من منصات مفتوحة إلى سياسات وطنية: الـ”MOOCs” ومستقبل المعرفة. كتب د. بيار الخوري في منبر الصفا

المواد الكثيفة مفتوحة المصدر، أو ما يُعرف عالميًا بالـMOOCs (Massive Open Online Courses)، هي مقررات تعليمية تُقدَّم عبر الإنترنت بشكل مجاني أو بتكلفة رمزية، وتتميز بانفتاحها على أعداد ضخمة من المتعلمين من مختلف أنحاء العالم.

هذه المقررات ليست مقتصرة على المحاضرات الرقمية فحسب، انما تشمل أيضًا أنشطة تفاعلية، تقييمات، ومنتديات للنقاش، بحيث يتمكن الطالب من متابعة المحتوى بالوتيرة التي تناسبه.

منذ ظهورها مطلع العقد الماضي عبر منصات مثل Coursera وedX وFutureLearn، شكلت MOOCs ثورة في فكرة التعليم العالي من حيث الانتشار والوصول، وأثارت نقاشات واسعة حول إمكانية اعتمادها أكاديميًا، ومدى قدرتها على منافسة التعليم الجامعي التقليدي.

لمناسبة تكريم كورسيرا لكازاخستان ومنح وزير التعليم العالي فيها جائزة “Learning Hero Award” مقابل جهوده في إدماج التعليم الرقمي وتوسيع نطاق الاستفادة من الدورات المفتوحة، يفرض النقاش نفسه حول علاقة الجامعات بالـMOOCs منذ انطلاقها قبل أكثر من عقد.

هذه العلاقة بدأت في الغرب كمغامرة معرفية أثارت أسئلة حول الاعتراف الأكاديمي، الملكية الفكرية، ومنح الاعتمادات، لكنها سرعان ما تحولت إلى ساحة شدّ وجذب بين المنصات الخاصة والجامعات التقليدية.

ففي الولايات المتحدة مثلاً، اندمجت المقررات المفتوحة تدريجيًا داخل مسارات رسمية عبر برامج مثل MicroMasters وNanodegrees، بينما اختارت أوروبا نهجًا أكثر تحفظًا قائمًا على منصات وطنية وقارية مثل FUN-MOOC في فرنسا وMiríadax في إسبانيا، تجنبًا للتبعية الكاملة للشركات والنظام التعليمي الأميركي.

لكن ما يثير الانتباه أكثر هو أن الطفرات الحقيقية ظهرت خارج الغرب، في دول اعتُبرت “هوامش” النظام التعليمي العالمي، فتحولت MOOCs فيها إلى رافعة استراتيجية.

في رواندا، أطلق برنامج Kepler شراكات سمحت للطلاب واللاجئين بالجمع بين محتوى عالمي ودعم محلي. الأردن من جهته أسس منصة إدراك لتوفير مقررات عربية مفتوحة ربطت الجامعات بالفضاء الرقمي العالمي. نيبال عملت على إدخال موارد تعليمية مفتوحة حتى في القرى الجبلية المعزولة عبر مبادرة OLE Nepal. أما في الخليج، فقد جرى دمج MOOCs ضمن خطط التحول الوطني، من مبادرة “مدرسة” في الإمارات إلى “رواق” في السعودية، مع مسعى واضح لربط التعليم المفتوح بتأهيل القوى العاملة ورؤية اقتصادية مستقبلية. المغرب العربي اعتمد مقاربة أكثر تواضعًا عبر منصات محلية في المغرب وتونس، حيث يشكل ضعف البنية التحتية عائقًا أمام الانتشار الأوسع.

في آسيا، برزت تجربتان محوريتان: الهند بمنصة SWAYAM التي جعلت المقررات المفتوحة جزءًا رسميًا من النظام الجامعي عبر اعتمادها في احتساب الساعات الأكاديمية، والصين عبر XuetangX وغيرها من المنصات التي وضعتها تحت مظلة استراتيجية وطنية للسيادة الرقمية والانتشار العلمي.

أما دول جنوب شرق آسيا فاعتمدت نماذج مرنة: سنغافورة ربطت MOOCs ببرنامج “مهارات المستقبل” الذي يمنح كل مواطن رصيدًا ماليًا للتعلم عبر المنصات، وماليزيا أطلقت “Malaysia MOOC” كجزء من سياسة التعليم العالي، فيما استخدمت إندونيسيا التعليم المفتوح لتغطية ملايين الطلاب الموزعين على جزرها.

هذه التجارب تبيّن أن ظاهرة MOOCs خرجت من كونها مشاريع موارد إضافية للحامعات الأميركية، وتحولت الى سياسة تعليمية وطنية في عدد متزايد دوماً من البلدان والاستراتيجيات التعليمية. وإذا كان الغرب قد أسس المنصات وأطلق الجدل، فإن مناطق مثل ، الهند، والصين والخليج العربي وكازاخستان ورواندا وغيرهم قدّموا الدليل العملي على أن التعليم المفتوح قادر على إحداث تحولات جذرية حين يُدمج ضمن رؤية وطنية شاملة.