تصريح البيت الأبيض بشأن تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان يعكس مقاربة حذرة ومشروطة تجاه المشهد اللبناني. فبينما يصرّ على عدم التدخل في السياسة اللبنانية، فإنه يوضح في الوقت نفسه أن واشنطن تراقب عن كثب ما ستقوم به الحكومة اللبنانية، وخصوصاً في ما يتعلق بملف تمويل حزب الله والإصلاحات المالية. هذا النوع من التصريحات يُستخدم غالباً كأداة ضغط ناعمة، إذ يضع إطاراً للمقبول والمرفوض أميركياً من دون الدخول في مواجهة مباشرة.
التأكيد على الحكم على الحاكم الجديد من خلال “قدرته على إجراء الإصلاحات” لا يُفهم فقط كاختبار مهني، بل كرسالة سياسية أيضاً. فالأمر لا يتعلق بالكفاءة التقنية بقدر ما يتعلق بالاستعداد لمجاراة الخطاب الدولي، خصوصاً الأميركي، حول الشفافية ومكافحة الفساد وتقييد نشاط حزب الله المالي. في هذا السياق، يصبح تعيين الحاكم الجديد ليس حدثاً داخلياً فحسب، بل نقطة اختبار لمدى استجابة لبنان لشروط الدعم الدولي، سواء من الولايات المتحدة أو من مؤسسات كصندوق النقد الدولي.
الرابط الذي رسمه التصريح بين مستقبل العلاقة مع الحكومة اللبنانية وبين مدى التقدّم في الإصلاحات، يكشف بوضوح أن الدعم أو التعاون لن يكون غير مشروط. التصريح بذلك يُرسل رسالة مزدوجة: دعم محتمل إذا تم الالتزام بالإصلاحات المطلوبة، وموقف صارم في حال المماطلة أو التواطؤ. من هذا المنطلق، يتضح أن واشنطن لا تكتفي بالمراقبة، بل تسعى إلى التأثير غير المباشر عبر أدوات الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، واضعةً الحاكم الجديد أمام اختبار مبكر لموقعه وحدود حركته في ظل التوازنات الداخلية والخارجية المعقدة.





