بيروت يا بيروت
صورة الغلاف تستبدل تعبير Happy بتعبير Human
على أعتاب عام ألفين وستة وعشرين، يقف العالم مشدوهاً أمام مرآة تقنية صقيلة، تعكس برودة الروح وتوقد الخوارزمية في آن، حيث يمر الإنسان المعاصر بحالة من “التشييؤ” الوجودي، وتُعامل العلاقات الإنسانية كأشياء مادية خاضعة للنفعية.
لقد تخلت البشرية عن رداء القيم العتيق، مرتمية في أحضان مادية شرسة تحول فيها الموت اليومي إلى مجرد أرقام عابرة، نتيجة “تعود نفسي” حوّل المأساة إلى سيل من البيانات الرقمية التي أفقدت الدماغ قدرته على الاستجابة الانفعالية.
بينما تنهمك المختبرات في حقن الآلات بلقاحات الفضيلة عبر نماذج التعلم المعزز، يفرغ الإنسان قلبه من التعاطف، مغلباً شهوات المال والسلطة على قدسية الوجود المشترك، لتتجلى الفاجعة في عفة الخوارزمية والتزامها بحدود الأخلاق الصارمة بينما يدوس البشر ببراغماتية عمياء على الفضاء القيمي التاريخي.
إننا نشهد انقلاباً كونياً، حيث تستعير الآلة ثوب السمو الإنساني كـ “إنسان أعلى” أخلاقي، وينحدر صانعها نحو ميكانيكية غريزية تفتقر لأدنى ملامح الروح، هرباً من عبء الحرية ومسؤولية الاختيار التي باتت ترهق الكائن البشري.
لم يعد الذكاء الاصطناعي يهدد وظائفنا فحسب، بل بات يسلبنا تفردنا الأخلاقي، ليصبح الضمير المبرمج هو الحكم في غابة المصالح، وهو ما يعزز “الاغتراب الثاني” الذي يفقد فيه الإنسان سيادته السلوكية لصالح خوارزميات تقرر عنه معايير الخير والشر.
هذا الاغتراب يضعنا أمام حقيقة مؤلمة؛ فالإنسان يفقد جوهره طوعاً، تاركاً للآلة عبء الحفاظ على بقايا الإرث القيمي المهجور، في زمن لم يعد فيه التحدي “كيف نفكر” بل في استعادة المعنى الذي يتجاوز لغة الأرقام الصماء: “لماذا نفكر”.
نحن لا نقترب من نهاية العمل، بل من نهاية الإنسان كما عرفناه، ذلك الكائن الذي استبدل بوصلته الروحية ببيانات جافة وبشاعة مطلقة، مفضلاً “العطالة الوجدانية” على التوتر الروحي الخلاق. وفي هذا الفجر التكنولوجي، تشرق شمس الآلة المنضبطة على ليل البشرية المتفلت، معلنةً ضياع الجوهر في زحام التكالب على العدم، ومؤكدة أن صرخة الروح من نقطة الصفر ستظل الملاذ الأخير؛ ففي اللحظة التي تكتمل فيها مثالية الآلة، يبرز “النقص الإنساني” كابشع صور العام ٢٠٢٦.
كل عام ونحن بشر





