المهندس ساسين القصيفي
لا شكَّ انَّه مع نهايةِ سنة 2024، ارتسَمَت سَيْماء ُ، غير ناصعةٍ، للعالم. بعضُهم مَن ساهمَ في سَكْبِ الحِبْرِ، وبعضٌ آخر، أخَذَ الريشةَ، وصاغَ له رُكنًا، يتناسبُ مع الصورةِ التي يريدها لهذا العالم.
ويأتي الرسَّامُ الأكبرُ، الرئيسُ الأميركيُّ المنتخب، دونالد ترامب، الذي وشمَ الخريطةَ العالميَّةَ، بِريشةٍ لم يَمسَسْها بعد. إذْ حبَّرَت اندفاعتُهُ، وحتى قبل أن يستلمَ مقاليدَ السُّلطةِ، مختلفَ أجزاءِ هذه اللوحة العالميَّة.
فَالتنِّينُ الصينيُّ، وقد حَجَز لنفسه مساحةً واسعةً على يمين المُجَسَّم، يَتَرقَّبُ بحذرٍ كبيرٍ، استمرارَ تدفُّق صادراتِه الى اميركا، خاصَّةً مع ترسانةِ القراراتِ الصداميَّةِ، التي بدأ ترامب يُهدِّدُ بها. كما وبدأ يتوجَّسُ شرَّ أيِّ مغامرةٍ عسكريَّةٍ مع تايوان.
أمَّا الدِّبُّ الروسيُّ، وقد اقتطَعَ له بساطًا شاسعًا في الناحية العليا من الرسْمِ، بَدا وكأنَّ قدميْهِ غارقتانِ في الوحولِ، وعاجزٌ عن الحركةِ الرَّشيقةِ. فيجول بنظرِه يمنة ويُسرًا، فلا يلحظُ إلا بَصيرًا أصفرا من جهةٍ وحاذِقًا هندوسيًّا من الأخرى، وكلاهما يجزًّان صوفَهُ ويضخَّان النفطَ من تحتِهِ، »لِيُساعداهُ« على النُّهوض. فيُحدِّق الى الأمام، فلا يرى إلا أنهارًا حمراءَ. وقد رسمَت دمعتُهُ، دون ريشةٍ، حسرةً على ماضٍ مجيد. فلا يرى بُدًّا للخلاص من هذه الشرنَقةِ، إلا يد ترامب الطويلة!
من جهَّتِه، أراقَ السِّنْوَارُ ومعَهُ مختلفِ الفصائلِ المَدعومة من إيران، المِدادَ على جغرافيَّة الشرقِ الأوسطِ، فاستلَّ بنيامين نتنياهو الريشةَ، مدعومًا من الغربِ، وبدأ يُشكِّلُ بالدّمِ، خطوطَا حمراءَ ومناطقَ غير صالحةٍ للعيش، وقد هَدَمَ مُدنًا، وقصفَ بلادًا بعيدةً، وأسقطَ أنظمةً، وحرقَ مساحاتٍ، واحتلَّ أرضًا وقتلَ شعبًا… فكان الشرقُ الاوسطُ، الناحيةَ الأشدَّ إحمِرارًا في هذا الهيكَل.
بطبيعة الحال، ليست كلُّ المَشهديَّةِ سَوداويَّةً.
ففي جانبِ هذا الإقليمِ، هناك شابٌ جريءٌ ومقدامٌ، وقد التحفَ بعباءةِ الحداثةِ، وهو ينحتُ فوقَ الرَّملِ، امآلًا وطموحاتٍ كبيرةً، نازعًا عن شعبِهِ، أفكارًا هدَّامةَ، وزارعًا في وجدانِه، تَبَصُّراتٍ حداثيَّةً متطوِّرةً. وقد بانت على الخريطة، مساحةً خضراءَ ناضرةً، كانت بالأمس القريب، صفراءَ جافَّةً.
كما وينبعثُ من هذا المَلمَحُ، من ناحية بلاد العمِّ سامّ، صاروخٌ عابرٌ الى الفضاءِ، خطَّتْهُ العبقريَّةُ الإنسانيَّة، ويحملُ معه أمالَ البشريَّةَ، بعهدٍ جديدٍ، في فتوحاتٍ كونيَّةٍ، تكون محطاتٍ لإستيطان الانسان.
وفي النهاية،
لا يتماثلُ هذا الطِّرازُ، مع هيئاتِ عَصرِ النَّهضَةِ الإيطاليَّة في جماليَّاتها، لكنَّها تُصوِّرُ الحقيقةَ، علَّ في السنة القادمة، يَزدانُ الحالُ بالجَمَال… والسَّلام…
كل سنةٍ والجميع بخير!





