من خاتمي إلى عرقجي: لماذا لا يُرضي المعتدلون الغرب؟ | بقلم د. بيار الخوري

في الساعات الأولى من الصباح، استهدفت طائرات وصواريخ اميركية مواقع نووية إيرانية في عمق البلاد، ضمن تصعيد جديد يعكس مدى هشاشة الرهان على المسارات الدبلوماسية. هذا الحدث يطرح سؤالًا محوريًا:

عباس عرقجي، أحد أبرز وجوه الدبلوماسية الإيرانية في العقدين الأخيرين، يتمتع بخلفية أكاديمية رصينة وتجربة دبلوماسية عميقة. حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كينت البريطانية، ودرّس في عدة مؤسسات أكاديمية داخل إيران وخارجها. ومن أبرز محطاته، عمله كأستاذ زائر في جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية في اليابان، حيث درّس العلاقات الدولية وأسهم في تعزيز التفاهم الإيراني–الياباني من خلال خبراته الأكاديمية والدبلوماسية. إلى جانب مسيرته الأكاديمية، شغل عرقجي مناصب رفيعة في وزارة الخارجية الإيرانية، وكان من مهندسي الاتفاق النووي لعام 2015، والذي اعتُبر حينها إنجازًا تاريخيًا يُمهّد لانفراج تدريجي في العلاقات بين طهران والعالم.

الهجوم الأخير يعيد إلى الواجهة الشعور بأن كل محاولة إيرانية للتقارب مع الغرب تُقابل إما بالتجاهل أو بالتصعيد. وهو منطقٌ يشبه ما حدث في عهد الرئيس محمد خاتمي، الذي أطلق في بداية الألفية مشروع “الحوار بين الحضارات”، وقدم مبادرات مهمة لتطبيع العلاقات مع أوروبا وحتى مع الولايات المتحدة. إلا أن أحداث 11 سبتمبر 2001 غيّرت المعادلة بالكامل، لتعود إيران من جديد إلى مربع “محور الشر”، ويتم تجاهل أي مكافأة حقيقية لسياسة اليد الممدودة.

هذه الأنماط المتكررة تطرح فرضية مثيرة للقلق: هل يفضل الغرب نظامًا متشددًا في طهران؟ البعض داخل دوائر الفكر الاستراتيجي يرى أن النظام الإيراني عندما يكون متصلبًا، يصبح سهل التوصيف كتهديد، وبالتالي يمكن توظيفه لتبرير الانتشار العسكري، واستمرار عقود التسلح، والحفاظ على النفوذ في الشرق الأوسط. بالمقابل، الاعتدال الإيراني يُربك المعادلات الغربية لأنه يطلب الاعتراف، ويُطالب بحقوق سيادية ضمن النظام العالمي، وهو ما يزعج الديناميات الجيوسياسية السائدة.

اللافت أيضًا أن التيار المتشدد في طهران يستفيد من هذا النمط الدولي. فكل مرة تتعرض فيها إيران لهجوم خارجي أو تعنت تفاوضي، يعلو صوت الحرس الثوري ووسائل إعلامه ليقولوا للشعب: “انظروا كيف يعاملنا الغرب رغم كل محاولات التقارب”. فينتعش منطق المواجهة، ويخفت صوت الإصلاح، وتُقمع الأصوات التي كانت تراهن على الانفتاح.

إن ما جرى ليس مجرد عملية عسكرية منعزلة، بل مؤشر على مأزق أعمق في العلاقة بين إيران والعالم. فكلما حاولت طهران تعديل سلوكها نحو الاعتدال، جاءها الرد عبر التفجيرات أو العقوبات أو التسويف. وهو ما يقود إلى استنتاج مرير: الاعتدال الإيراني لا يُكافأ، بل يُستنزف، في مشهد تتكرر فيه الدائرة بين الهجوم والمواجهة والتشدد.

هذا الواقع يُحتم على صناع القرار في الغرب أن يراجعوا مقاربتهم تجاه إيران، لأن الاستمرار في استهداف المعتدلين لا يُضعف النظام الإيراني، بل يقوي أجنحته الأكثر تشددًا. وفي النهاية، سيكون الجميع خاسرًا من هذا النمط الذي لا ينتج سوى مزيد من العزلة، والمزيد من الصواريخ.