المهندس ساسين القصيفي
كوبيرنيكوس، هو العالمُ الذي أوقفَ الشمسَ عن الدَّورانِ، وحرَّكَ الأرضَ. فيما إيلون ماسك، هو العالِمُ الذي يُخطِّطُ أن يَستَوطن الإنسانَ الأجرامَ الفلكيَّة.
وُلدَ كوبيرنيكوس، في أواخِرِ القرن الخامس عشر، في مقاطعةٍ بين بولندا والمانيا حاليًّا. ودَرَسَ الَّلاهوتَ والرياضيَّاتِ والأدَبَ والفلسفةَ وعِلمَ الفَلَكِ، في جامعةِ بولونيا الإيطاليَّة، حيث تخرَّجَ راهبًا بدرجةِ دُكتورا.
إنَّه فيلسوفٌ مَوْسُوعيٌّ دونَ منازعٍ!
درَّسَ في الجامعة، علمَ الفلكِ، حسب فلسفةِ أرسطو – بطليموس، والتي تقولُ بِمِحوَريَّةِ الأرضَ، وأنَّ الشمسَ تدورُ حولَها. وكانت هذه النظريَّةُ، يقينيَّةً ومُطلقَةً وصولًا الى مرتبَةِ القداسة. إذ إنَّ كلَّ عُلماءَ الفلك، منذ أيَّامِ أرسطو وبطليموس، من القرنِ الرَّابِعِ قبل الميلادِ، قالوا بِمِحوَريَّةِ الأرضَ في هذا الكون. وقد سيْطَرَت هذه المُسلَّمَةُ على مركزيَّةِ العُلومِ، لاكثر من 1800 سنة، الى أن جاءَ زمَنَ كوبيرنيكوس، فَقَلَبَ الكَوْنَ رأسًا على عَقِبٍ، داحِضًا اساسَ هذا النَّموذجَ، دونَ أن يَتَمكَّنَ من بُرهانِ مُعادلتِهِ الفلكيَّة الجديدة، على أرض الواقع، إذ لم يكن التيليسكوب قد اختُرِعَ بعدُ. وقد اعتَمَدَ فقط في تحليلهِ هذا، على حساباتٍ رياضيَّةٍ بحتَةٍ مع تجربةٍ ذهنيَّةٍ خالصةٍ.
ويُمكن الإدِّعاء، أن الإنقلابَ المَعرِفِيَّ الذي أحدثَهُ كوبيرنيكوس، أسَّسَ لبداياتِ الثَّورةِ العِلميَّة الحديثةِ، والتي بدأت إرهاصاتُها مع عصر التنوير الأوروبيِّ.
هذا العالِمُ الفذُّ، وضعَ أُسُسَ علمِ الفلكِ الحديثِ، والذي تَطوَّرَ فيما بعد على يدِ، غاليليو ونيوتن
وغيرهما من العلماءِ، الذين أثروا المكتبةَ العِلميَّةَ بألمَعِيَّتِهم، وطوَّروا البَشريَّةَ بِعَبقَريَّتهم.
وكان كوبيرنيكوس قد نشرَ كتابَهُ هذا، حولَ مركزيَّة الشمس ودَوَرَانِ الأجرامِ السَّماويَّةِ حولها، مع بداياتِ القرنِ السَّادس عشر، كما وأهداه للبابا في روما. إلَّا أنَّ كتابَهُ هذا، لم يلقَ أذآنًا صاغيةً ضمن المُجتمعِ العِلميِّ آنذاك، ولم يتفاعَل معه إلا قلةٌ قليلةٌ من الباحثين. وبقيَ النَّموذجُ الأرُسْطيُّ القديمُ، مُسيْطرًا على المجالِ العام، كما وعلى الفضاءِ الأكاديميِّ في أوروبا والعالَم، وحتى في اميركا فيما بعد. كما وإنَّ عُلماءَ كثيرينَ، في القرون الللاحقة لكوبيرنيكوس، من أمثالِ فرانسيس بَيْكُون، وهو الفيلسوفُ الانكليزيُّ المؤسِّسُ للطُّرُقِ العِلميَّةِ الحديثة، لم يقتنعوا بنظريَّتِةِ.
واستمَرَّ الحالُ هكذا، الى أن جاء العالمُ الإيطاليُّ غاليليو، والذي وُلدَ بعدَ موتِ كوبيرنيكوس، وعاشَ حتى أواسطَ القرنِ السَّابع عشر، فَطوَّرَ هذه الفكرةَ العلميَّةَ، ناشرًا تفاصيلَها، وداعِمًا أركانَها، بالتيليسكوب الذي صنَعَهُ. فكان أن حاربَهُ المُجتمعُ العِلميُّ كما والكنيسةُ، والتي حَكمَت عليه بالإقامة الجبريَّة في منزله.
ومَعَ تَطوُّرِ العلومُ، أُثبَتَت الحقيقةُ العلميَّةُ، صِحَّةَ نموذجِ كوبيرنيكوس، فَرَفعَتِ الكنيسةُ الحظرَ سنة 1835 عن أعمال غاليليو، والتى عادت وكرَّمته فيما بعد.
وما فَتِئت الأرضُ تدورُ بانتظامٍ، في مدارٍ مُحَدَّدٍ،
ولا زالت الشمسُ ثابتةً في مجموعتها، تُوزِّعُ نورًا ودِفئًا،
وما برحَ العُلماءُ، يكتشفون أسرارَ هذا الكونِ السَّحيقِ والمُتَمَدِّد.
تحيَّةُ تقديرٍ، لكلِّ صاحِبِ علمٍ، أسْهَمَ في تطوير الإنسانيَّةِ، وجعلَ حياةَ البَشَر أكثرَ رفاهيَّةً، من الفيلسوفِ والعالمِ والرَّاهبِ كوبيرنيكوس الى النَّابغةِ إيلون ماسك،
فإذا كان الأوَّلُ استحقَّ التكريمَ بإكليلِ غارٍ،
فيَجِبُ تتويجَ أيْلون ماسك، وعن جدارَة، بِلَقبَ دُرَّةِ المُطوِّرين العِلميِّين في القرن الحديث!





