أمَّا وقد حدثت الإنتخاباتُ البلديَّة، بعد تأجيلٍ دامَ لأكثرَ من ثلاثِ سنواتٍ، فهذا يُعتبرُ إنجازًا للعهدِ وللحكومة وللقوى الأمنيَّةِ.
وفي قراءةٍ متأنِّيَةٍ للنتائجِ، يتَّضِحُ أنَّ الثنائيَّ الشيعيَّ، ما زال مُمسِكًا بشارعِهِ، رغم التيَّاراتِ المُعترضةِ، والتي بدأت تُكوِّنُ حيْثيَّةً شعبيَّةً. وواضحٌ أنَّ التطوُّراتِ في لبنانَ والإقليمِ، قد أضعَفَتهُ، وحَدَّت من سَطوَتِهِ، لكنَّهُ ما زال مُمسِكًا بِزِمَام المُبادرةِ ضِمنَ الطائفة.
من جهَتِهِ، تيَّارُ المُستقبل والذي لم يُشارِك رسميًّا في هذه الإنتخابات، حافظَ على تردُّدِه أمامَ قواعدِهِ الشعبيَّة. فيما البدائلُ من الزعاماتِ، والتي تحظى بِبَرَكةٍ سعوديَّةٍ، بدأت تُرسِّخ وجودَها وزعامتَها، في الوجدانِ السُّنيِّ.
كذلك وليد جنبلاط، استطاعَ أن يُمرِّرَ هذا الإستحقاق، بأقلَّ خسائرَ مُمكنةٍ. عِلمًا أنَّ هناك إتّجاهٌ درزيٌّ واسعٌ، شعبيًّا ودينيًّا وسياسيًّا، بدأ يَتَجرَّأُ على المعارضةِ العَلنيَّة، من كلِّ الجغرافيا الدرزيَّة.
أمَّا حزبُ الكتائب، والذي الرَسْمُ البيانيُّ لخِيَارَاتِهِ السياسيَّة، ما زالت تُحدِّدُهُ رَغَبَات الشيخ أمين، هذا الذي فشِلَ دومًا في تحديدِ الخطِّ الفاصِلِ، بين أين تبدأ الإستراتيجيا وأين ينتهي التكتيك، فلقد حافظَ على تَرَنُّحِهِ السياسيِّ. زِد على ذلك، فهناكَ الكثيرُ من التساؤلاتِ الجديَّةِ، التي تُطرَحُ في الإعلامِ، وعلى الشيخ سامي توضيحَها، خاصَّةً فيما له علاقة بِمَجموعة ” كُلُّنا إرادة” او في مصادِرِ تَلَقّي الجمعيَّةِ، التي ترأسها زوجتُهُ، الأموالَ.
التيَّارُ الوطنيُّ الحُرّ، وكأنَّه كانَ شِبهَ غائبٍ سياسيًّا، عن الفعاليَّات المُباشرةِ لهذه الإنتخابات. أو ربَّما فضَّلَ خَوْضَها من وراءِ العائلات، حسبما أكّد الوزير جبران باسيل. وهذا موقفٌ معاكسٌ لما كان عليه الوضعُ في الإنتخابات الماضية سنة 2016، ممَّا يعكُسُ قراءةً واضحةً لِنَبَضِ الشَّارعِ.
حزب القوَّاتِ اللبنانيَّة، والذي رئيسُها سمير جعجع، كان ما زالَ يحفُرُ في الجُلْمُودِ السياسيِّ، بإبرَةٍ يَدَويَّةٍ، منذ أكثر من 20 سنةٍ، بعيدًا عن شُبُهاتِ فَسَادٍ، راكَمَت سياستُهُ هذه إيجابيًّاتٍ، بَدأت تُؤتي أُكلَها، شعبيًّا وسياسيًّا. ولقد استثمرَ نجاحُهُ هذا، بأن خاضَ المعاركَ البلديَّة، بطابِعٍ سياسيٍّ، في المناطِقِ، التي شُكِّلت فيها لوائحُ، مناهضةً للنهجِ السياسيِّ القوَّاتيِّ، خاصَّةً في جونيه وزحلة وقضاء بشرِّي… وقد نَجَحَ في رهاناتِهِ هذه، ممّا اكسبَهُ دفعًا جديدًا في تكريس الرِّيادَةِ التمثيليَّةِ، المسيحيَّة والوطنيَّة.
فيما النوابُ المُستقلّون – أو نوَّاب الثورة – فلقد أظهروا عن تأثيرٍ شعبيٍّ غيرِ وازِنٍ، وقد تجلِّى ذلك بوضوحٍ في انتخاباتِ بيروت، مع النائبة بولا يعقوبيان.
وتجدُر الإشارَةُ، انَّ زعاماتٍ عائليَّةً تقليديَّةً، حَفِظَت دورَها الفاعلِ وبَرهنَت عن حيثيَّةٍ شعبيةٍ فاعلةٍ، مثل آل معوَّض في زغرتا او آل حرب في البترون…
وقبل النهاية، وجَبَ على بعض الصحافيِّين وأصحاب مراكز الدراسات الإنتخابيَّة، الإعتذارَ من الجمهورِ، على تَوَقُّعاتِهِم الجَازمةَ، والتي أتَتِ النتائجُ عكسَها.
وعلى أملٍ أن تجري انتخاباتُ الجنوب، الأحد القادم، مع كلِّ التمنيَّاتِ بالخير، لكلِّ أهلنا في الجنوب.





