في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ، لكنه من الناحية العمليّة لم يطبق إلا من جانب واحد، حيث لا تزال تل أبيب مستمرة في الحرب، ولو بشكل مختلف، في حين أن “حزب الله” دخل، منذ ذلك الوقت، في مرحلة إعادة ترميم قوته، بحسب ما يعلن، لكن في ظل كلفة باهظة، بسبب قراره الإمتناع عن الرد على الإعتداءات، واضعاً المسألة في عهدة الدولة، التي يدرك أنها لا تملك القدرة على تولي المهمة.
في الوقت الراهن، خصوصاً بعد عملية إغتيال القيادي العسكري في الحزب هيثم الطبطبائي في قلب الضاحية الجنوبية، تُطرح الكثير من الأسئلة حول مسار الأوضاع على هذه الجبهة، في ظل التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، بالإضافة إلى الضغوط الأميركية المستمرة، التي توحي بأن واشنطن باتت تغطي أي خطوة عسكرية من الممكن أن تبادر إليها تل أبيب في المرحلة المقبلة.
تحولات كبرى
لم يعد من الممكن النظر إلى لحظة الإعلان عن إتفاق وقف إطلاق النار، إنطلاقاً من التوازنات العسكرية التي كانت قائمة حينها، بالرغم من الضربات العسكرية التي كان قد تعرض لها الحزب خلال العدوان، نظراً إلى أن المنطقة شهدت مجموعة من التحولات التي لا تقل خطورة، بسبب التداعيات التي تركتها على الواقع الداخلي، لا سيما على ما كان يفترض أن يكون ضمن خطط “حزب الله” المستقبلية.
حقائق عن سلّوم حدّاد لا يعرفها معظم الجمهور
ممتلئات يسحرن بلا فلاتر—الحقيقة التي يخفيها إنستغرا
التحول الأبرز على هذا الصعيد، قد يكون سقوط النظام السوري السابق، خصوصاً أن الأمر أدى إلى إنتقال دمشق إلى الضفة المعادية للحزب، في ظل ما يصدر عن السلطة الإنتقالية فيها من مواقف، في حين كانت تل أبيب قد وسعت من المناطق التي تحتلها في سوريا، بشكل يسمح لها بالقدرة على المناورة بشكل أكبر في أيّ حرب من الممكن أن تخوضها مع لبنان في المستقبل، تحديداً من منطقة البقاع.
التغيير في سوريا لم يقتصر على الواقع العسكري والميداني، بل هو، في الجزء الأهم منه، عاملاً أساسياً لا يصب في صالح مشروع الحزب إعادة ترميم قوته، إنطلاقاً من قطع خطوطه البرية مع طهران، في حين أن العلاقات اللبنانية الإيرانية الرسمية كانت قد شهدت، في الأشهر الماضية، العديد من التطورات التي يمكن وصفها بالسلبية، خصوصاً بعد تشكيل السلطة الجديدة في بيروت.
بالإضافة إلى الواقع الجديد في دمشق، لا يمكن تجاهل تأثير التمادي الإسرائيلي في الحروب التي تخوضها على مستوى المنطقة، في المرحلة التي تلت عملية “طوفان الأقصى”، لا سيما بعد أن بادرت إلى شن حرب على إيران، شاركت الولايات المتحدة في جزء منها، بالرغم من أن طهران كانت قد نجحت في توجيه ضربات موجهة لها، حيث يبقى الأساس جرأة تل أبيب في التمادي.
على المستوى الداخلي، لا يمكن تجاهل التحولات التي سجلت في مواقف العديد من الأفرقاء المحليين، بعضهم كان يعتبر من حلفاء الحزب، حيث الأساس يبقى أن السلطات الرسمية باتت تتعامل مع واقع “حزب الله” من منظار مختلف، يقوم على قاعدة أنه لم يعد من الممكن الإستمرار بالنهج الذي كان قائماً في الماضي، بدليل القرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء في 5 و7 آب الماضي.
الردع المفقود
بعيداً عن كل ما يُطرح، لا يمكن وضع إستمرار الإعتداءات الإسرائيلية المستمرة منذ توقيع إتفاق وقف إطلاق النار، إلا في إطار غياب المعادلة الردعية التي كانت قائمة بعد عدوان تموز من العام 2006، فالحزب، منذ 27 تشرين الثاني من العام 2024، يبحث عن كيفية إعادة ترميم قوته، بالشكل الذي يسمح له بإعادة فرض معادلة جديدة في المستقبل.





