشارة. لأنّ التقليدَ الكنسيَّ يقول بأنَّ المسيحَ، دخل الى عالَمِنا الأرضيِّ كما وأخرَجَ نفسَه منهُ، في ذات اليوم.
ومن هنا يكون المفهومُ الكنسيُّ، باعتمادِ يوم 25 ديسمبر، تاريخًا لميلادِ السيِّدِ المسيح، مَبنيًّا على وقائعِ ومقارباتٍ كتابيَّة. كما وإنَّ الموسوعَةَ البريطانيَّةَ، تُفيدُ بأنّ أقدَمَ تاريخٍ مُوَثُّقٍ، للاحتفالِ بميلادِ المسيح في 25 ديسمبر، يعود الى سنة 221 م.
وأخيرًا، لا يوجد دليلٌ قطعيٌّ، يَحسِمُ تاريخَ ميلادِ السيِّدِ المسيح، باليومِ او بالسَّنَة،
ولكن، ألأهمَّ بالنسبة للمسيحيِّين، هو الحدثُ الميلاديُّ بذاتِهِ، مع دلالاتِهِ الروحيَّة، لانَّ الميلادَ يعني،
البشارَةَ المُفرحَةَ والمُخَلِّصَةَ،
وأنَّ الله أحَبَّ العالَمَ وتَجَسَّدَ لأجلِه،
فيْضَ الأمل والرجاء والمحبَّة،
انسكابَ حياةٍ جديدةٍ، بالمسيح وللمسيح!
وسلامُ ربِّ السَّلامِ، يُكلِّلُ أهلَ السَّلام!
22-12-2024