الملف الإستراتيجي
مقدمة:
يعد كتاب “فن الصفقة” (1) لدونالد ترامب من أشهر كتب التفاوض في أدبيات عالم الأعمال. صدر عام 1987 كمزيج بين السيرة الذاتية والنصائح العملية للتفاوض، وحقق رواجًا واسعًا بوصفه دليلاً لـ”المفاوض الرابح” في الصفقات التجارية. في المقابل، يقدم كتاب “قوة التفاوض” (2) للسياسي والدبلوماسي الإيراني عباس عرقجي منظورًا مختلفًا مستمدًا من خبراته في التفاوض الدبلوماسي. صدر الكتاب بنسخته العربية عام 2025، ويستعرض طبيعة المفاوضات السياسية وأنواعها وسمات المفاوض الناجح، إلى جانب مهارات التفاوض ومراحله ومتطلباته. هذا التحليل المقارن يستكشف أوجه التشابه التقنية والاختلاف المنهجية بين النهجين، مع التركيز على تأثير الخلفية الثقافية لكل منهما على استراتيجيات التفاوض. كما يتناول الأبعاد الاقتصادية الضمنية في كل كتاب، ويستعرض تطبيقات عملية بارزة من كلا المؤلفين توضح كيف أثرت التقنيات والثقافة على نتائج التفاوض.
. نقاط الالتقاء التقنية
على الرغم من اختلاف مجاليهما، يشترك ترامب وعرقجي في عدة مبادئ أساسية للتفاوض:
أهمية الإعداد والتحضير المسبق: يؤكد كلا المؤلفين أن التحضير الجيد هو مفتاح النجاح. ينصح ترامب بدراسة جميع الجوانب ووضع خطط بديلة تحسبًا للأسوأ؛ فهو يقول “دائمًا أدخل أي صفقة وأنا أتوقع الأسوأ. إن خططت للأسوأ – وإن استطعت التعايش معه – فإن الجيد سيتكفل بنفسه”. هذا التركيز على التخطيط للسيناريوهات الأصعب يعكس حرصه على
حماية الجانب السلبي قبل البحث عن المكسب. وبالمثل، يولي عرقجي أهمية كبرى للإعداد المسبق؛ فقد قسم كتابه إلى أبواب تتناول مراحل التفاوض ومتطلباته، مما يشير إلى منهجية منظمة تبدأ بفهم طبيعة التفاوض وأنواعه وتحليل الأطراف قبل الشروع بالعملية. إعداد قائمة بالأهداف وتحليل مصالح الخصم هي خطوات يتقنها كلاهما.
فهم الطرف الآخر وتحديد الأهداف بوضوح: يركز الكتابان على ضرورة فهم مصالح ومواقف الأطراف المقابلة. ترامب يرى أنك لتنجح “عليك إقناع الطرف الآخر بأن الصفقة في مصلحته”، مما يعني إدراك احتياجاته ودوافعه لتقديم عرض مغرٍ. كما يشتهر ترامب بشعاره “فكّر بشكل كبير” الذي يجسد مبدأ وضع أهداف طموحة منذ البداية. فهو يصرح بأنه يحب التفكير بشكل كبير لأنه إن كان سيُفكِّر على أي حال فمن الأفضل أن تكون الأهداف كبيرة. في المقابل، يؤكد عرقجي أن التفاوض ليس لعبة فوز أو خسارة بل عملية لفهم الآخر والتوصل لحل وسط؛ إذ ينقل عنه قوله: “الدبلوماسية ليست لعبة يجب أن تربحها؛ إنها عملية يجب أن تفهم فيها الشخص الآخر”. هذا المبدأ يعكس تركيزه على الاستماع وفهم وجهات نظر الخصم كجزء أساسي من تحديد الأهداف المشتركة. ومن الواضح أن كلاً من ترامب وعرقجي يشددان على تحديد ما يريد تحقيقه كل جانب منذ البداية (3) كخطوة أساسية لضمان وضوح المسار التفاوضي.
استراتيجيات التنازل المتبادَل: التنازلات المدروسة عنصر محوري في التفاوض عند كلا الكاتبين. ترامب، رغم سمعته كمفاوض شرس، يعترف بأنه أحيانًا “يسعى عاليًا ثم يواصل الضغط مرارًا وتكرارًا للحصول على ما يريد… وفي بعض الأحيان يكتفي بأقل مما طلب، لكنه في معظم الحالات ينتهي بالحصول على ما يريد”. هذه الاستراتيجية تعكس مبدأ البدء بسقف مطالب عالٍ ثم تقديم تنازلات تدريجية محسوبة، وهو أسلوب شائع لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة بعد عملية شد وجذب. عرقجي من جانبه ينطلق من خلفية الأسواق الشرقية حيث المساومة فن متجذر في الثقافة. فهو يشير إلى أن التفاوض متأصل في الثقافة الإيرانية كما في أسواق البازار التقليدية، حيث يبدأ التاجر بخيار أقصى متوقعًا الرفض ثم يحصل على عرض مضاد، وبهذا تُعاير العملية التفاوضية . أي أن كلاً من ترامب وعرقجي يدرك أن تقديم التنازلات في الوقت المناسب يمكن أن يقرب المسافات ويكسر الجمود شريطة ألا يكون التنازل دون مقابل. فكلاهما يعلمان قيمة المقايضة؛ ترامب يحرص ألا يبدو “يائسًا لإبرام الصفقة وإلا شمّ الطرف الآخر رائحة الدم وقضى عليه”، وعرقجي أيضًا لا يقدم تنازلات أساسية إلا إذا ضمن مكسبًا لطرفه (4).
إتقان عنصري التوقيت والمفاجأة: يتفق الكاتبان ضمنيًا على أن اختيار التوقيت الملائم وتحريك عنصر المفاجأة يمكن أن يغيّر معادلة التفاوض. ترامب مثلاً يستغل الإطار الزمني للصفقة لتحقيق أفضلية؛ عرف عنه استغلال لحظات ضعف الخصم أو ضغط المهل النهائية لانتزاع شروط أفضل. في إحدى صفقاته العقارية واجه نزاعًا قانونيًا مطولاً مع مستأجرين، لكنه اعتبر أن “كل شيء حسن الختام” حيث انتهى بجني أرباح إضافية بفضل تغيرات السوق أثناء تأخير الصفقة، وهذا مثال على صبره الاستراتيجي حتى تتحسن الشروط السوقية (5) أما المفاجأة كتكتيك، فيستخدمها ترامب بشكل واضح في التفاوض التجاري والسياسي؛ فهو مشهور بعدم إمكانية التنبؤ بخطوته التالية، مما يبقي خصومه تحت الضغط. قد يطرح مطالب جديدة فجأة أو ينسحب فجائيًا من المفاوضات كوسيلة لخلط الأوراق – وهي أساليب موثقة في أدبيات التفاوض كتكتيكات “الصدمة والترويع” لإرباك الطرف الآخر. عرقجي أقل صراحة في الحديث عن استخدام المفاجأة، لكن من واقع النمط التفاوضي الإيراني يمكن استنتاج وجود هذا العنصر: فالتقارير البحثية تشير إلى أن المفاوض الشرق أوسطي عمومًا قد يلجأ إلى تكتيكات عاطفية مفاجئة أو تغييرات في الوتيرة للضغط، مثل إبداء الغضب المفاجئ أو التصلب في نقطة أنها حُسمت، وذلك حفاظًا على هيبته وضمانًا لانتزاع تنازلات إضافية. كذلك استخدم الإيرانيون عنصر المفاجأة في المواعيد النهائية؛ فعرف عنهم إطالة أمد المحادثات والصمود حتى اللحظة الأخيرة للحصول على شروط أفضل، وهو ما شهدناه في جولات التفاوض النووي التي غالبًا ما امتدت إلى ما بعد المهل المحددة قبل التوصل لاتفاق. إذن، على الرغم من اختلاف سياقات التطبيق، يدرك كلا المؤلفين أن السيطرة على إيقاع التفاوض (6)ومفاجأة الخصم أحيانًا بإعادة خلط الأوراق هي أدوات فعالة لإبقاء اليد العليا أو تفادي الجمود. الجدير بالذكر أن استخدام المفاجآت ينبغي أن يكون بحذر؛ فهي سلاح ذو حدين قد تبني ضغطًا مفيدًا أو تؤدي إلى انعدام الثقة إذا أسيء استخدامها.
باختصار، يشترك ترامب وعرقجي في الأسس التقنية للتفاوض: التحضير المتعمق، ومعرفة الطرف المقابل، وتحديد سقف طموح للأهداف، ثم إدارة عملية الأخذ والعطاء بحنكة عبر تنازلات مدروسة وتوظيف عامل الوقت والمفاجآت التكتيكية لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة. هذه الأدوات الاحترافية تظهر أن التفاوض علم وفن في آن واحد، له مبادئ عالمية بغض النظر عن مجال التطبيق. لكن التشابه في التقنيات لا يخفي تباينًا جوهريًا في أسلوب التنفيذ والمنهجية بين الكاتبين، وهو ما يناقشه القسم التالي.
. نقاط الافتراض
على الرغم من اتفاقهما على المبادئ العامة، تختلف منهجية ترامب عن منهجية عرقجي في التنفيذ وأسلوب التفاوض اختلافًا بينًا:
الأسلوب العدائي مقابل الأسلوب الدبلوماسي: يمكن وصف نهج ترامب بأنه هجومي مباشر، في حين يتبع عرقجي نهجًا دبلوماسيًا توافقيًا. ترامب في “فن الصفقة” يدعو إلى تبني قدر من الجرأة والمجابهة؛ فهو يقول صراحة إنه إذا عامله الآخرون بسوء أو حاولوا استغلاله فإن “ردة فعلي طوال حياتي هي أن أقاتلهم بشراسة”. هذا النهج ينعكس في ميله إلى المفاوضة من موقع قوي وعدم التردد في الصدام الكلامي أو استخدام لهجة حازمة لتحقيق مصلحته. العديد من صفقاته اتسمت بصلابة مواقفه التفاوضية، إذ يشتهر بأنه “يAim High and keep pushing” – أي يرفع سقف مطالبه إلى الحد الأقصى ثم يواصل الضغط بلا كلل. في المقابل، عرقجي بحكم عمله الدبلوماسي يتبع أسلوبًا أكثر اتزانًا وهدوءًا. فهو يجيد فن المساومة الهادئة، ويحاول تجنب المواجهة العلنية قدر الإمكان، مفضلًا لغة الحوار والإقناع الهادئ. تصريحاته تظهر حرصه على استخدام عبارات مرنة ومعتدلة، والتأكيد على “النهج البناء” في التفاوض. ويمكن القول إن منهج عرقجي تفاوضي تعاوني: يسعى لإيجاد حلول وسط ترضي جميع الأطراف بدلًا من فرض هيمنة طرف واحد. يتجلى ذلك في تعليقه بأن الدبلوماسية عملية لفهم الآخر لا مباراة لإسقاطه، مما يدل على نزعة تصالحية تضع العلاقة واستمرار الحوار في المقدمة.
وهكذا، بينما يرفع ترامب شعار “القتال لتحقيق الصفقة”، يرفع عرقجي شعار “الصبر والتفهم لتحقيق الاتفاق”. هذا لا يعني أن عرقجي ضعيف الموقف؛ فالدبلوماسي المحنك قد يمارس ضغوطًا ناعمة ويُظهر صلابة خلف الأبواب المغلقة، لكنه أقل ميلاً للاستعراض العدواني في العلن مقارنةً بترامب.
اختلاف المرجعية والتوجهات القطاعية: ينبع الاختلاف أيضًا من طبيعة المجال الذي يتفاوض فيه كل منهما. ترامب جاء من عالم العقار والتجارة، حيث التركيز على الصفقات الربحية الملموسة (7) هذا جعله يتبنى فكر “رجل الأعمال الفرد” الذي يتخذ قرارات سريعة لتحقيق صفقة رابحة ثم ينتقل إلى الصفقة التالية. غالبية مفاوضاته تجارية قصيرة الأمد بطبيعتها؛ فهو غالبًا لا يحتاج إلى الحفاظ على علاقة طويلة مع الطرف الآخر بعد إغلاق الصفقة (8) لذلك نراه يهتم بتحقيق الفوز الفوري ويقلق أقل بشأن الآثار طويلة المدى على العلاقة. بالمقابل، عرقجي يتحرك في فضاء التفاوض السياسي والدولي، كتفاوض حول برنامج نووي أو اتفاقيات إقليمية، حيث استمرارية العلاقة وثقة الأطراف أساسية. المفاوضات الدبلوماسية عادة متعددة الجولات وممتدة زمنيًا، وتتضمن فرق عمل وتحالفات وتوازنات، وليست ضربة واحدة وتنتهي. من هنا، يختلف توجه عرقجي؛ فهو يمثل دولة ومصالح عامة وليس نفسه فقط على عكس ترامب حين كتب كتابه، مما يفرض عليه نهجًا مؤسسيًا وجماعيًا أكثر. يتوجب عليه التنسيق مع قيادته وفريقه والاستماع لمطالب شعبه أو برلمانه، ثم إيجاد صيغة ترضي الجميع. لذا مرونة المنهج لديه أعلى نسبيًا من ترامب: يمكن أن يعدل مواقفه التكتيكية بالتشاور، ويسعى لحلول إبداعية تضمن مكسبًا له وللطرف الآخر، لأن فشل المفاوضات ليس خيارًا سهلًا عندما يتعلق الأمر بأمن قومي أو اقتصاد بلد. إنه الفارق بين التفاوض الصفري في البيزنس حيث يستطيع ترامب دائمًا البحث عن شريك آخر أو صفقة بديلة، والتفاوض متعدد الأطراف الذي يخوضه عرقجي حيث الخيارات محدودة والتوصل لاتفاق أفضل من لا اتفاق غالبًا.
استخدام القوة مقابل استخدام المرونة: يتميّز ترامب باستخدام أوراق القوة والضغط القصوى في تفاوضه.
فهو لا يتردد في استغلال أي نفوذ لديه – سواء مالي أو إعلامي أو قانوني – لدفع خصمه للرضوخ. على سبيل المثال، في مشروع إعادة بناء حلبة التزلج في “وولمان” بسنترال بارك، استثمر ترامب الإعلام ببراعة للضغط على بلدية نيويورك التي فشلت لسنوات في إنجاز المشروع؛ شن حملة صحفية علنية على كفاءة المسؤولين مما أجبرهم على تسليم المشروع له، ثم نفّذه بسرعة وبتكلفة أقل. هذه الحادثة تُظهر نهجه في استعراض القوة (9) لإحراج الطرف الآخر ودفعه للامتثال. كذلك في مفاوضاته التجارية، يشدد ترامب على قاعدة “استخدم نقاط قوتك” وعدم إظهار الضعف، لذا كثيرًا ما هدد بالانسحاب من الصفقة أو التصعيد إذا شعر أن الطرف المقابل متردد، مستغلًا خوف الخصم من فوات الفرصة. على الجانب الآخر، يتصف عرقجي بالبراعة في توظيف المرونة والليونة التكتيكية خدمةً لهدفه. المفاوض الدبلوماسي الناجح يعرف متى يُظهر التشدد ومتى يُبدي المرونة. عرقجي عادة يُظهر مرونة في القضايا الثانوية لكسب ثقة الخصوم، بينما يتمسك بحزم بالخطوط الحمراء الأساسية (10) إنه توازن القوة الهادئة: لا يلجأ إلى التهديد العلني كثيرًا، بل يعتمد الدفع غير المباشر، كأن يلمّح بأن عدم الاتفاق سيؤدي لبدائل أسوأ للطرف الآخر. على سبيل المثال، خلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة (11) ، ألمح المفاوضون الإيرانيون مرارًا إلى أنه إن لم يتم رفع العقوبات ستواصل إيران تطوير برنامجها بوتيرة أسرع، في رسالة ضمنية لضغط واقع الحال دون كسر الأجواء الدبلوماسية. كما أن استخدامه للقوة يأتي في إطار مؤسسي (12) وليس بشكل شخصي صدامي كما يفعل ترامب. بكلمات أخرى، قوة ترامب صريحة وفردية بينما قوة عرقجي هادئة وجماعية.
العلاقة بالمعلومات والبيانات: هناك تباين مثير للاهتمام في كيفية تعاطي كل منهما مع المعلومات والتحليلات أثناء التفاوض. ترامب يفاخر في كتابه بأنه “لا يوظف كثيرًا من خبراء الأرقام ولا يثق بالدراسات التسويقية الفاخرة، بل يجري استطلاعاته الخاصة ويتبع حدسه”. هذا يكشف ميله للاعتماد على الفطرة والخبرة الشخصية أكثر من التحليل العلمي الدقيق. إنه جزء من أسلوبه الفردي الواثق، حيث يعتقد أنه يمتلك “غريزة السوق” التي تغنيه عن آراء الخبراء. قد يناسب ذلك عالم الصفقات السريعة حيث لا وقت للدراسات المطولة. في المقابل، عرقجي بحكم عمله الرسمي لا يمكنه تجاهل البيانات والآراء المختصة. التفاوض على اتفاق معقد كالاتفاق النووي تطلب فِرقًا فنية وقانونية تدعمه بأدق التفاصيل (13) ومن المعروف أن المفاوضين الإيرانيين كانوا يواظبون على المشورة التقنية والقانونية ويقدمون مقترحات مفصلة خلال الجولات، مما يدل على نهج عقلاني تحليلي في بناء المواقف. عرقجي نفسه أكاديمي (14) ويميل لاستخدام لغة مدعومة بالمنطق والحقائق لإقناع الأطراف الدولية. بالتالي، بينما يتبع ترامب حدسه ويستغل المعلومة كسلاح تكتيكي (15) ، يجنح عرقجي للتحليل الموضوعي ويستخدم المعلومات لكسب ثقة الأطراف (16) هذا الاختلاف له جانب ثقافي أيضًا سنتطرق له في القسم التالي.
وخلاصة القول، يظهر التباين بوضوح بين مدرسة ترامب التي تمثل التفاوض الهجومي الفردي المتمحور حول الصفقة والربح المباشر، ومدرسة عرقجي التي تمثل التفاوض الدبلوماسي الجماعي الساعي للاتفاق المتوازن. كل منهما يستخدم أدوات التفاوض الأساسية ولكن بطابع مختلف تمامًا: أحدهما بصخب رجل الأعمال المحارب، والآخر بحنكة الدبلوماسي الباحث عن الحل الوسط. وهذا التباين ينبع في جزء كبير منه من الخلفية الثقافية والقيمية لكل منهما، كما سنناقش تاليًا.
3. الفروقات الثقافية
تلعب الثقافة دورًا محوريًا في تشكيل نظرة المفاوض إلى العملية التفاوضية وأهدافها النهائية. ترامب وعرقجي نتاج بيئتين ثقافيتين مختلفتين جذريًا: الأولى أمريكية ذات طابع فردي تنافسي، والثانية شرق أوسطية (17) ذات طابع جماعي وعُرفي. هذا الاختلاف الثقافي يتجلّى في عدة جوانب:
الفردية الأمريكية مقابل الجماعية الشرقية: ينتمي ترامب إلى ثقافة الفردانية الأمريكية، حيث يُمجّد استقلال الفرد وإنجازه الشخصي. في السياق الأمريكي، النجاح عادة يُنسب إلى المهارات والجهد الفردي، والتنافسية قيمة محورية. كتاب “فن الصفقة” بأكمله قائم على سرد ترامب لإنجازاته الشخصية وكيف تفوق بذكائه وجرأته على الآخرين. نبرة الكتاب احتفالية بالـ”أنا”؛ ترامب هو البطل الذي ينتصر في النهاية بفضل حنكته. ثقافيًا، الولايات المتحدة تُوصَف بثقافة “الكرامة” (18) التي يشعر فيها الفرد بقيمته الذاتية بمعزل نسبيًا عن آراء الآخرين. لذا نجد ترامب لا يتردد في الدخول في صراع تفاوضي مباشر لأن مكانته لا تتضرر جوهريًا بالخلاف – فالهزيمة أو التنازل أمر عابر لا يمس “كرامته” الشخصية طالما يؤمن بقراره. كذلك، يميل الأمريكيون إلى مصارحة المعلومات والطرح المباشر؛ البحث أظهر أنهم في التفاوض أكثر استعدادًا لمشاركة المعلومات عن احتياجاتهم بشكل صريح على أمل الوصول لحل عملي. هذا ينبع من افتراض الثقة السريعة بالآخر (19) . وبالتالي، في مفاوضات ترامب التجارية غالبًا ما تُطرَح الأوراق الرئيسية على الطاولة بسرعة – السعر، الشروط – ويتم النقاش حولها بشكل مباشر.
في المقابل، خلفية عرقجي الشرق أوسطية (20) تعكس قيم الثقافة الجماعية. في هذه الثقافة، يُنظر للفرد كجزء من جماعة أكبر – عائلة أو قبيلة أو أمة – ويكون الحفاظ على الوئام الجماعي والسمعة أولوية. يطلق بعض علماء الأنثروبولوجيا على ثقافات المنطقة وصف “ثقافة الشرف” (21) ، حيث تستمد قيمة الشخص من نظرة الآخرين له واحترامهم إياه. بالنسبة للمفاوض، هذا يعني أنه يدخل المفاوضات وهدفه أيضًا الحفاظ على ماء الوجه وكرامة جماعته إلى جانب تحقيق المصالح. الدراسة التي قارنت تفاوض طلاب أمريكيين وقطريين وجدت أن المفاوضين الشرق أوسطيين أكثر تنافسية من الأمريكيين، ويضعون تطلعات عالية جدًا عند التحضير للتفاوض – ليس فقط لتحقيق المكاسب بل لإثبات قوتهم وحماية شرفهم. هذا يفسر مثلا لماذا قد يبدأ المفاوض الإيراني أو العربي بعرض متشدد وغير واقعي ظاهريًا؛ فهو جزء من إظهار الصلابة وحفظ المكانة قبل المساومة. كذلك، لوحظ أن المفاوض الشرق أوسطي أقل ميلًا للإفصاح عن معلوماته ومطالبه الحقيقية مبكرًا، إذ الثقة تُكتسب تدريجيًا عبر عدة لقاءات. وهذا مألوف لمن يعيش ثقافة “البازار” حيث الحذر سيد الموقف في التعامل مع الغرباء. لذا عرقجي كغيره من دبلوماسيي المنطقة ربما يبدأ المفاوضات الدولية متوجسًا، يختبر نوايا الطرف الآخر قبل أن يكشف أوراقه. أيضًا، يولي أهمية كبيرة للعلاقات الشخصية: بناء علاقة ودية واحترام متبادل قد يسبق الخوض في صلب الموضوع. هذا خلاف أسلوب الأمريكيين العملي المباشر. ففي حين قد يبدأ ترامب اجتماع عمل مباشرًا بالأعمال، لن يفوت عرقجي تبادل المجاملات وربما بعض الأحاديث العامة لكسر الجليد – وهو انعكاس لـاجتماعية الثقافة الشرقية التي ترى في التواصل الشخصي جزءًا من بناء الثقة اللازمة لعقد الصفقات.
مفهوم الفوز: صفرِي أم مشترك؟ يتجلى الاختلاف الثقافي أيضًا في النظرة إلى نتيجة التفاوض. ترامب يميل إلى عقلية الربح/الخسارة (22) بينما عرقجي ينشد الربح المشترك (23) في الثقافة الأمريكية التجارية التقليدية – لا سيما جيل ترامب في الثمانينات – كان عقد الصفقات يُشبه بالمنافسة الرياضية: طرف رابح وآخر خاسر. بالفعل، ترامب غالبًا ما يتفاخر “بهزيمة” الطرف الآخر أو أنه خرج بالصفقة الأفضل. هذا المنظور يقارب التفاوض التوزيعي/الصراعي حيث يُنظر إلى الصفقة ككعكة ثابتة الحجم يسعى كل طرف أن يقتطع منها أكبر نصيب. التركيز هنا على المصلحة الفردية ولو جاءت على حساب الآخر. ثقافة الأعمال الرأسمالية الأمريكية شجعت ذلك بقوة التنافس؛ فنجاحك غالبًا يقاس بقياس تفوقك على منافسيك. ترامب يجسد هذه الروح تمامًا، إذ يعتبر المال “وسيلة لقياس النجاح” والمتعة الحقيقية لديه هي “لعب اللعبة” والفوز بها.
أما عرقجي فيعكس ثقافة تعتبر التفاوض عملية لخلق قيمة لجميع الأطراف. في الدبلوماسية الناجحة، لا ينبغي أن يكون هناك خاسر بالكامل، وإلا فلن يدوم الاتفاق. من منظور تفاوضي حديث، هذا هو منهج التفاوض التكاملي/التعاوني الذي يسعى لتوسيع نطاق المنافع بحيث يربح الجميع. الثقافة الإيرانية والإقليمية عمومًا تقدّر مبدأ “لا ضرر ولا ضرار” والسعي لحلول وسط تراعي مصالح الجميع (24) بالفعل، شدد المسؤولون الإيرانيون مرارًا على رغبتهم في “اتفاق يربح فيه الجميع”. ففي سياق التفاوض النووي مثلاً، صرح عرقجي مؤخرًا أن إيران “جاهزة لاتفاق يحقق مكسبًا للطرفين (25) إذا رُفعت العقوبات الأمريكية”. وفي كتابه يؤكد أن فهم حاجات الآخر جوهري للوصول لحل يُرضيه أيضًا. هذا الفرق الجوهري: بالنسبة لترامب النجاح هو انتصار منفرد يثبت به ذاته، أما لعرقجي فالنجاح هو اتفاق مقبول يمكن الدفاع عنه أمام شعبه والعالم كخطوة إيجابية للجميع. وتجدر الإشارة أن مفهوم الفوز المشترك ليس غريبًا عن الثقافة الأمريكية الحديثة أيضًا (26) ، لكنه يتجلى عمليًا في نهج عرقجي نتيجة حسّه الجماعي وكون هدفه بناء علاقة طويلة الأمد وليس مجرد صفقة عابرة. كما أن السمعة الجماعية مهمة: ففي الثقافة الشرقية إذا شعر أحد الأطراف أنه خسر وخُدع، قد يسعى للانتقام لاحقًا أو ينسحب من الالتزام، لذا يحرص المفاوض الحاذق (27)على ترتيبات تحفظ كرامة الجميع لضمان استدامة الاتفاق.
دور المشاعر واللغة غير المباشرة: أحد الفروق الثقافية البارزة هو كيفية التعبير أثناء التفاوض. الأمريكيون مثل ترامب يميلون للخطاب الواضح والمباشر وحتى الفظ أحيانًا، معتبرين ذلك صراحة ضرورية في البيزنس. أما ثقافات الشرق الأوسط فتتبنى أسلوبًا أكثر التفافًا ودبلوماسية لغوية. مفهوم “التعريض” أو المداراة في الكلام معروف في العربية والفارسية (28) لهذا نجد عرقجي انتقائي جدًا في عباراته العلنية؛ يتجنب الإهانة المباشرة أو الرفض القاطع، وبدلاً من ذلك يستخدم تعابير مثل “غير واقعية” لوصف مطالب الخصم التي يرفضها، أو “سندرس الأمر” عوضًا عن “نرفض الأمر”. هذه المراعاة اللفظية تهدف إلى عدم إحراج الطرف الآخر علنًا حفاظًا على مناخ التفاوض. بالمقابل، ترامب عُرف بتصريحاته الحادة تجاه من تفاوض معهم أو عمل معهم إذا شعر أنهم عارضوه؛ فهو أقل اكتراثًا بـ”مشاعر” الآخر في سياق التفاوض، ويرى الضغوط النفسية جزءًا طبيعيًا من اللعبة. أيضًا، استخدام العاطفة يختلف: في مفاوضات الشرق، أحيانًا تظهر انفعالات قوية – غضب، استياء، أو حماس – كجزء من المشهد التفاوضي، إذ يُنظر لذلك كدلالة على الصدق أو الجدية وربما كورقة ضغط لإظهار الاستياء. أما التفاوض الأمريكي التقليدي فيفضّل البقاء مهنيًا ورصينًا وعدم إظهار الكثير من العاطفة، باعتبار ذلك أكثر موضوعية. ومع ذلك، ترامب نفسه كشخصية استعراضية قد خرج عن هذا التقليد وأظهر انفعالات علنية (29)، ولكنه غالبًا مدروس لإيصال رسالة قوة.
في المحصلة، اللغة والتعبير في تفاوض ترامب مباشر وقد يكون قاسيًا، بينما في تفاوض عرقجي مؤدب ودائري تجنبًا لأي قطيعة، مما يعكس قيم احترام الوجه والحفاظ على العلاقات المتجذرة ثقافيًا في نهجه.
باختصار، أثّرت الثقافة على كل من المؤلفين بحيث تبنّى أحدهما ذهنيّة التاجر الفرد في السوق الحر، وتبنّى الآخر ذهنيّة الحَكيم الجماعي في سوق البازار. الأول ينظر إلى الصفقة كمبارزة تحقق له مجدًا شخصيًا، والثاني يراها جسرًا لبناء علاقة وتحقيق مصلحة مشتركة. ولا يعني ذلك أن أحدهما صائب مطلقًا والآخر مخطئ، بل أن السياق الثقافي يوجه الأولويات والقيم في عملية التفاوض: ترامب قيمته الفوز السريع الواضح، وعرقجي قيمته الحل العادل المستدام. هذه الرؤية ستتضح أكثر عند النظر إلى الأبعاد الاقتصادية التي تحكم تفكير كل منهما.
4. الأبعاد الاقتصادية
لا يمكن فهم فلسفة التفاوض لدى ترامب وعرقجي دون وضعها ضمن إطارها الاقتصادي الأوسع. رؤية كل منهما للصفقات والتسويات متأثرة بشدة بنموذج الاقتصاد الذي يعمل في ظله وأهدافه الاقتصادية الأشمل:
الرأسمالية الصلبة مقابل الاقتصاد التعاوني: ينتمي ترامب إلى بيئة اقتصاد رأسمالي متشدد حيث آليات السوق الحرة والتنافس هي السيد. في الثمانينات – فترة صعود ترامب – كان الفكر السائد في أمريكا هو تمجيد المبادرة الفردية والسعي للربح الأقصى (30) لذا يتعامل ترامب مع التفاوض كفرصة لاقتناص مكاسب مالية قصوى. نجده مثلًا يركز على خفض التكاليف وزيادة العوائد في كل صفقة؛ إحدى قواعده كانت “احتواء التكاليف”، فهو مستعد لصرف ما يلزم لكن لا أكثر مما ينبغي، تأكيدًا لمنطق حساب الربح والخسارة المادي في كل خطوة. المال بالنسبة له ليس مجرد ضرورة بل مؤشر نجاح. هذه النظرة التجارية البحتة تجعل التفاوض لديه محكومًا بمعايير العائد المالي: ما الصفقة الأفضل ثمنًا؟ كيف أزيد حصتي من الكعكة؟ وينعكس ذلك أيضًا في تقييمه للشركاء – فمن يدفع أكثر أو يوفر له فائدة أكبر هو الأفضل. كذلك، يؤمن ترامب بأولوية القطاع الخاص وكفاءة السوق؛ في قصة حلبة التزلج (31) رأى كيف أهدر القطاع العام 12 مليون دولار في 6 سنوات دون نتيجة، فجاء ليحقق الإنجاز في 6 أشهر وبثلث الميزانية، ثم اعتبر ذلك دليلًا على تفوق “المؤسسة الخاصة الفعالة على الحكومة البيروقراطية”. هذه الخلفية الأيديولوجية (32) تجعل استراتيجياته التفاوضية تنافسية بحتة: السوق في نظره ميدان صراع والكفاءة تُثبت بالتفوق المالي.
على الجانب الآخر، عرقجي يعمل في سياق اقتصاد بلد نامٍ ذو طابع مختلط يميل للتعاون. الاقتصاد الإيراني – ومثله العديد من الاقتصادات الشرق أوسطية – ليس رأسماليًا حرًا بالكامل، بل تلعب الحكومة والمؤسسات الجماعية دورًا كبيرًا فيه (33) كما أن الثقافة الاقتصادية الإسلامية/الشرقية تضع وزنًا لمفاهيم العدالة والتكافل أكثر مما تفعل الرأسمالية الغربية التقليدية. لذلك نجد نزعة للتفاوض الجماعي: إيران مثلًا تفاوضت ككتلة مع قوى عالمية (34) أو نسقت مع دول أخرى (35) لضمان أفضل وضع اقتصادي، بدلاً من منطق المنافسة المطلقة. الاقتصاد التعاوني هنا قد يُفهم على مستويين: داخليًا تميل السياسة الاقتصادية للتوفيق بين مصالح الفئات المختلفة (36) ، وخارجيًا تفضل الشراكات طويلة الأجل مع الدول الصديقة على صفقات رابحة لحظية مع أطراف لا ثقة بها. بالتالي، عرقجي عندما يتفاوض، في ذهنه المصلحة العامة المشتركة وليس مجرد ربح شركة أو فرد. مثلاً، في المفاوضات النووية كان هدفه النهائي رفع العقوبات لإنعاش اقتصاد بلده ككل، وليس تحقيق مكسب مالي لشركة بعينها. كما أن العدالة في توزيع المكاسب تهمه كدبلوماسي يمثل شعبًا؛ يجب أن يستطيع القول إنه حقق إنجازًا اقتصاديًا وطنيًا (37) مقابل التنازلات التي قدمها. هذا يختلف عن ترامب الذي يقيس النجاح بالدولارات. عرقجي نجاحه يُقاس بنمو الاقتصاد الكلي وتحسن معيشة شعبه أو زيادة قوة بلده إقليميًا نتيجة الصفقة. من هنا يأتي الطابع التعاوني: فهو مستعد ربما لتقديم تنازلات مادية محدودة إذا ضمن مكاسب اقتصادية استراتيجية طويلة الأجل (38) هذه المعادلة التعاونية (39)تتسق مع الرؤية غير الصفرية التي أشرنا لها.
تأثير الاقتصاد الكلي وظروف السوق: تختلف استراتيجيات التفاوض أيضًا بحكم الظروف الاقتصادية المحيطة بكل منهما. ترامب أبرم العديد من صفقاته في بيئة ازدهار اقتصادي (40) وأيضًا اجتاز فترات ركود (41) حاول استغلالها لشراء أصول بسعر زهيد. هو بذلك انتهازي اقتصاديًا بمعنى إيجابي؛ يراقب دورات السوق ويختار التوقيت الأفضل ليفاوض على شراء أو بيع. عندما تكون الفائدة مرتفعة وأسعار العقار منخفضة، يشتري بكثرة (42) ، وعندما ترتفع القيم يبيع أو يعيد تمويل ديونه. هذه الخلفية جعلته حساسًا للتقلبات الاقتصادية ويستخدمها في التفاوض. مثال: لو علم أن الطرف الآخر يمر بضائقة مالية أو أن السوق يضغظ عليه، يستغل ذلك ليقدم عرضًا منخفضًا مستندًا إلى أن البدائل شحيحة. وهو يذكر صراحة: “أسوأ شيء تفعله هو أن تبدو يائسًا لعقد الصفقة… فهذا يسمح للآخرين بشم رائحة الخوف والفتك بك”. إذن الحالة الاقتصادية للطرف الآخر (43) ورقة يستغلها بقوة في تحقيق صفقة أفضل.
بالنسبة لعرقجي، الاقتصاد الكلي ليس مجرد خلفية بل محور المفاوضات ذاته. فهو يتفاوض غالبًا بسبب أوضاع اقتصادية ضاغطة – العقوبات الاقتصادية كانت الحافز الأساس خلف دخول إيران المفاوضات النووية. ومن جهة أخرى، مكاسب اتفاق ناجح تنعكس على الاقتصاد بأكمله (44) لذلك، كثيرًا ما يستشهد عرقجي والمؤلفون الإيرانيون بالعوامل الاقتصادية الخارجية لتبرير مواقفهم. فمثلاً قد يربط موقفه التفاوضي بأسعار النفط أو حاجة السوق العالمي لاستقرار الإنتاج الإيراني، مما يعطي بلده نفوذًا. أيضًا، يدرك عرقجي أن الطرف الآخر تحركه اعتبارات اقتصادية: الأوروبيون يريدون استمرار تصديرهم واستثماراتهم في إيران، والأمريكيون قد لا يريدون ارتفاع أسعار النفط عالميًا نتيجة التصعيد. لذا يبني استراتيجية تفاوضية تعاضدية: يوضح لهم أن اتفاقًا مع إيران سيعود بالفائدة على اقتصاديات الجميع (45) هذه اللغة الاقتصادية الشمولية تختلف عن لغة ترامب التجزيئية التي تركز على صفقة معينة ومعايير ربحها الخاصة فقط. كذلك، عامل الزمن الاقتصادي يظهر بشكل مختلف: ترامب قد يماطل أو يسرع إتمام صفقة وفقًا لتوقعاته للسوق (46) عرقجي يواجه مواعيد نهائية ذات طابع سياسي-اقتصادي ، (47) فيسعى لإكمال التفاوض قبل أحداث معينة أو بعد أخرى وفق ما يخدم اقتصاد بلده. فالتفاوض لديه مرتبط بتطورات الاقتصاد الكلي بشكل عضوي.
تقييم الصفقات والعوائد: من زاوية تقييم النجاح، ينظر ترامب إلى الصفقة الناجحة بلغة المال والأعمال: كم ربحت؟ كم وفرت؟ ما حجم الصفقة بالدولار؟ على سبيل المثال، يعتبر إعادة بناء حلبة وولمان بنجاح صفقة ناجحة لأنه أنجزها بـ3 ملايين دولار بدل 12، وفي 6 أشهر بدل 6 سنوات. وقس على ذلك بقية مشاريعه – التقييم كمي مالي بالدرجة الأولى. كذلك يهتم بقيمة الصفقة السوقية: هل رفعت أسهم سمعته في سوق العقار؟ هل جلبت تغطية إعلامية تزيد من قيمة علامته التجارية؟ فالعوائد لديه ليست مالية فقط بل شخصية تسويقية أيضًا (48) أما عرقجي فتقييمه للنجاح أعقد. كدبلوماسي، عليه إرضاء عدة أطراف: القيادة السياسية في بلده، الرأي العام المحلي، شركاءه في الحكومة، وكذلك كسب قبول المجتمع الدولي للاتفاق. لذا فإن معايير النجاح تشمل مكاسب ملموسة وأخرى معنوية. المكاسب الملموسة يمكن أن تكون اقتصادية (49) وهذه أرقام تُعلن كمنجزات. أما المكاسب المعنوية فتتعلق بـالسيادة والكرامة: تمكن من انتزاع اعتراف رسمي بحق إيران في برنامج نووي سلمي، أو إجبار القوى الكبرى على الجلوس بندية على طاولة واحدة مع إيران. وهذه أمور ذات قيمة عالية في ثقافة إيران السياسية ويمكن اعتبارها عوائد نجاح أيضًا. النقطة الأخرى أن عرقجي ينظر للصفقة كجزء من صورة اقتصادية أكبر: نجاح الاتفاق النووي في عهد اوباما مثلًا لم يكن مجرد إنهاء أزمة نووية، بل كان يُنظر إليه داخليًا كنافذة لإنعاش الاقتصاد الإيراني المتعثر. وبالتالي التقييم النهائي عنده: هل حسّن الاتفاق المؤشرات الاقتصادية الكلية؟ (50) إن حصل ذلك، فالصفقة ناجحة استراتيجيًا حتى لو كانت هناك تنازلات مؤلمة. أما إن بقي الاقتصاد يعاني أو انهار الاتفاق لاحقًا (51) ، فيُعد الأمر فشلًا في استثمار الصفقة أكثر منه فشل تكتيك عرقجي نفسه. في المقابل، ترامب ليس معنيًا كثيرًا بالآثار الاجتماعية أو الوطنية لصفقاته (52) . مثلاً إذا اشترى عقارًا بأقل من قيمته الحقيقية وباعه لاحقًا بربح ضخم، لا يهمه إن كان الطرف الآخر خسر ماليًا لأن اهتمامه ينحصر في نتيجته الخاصة. بينما عرقجي بحكم موقعه مضطر للتفكير بعقلية المجموع: نجاح الصفقة يجب أن يكون مقبولًا اجتماعيًا ويحقق منافع متبادلة، وإلا فلن يصمد سياسيًا.
في المحصلة، نرى أن ترامب يتنفس اقتصاد السوق الحر الفردي – صفقاته تدور حول زيادة الثروة الخاصة والاميركية وتعظيم الربح السريع متأثرًا بقيم الرأسمالية التنافسية، في حين أن عرقجي يتنفس اقتصاد الدولة والمجتمع – مفاوضاته تدور حول رفع شأن الاقتصاد الوطني ككل وتحقيق نمو مشترك وتخفيف الأضرار، متأثرًا بقيم التعاون والعدالة النسبية. وهذا ينعكس بوضوح في الأمثلة العملية لكلا الرجلين، حيث يمكننا رؤية كيف تجلت هذه الفلسفات الاقتصادية في نتائج مفاوضاتهما.
5. التطبيقات العملية
لعل أفضل طريقة لفهم منهج كلٍ من ترامب وعرقجي هي استعراض أمثلة واقعية وردت في كتابيهما أو في مسيرتهما، توضح أساليب التفاوض ونتائجها، مع إبراز تأثير التقنية المتبعة والثقافة السائدة على تلك النتائج.
أمثلة من “فن الصفقة” (53) يعرض ترامب في كتابه عدة قصص من صفقات العقار والأعمال التي خاضها، وكلها تكشف عن نهجه الصارم والابتكاري في آن واحد. من أبرزها قصة مفاوضاته مع بلدية نيويورك حول حلبة التزلج في سنترال بارك (54) واجهت المدينة فشلًا ذريعًا على مدى 6 سنوات في تجديد الحلبة رغم إنفاق 12 مليون دولار، فعرض ترامب عام 1986 تولي المشروع. في تكتيك تفاوضي ذكي، استغل الإعلام للضغط على عمدة نيويورك (55) الذي كان خصمًا له؛ أطلق حملة علنية عبر الصحافة مفادها أنه سينقذ المشروع وسيثبت تفوق إدارة القطاع الخاص. قاوم العمدة في البداية إلا أنه رضخ تحت ضغط الرأي العام ومنحه العقد. ترامب تعهّد بإنجاز العمل في 6 أشهر بميزانية لا تتجاوز 3 ملايين دولار، وهو تعهد جريء مقارنة بفشل المدينة السابق. وبالفعل، وفى بوعده: اكتملت الحلبة قبل الموعد المحدد وبأقل من الميزانية المرصودة، وحصد ترامب إشادة إعلامية واسعة. هذا المثال يجسد عدة نقاط: استغلاله للهدف الواضح (56) ، استخدامه ل leverage عبر الإعلام لإجبار الخصم على الصفقة، ثم تنفيذه المتقن (57) لتعزيز سمعته. أثر الثقافة هنا حاضر أيضًا: فهو صوّر الأمر كنموذج لـ”كفاءة القطاع الخاص” مقابل “فشل الحكومة”، مما يروق للذهنية الأمريكية الرأسمالية. أيضًا حرصه على أن يبدو البطل الفرد المنقذ نابع من ثقافة تمجيد رجل الأعمال المغوار.
مثال آخر يورده ترامب هو صفقة فندق الكومودور (59) تفاوض ترامب شابًا مع مالكي فندق متهالك قرب المحطة المركزية بنيويورك ومع بلدية المدينة للحصول على تمويل وإعفاءات ضريبية لتجديده. هنا استخدم فهمه للطرف الآخر: علم أن البلدية ترغب في تنشيط المنطقة وإنقاذ الفندق لكن مواردها محدودة، فقدم نفسه كشريك المنقذ الذي سيجلب استثمارًا (59] ويحقق هدف المدينة مقابل حصوله على إعفاء ضريبي ضخم لمدة 40 سنة. في هذه المفاوضات، استغل ترامب حاجة المدينة (60) كورقة ضغط ليحصل على ما يريد (61) نجح في انتزاع الصفقة لأنه جعلها مغرية للطرف الآخر أيضًا – وهنا جانب تكتيكي مشترك مع عرقجي نظريًا: صياغة الصفقة كمصلحة متبادلة وإن كان ترامب فعلها بنهج تجاري بحت. هذه الصفقة تعتبر حجر الأساس لثروة ترامب العقارية، وتظهر قدرته على التفاوض المركب (62).
أيضًا، يذكر ترامب مفاوضاته مع ملاك أراض أو منافسين: مثلًا صفقة كازينو تاج محل في أتلانتك سيتي – حيث دخل معركة استحواذ مع منافس (63) وقام بخطوات جريئة منها شراء كم كبير من أسهم ديون المشروع في السوق بأسعار منخفضة مما منحه نفوذًا، ثم فرض شروطه لإتمام الصفقة لصالحه. هذه التحركات تتطلب عدوانية مالية وثقة، وهي دروس يسردها في الكتاب ليبين للقارئ أهمية الجرأة وحسم الفرص. لكنه أيضًا يعترف بأخطائه: فقد اندفع أحيانًا في استثمارات ضخمة وتعثرت عندما انقلبت ظروف السوق، مثل أزمة ديونه في أوائل التسعينات. في الكتاب قد لا يخوض في التفاصيل السلبية كثيرًا، لكنه يلمح إلى أنه يتعلم من كل تجربة ويعود أقوى. ثقافيًا، هذه الأمثلة من عالم ترامب تُظهر البطل الأمريكي الفرداني الذي يعتبر التفاوض مبارزة ذكاء وقوة إرادة، وفي النهاية “كل شيء ينتهي على ما يرام” إذا لعبت أوراقك بشغف وذكاء.
أمثلة من “قوة التفاوض” (64) بينما يورِد عرقجي في كتابه تحليلات ومبادئ عامة مستمدة من خبرته، يمكن استنباط الأمثلة العملية الأهم من مسيرته الدبلوماسية، وعلى رأسها تجربته في المفاوضات النووية الإيرانية التي توّجت باتفاق 2015 (65) هذا الاتفاق التاريخي كان نتيجة ماراثون تفاوضي استمر سنوات وشارك فيه عرقجي كنائب وزير خارجية وكبير مفاوضين. يتجلى في هذه التجربة أسلوب عرقجي التوافقي والحازم في آن واحد. على سبيل المثال، خلال جولات التفاوض المتعددة (66) ، مارس الفريق الإيراني بقيادة عرقجي ووزير الخارجية ظريف تكتيك الصمود حتى الحصول على أفضل الشروط: كانوا يرفضون التوقيع ما لم يُقبل بحق إيران في التخصيب ويُعلن رفع فوري لبعض العقوبات. في إحدى الجولات عام 2014، أمضت الوفود أيامًا إضافية بعد موعد انتهاء المهلة لبلوغ حل وسط بدل الفشل – وهذا يعكس إصرار عرقجي على الاتفاق رغم الصعاب، موافقًا للثقافة التي ترى في الانسحاب النهائي خسارة للطرفين. في النهاية تحقق الاتفاق بشروط يمكن وصفها بالحل الوسط المقبول: قبلت إيران تقييدات على برنامجها النووي لفترة محددة، وفي المقابل رُفعت عقوبات مالية ونفطية كبرى بشكل تدريجي. كل طرف حصل على بعض مطالبه وتنازل عن بعضها – ترجمة حية لفلسفة “الرابح المشترك” التي يتبناها عرقجي. بعد الاتفاق، أُشيد به دوليًا كمثال لانتصار الدبلوماسية على المواجهة العسكرية، واحتفت به الصحافة الإيرانية كـ”إنجاز وطني” يُنهي عزلة الاقتصاد الإيراني (67) دون أن يتخلى عن كرامة البلاد وحقوقها. هذا النجاح الدبلوماسي يعود في جانب منه إلى حس عرقجي الثقافي: طوال المفاوضات حرص على لغة الاحترام مع نظرائه الغربيين، وكوّن علاقات عمل إيجابية (68) وفي الوقت نفسه، خاطب الرأي العام الإيراني بلغة التكريم؛ فدائمًا ما أكد أن إيران لم تُهزم ولم تستسلم بل تفاوضت ندًا لند وحققت مصالحها. هذا التوازن بين إرضاء الداخل والخارج هو جوهر براعة التفاوض الثقافي التي يتقنها عرقجي.
مثال آخر من عمل عرقجي الدبلوماسي هو مفاوضاته الإقليمية، كالمباحثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (69] أو التفاوض غير المباشر مع الولايات المتحدة عبر وسطاء (70) في هذه الحالات نرى عرقجي يستخدم الصبر الإستراتيجي: فهو مستعد لعشرات الساعات من النقاش الفني التفصيلي حول كل كلمة في النص لضمان أفضل نتيجة، على عكس أسلوب “أنجز وامضِ قدُمًا” لدى ترامب. كما أنه يوظف التحالفات: مثلاً جلب دعم سلطنة عمان كوسيط موثوق مما سهل بناء الثقة مع الطرف الأمريكي تدريجيًا – وهذا توظيف ذكي للثقافة الإقليمية (71) كذلك أظهر عرقجي مرونة تكتيكية في قضايا شائكة: وافق على حلول مبتكرة مثل إرسال اليورانيوم المخصب الزائد إلى روسيا وإعادة تصميم مفاعل “أراك” بمساعدة دولية بدلًا من إغلاقه تمامًا، وهذه حلول خارج الصندوق تجمع الفائدة التقنية لإيران مع طمأنة الخصوم. نجاح هذه المقاربات أكد مصداقيته التفاوضية ورسّخ سمعته كدبلوماسي بارع يستطيع “إغراق الشيطان في التفاصيل الكلامية” كما وُصف.
وتأثير العامل الثقافي على النتائج يبدو بوضوح في اختلاف مصير صفقات ترامب وصفقة عرقجي الكبرى: صفقات ترامب عادة محدودة السياق، تنتهي بربح مالي له وربما استياء أو رضى محدود للطرف الآخر، لكنها لا تتعدى أطرافها. أما اتفاق عرقجي النووي فكان اتفاقًا دوليًا متعدد الثقافات، احتاج إلى حساسية ثقافية عالية للموازنة بين عقليات تفاوضية متنوعة (72) بالإضافة إلى العقلية الإيرانية. ورغم نجاح الاتفاق مبدئيًا، فإن انسحاب ترامب منه لاحقًا (73) مثّل تصادم ثقافتين تفاوضيتين: ثقافة الفوز المطلق التي انتهجها ترامب (74) مقابل ثقافة الفوز المشترك لعرقجي التي افترضت أن الجميع سيلتزم طالما الجميع مستفيد. هذا يبرز درسًا أخيرًا: التفاوض لا يتم في فراغ، بل تؤثر فيه بيئة السياسة والاقتصاد والثقافة الأوسع. قد يبني المفاوض صفقة ممتازة على الورق، لكن استدامتها تحتاج فهمًا عميقًا لثقافة تنفيذ الاتفاق لدى الأطراف. في حالة اتفاق 2015، تغيرت القيادة الأمريكية إلى نهج مختلف ثقافيًا فانهار الاتفاق. وفي المقابل، كثير من صفقات ترامب التجارية أيضًا تعرضت لمشاكل لاحقًا (75) لأنها تمت بروح الغلبة اللحظية لا الشراكة طويلة الأمد.
خلاصة:
من هذه الأمثلة يتضح أن التقنيات التفاوضية يجب دائمًا أن تقترن بفهم السياق الثقافي والاقتصادي لتحقيق النجاح المستدام. ترامب أظهر كيف يمكن للثقة الجامحة والمخاطرة المحسوبة أن تدر أرباحًا طائلة وتحقق انتصارات شخصية خاطفة، وعرقجي برهن أن الصبر الدبلوماسي والحلول الوسط قادرة على نزع فتيل صراعات معقدة وجلب فوائد جماعية. كلا النهجين فيه دروس ثمينة؛ فقد ينجح أسلوب ترامب في الصفقات السريعة حيث المكسب فوري وعلاقات العمل ثانوية، بينما يتألق أسلوب عرقجي في الاتفاقات المعقدة التي تتطلب بناء ثقة وعلاقات مستدامة. وربما يكون المفاوض الأنجح هو من يجمع بين الإثنين: جرأة ترامب التكتيكية وحكمة عرقجي التوافقية، فيعرف متى يضغط بقوة ومتى يمد يد التعاون، وفقًا لطبيعة الموقف والثقافة التي يعمل ضمنها.
خاتمة:
قدم كتابا “فن الصفقة” و”قوة التفاوض” رؤيتين مختلفتين لفن التفاوض، تعكسان شخصيتي مؤلفيهما وظروفهما. الأول هو صوت رجل الأعمال الأمريكي الذي يرى العالم كسلسلة صفقات حيث الجرأة مفتاح الفوز، والثاني صوت الدبلوماسي الشرقي الذي يرى التفاوض مسارًا لبناء جسور تحقق مصالح مشتركة. من التحليل أعلاه، رأينا أوجه تقاطع تقنية في الإعداد والمهارة، لكننا رأينا أيضًا كيف فرّقت الثقافة والمنهجية بين أسلوبي ترامب وعرقجي. التفاوض في النهاية مزيج من العلم والفن؛ نجح ترامب لأنه أتقن علم الصفقات في سياق رأسمالي أمريكي، ونجح عرقجي لأنه أتقن فن التفاهم في سياق دبلوماسي شرقي. وفي عالمنا اليوم، الذي تشتبك فيه الثقافات والأسواق، بات على المفاوضين استلهام الدروس من كلا المدرستين. فلابد من التحضير الجيد واستخدام التكتيكات الذكية كما يفعل ترامب، مع التحلي بالصبر الثقافي والسعي للربح المشترك كما يفعل عرقجي، للوصول إلى حلول ناجحة ومستدامة.
ثبت المراجع:
(1] Donald J. Trump & Tony Schwartz. The Art of the Deal. Random House, 1987. (كتاب “فن الصفقة”).
(2] عباس عرقجي. قوة التفاوض. دار هاشم، بيروت، 2025. (كتاب “قوة التفاوض” مترجم للعربية).
(3] Peter Economy, “11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’”, Inc. Magazine, May 7, 2016.
(4] Alice Tecotzky, “I read ‘The Art of the Deal.’ Here are 6 lessons from Trump’s book we’re seeing play out with tariffs.”, Business Insider, April 10, 2025.
(5] Richard Feloni, “Trump is using his famous renovation of a New York City ice rink to sell his infrastructure plan”, Business Insider, Feb 12, 2018.
(6] Tehran Times, “Translation of ‘Negotiations: the Power of Diplomacy’ unveiled at Muscat International Book Fair”, April 25, 2025.
(7] Armenpress (Armenian News Agency), “Presentation of book ‘The Power of Negotiation’ by Iranian Foreign Minister held in Yerevan”, March 25, 2025.
(8] Soroush Aslani et al., “Doing Business in the Middle East: Americans and Middle Easterners approach negotiations differently,” Kellogg Insight, Sep 2, 2013.
(9] Dina Esfandiary, “Understanding Iran’s Negotiating Style”, LobeLog, Feb 21, 2013.
(10] Press TV News, “Iran says ‘ready’ for win-win deal if sanctions terminated, reiterates rights to nuclear energy”, May 19, 2025.
(11] , “Difference Between Distributive and Integrative Negotiation”, Feb 24, 2023.
(12] Karrass Negotiation Blog, “Surprises in Negotiations”, Jan 8, 2024.
(13] Arms Control Association, “Section 3: Understanding the JCPOA”, (accessed Nov 2025).
(14] كريستيان كوتس أولريخسن، “إيران والولايات المتحدة بحاجة كل إلى صفقة نووية تحقق الربح للطرفين”، معهد السياسة الاستراتيجية (ASPI) الأسترالي، 2021aspistrategist.org.au. (مثال لتحليل يتبنى مفهوم الربح للطرفين في الاتفاق النووي).
(15] (انتهى)
(16] اقتباسات
(17] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(18] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(19] Translation of “Negotiations: the Power of Diplomacy” unveiled at Muscat International Book Fair – Tehran Times
(20] https://www./news/512261/Translation-of-Negotiations-the-Power-of-Diplomacy-unveiled
(21] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(22] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(23] Art of the Power Deal: The Four Negotiation Roles of Donald J. Trump
(24] https://direct.mit.edu/ngtn/article-pdf/35/1/65/2377432/nejo12265.pdf
(25] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(26] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(27] Presentation of book ‘The Power of Negotiation’ by Iranian Foreign Minister held in Yerevan – ARMENPRESS Armenian News Agency
(28] https:///en/article/1215413
(29] I Read ‘the Art of the Deal.’ Here Are 6 Lessons I’m Seeing Play Out. – Business Insider
(30] https://www./art-of-deal-tariffs-trump-lessons-from-book-2025-4
(31] Translation of “Negotiations: the Power of Diplomacy” unveiled at Muscat International Book Fair – Tehran Times
(32] https://www./news/512261/Translation-of-Negotiations-the-Power-of-Diplomacy-unveiled
(33] Understanding Iran’s Negotiating Style – LobeLog
(34] https:///understanding-irans-negotiating-style/
(35] Understanding Iran’s Negotiating Style – LobeLog
(36] https:///understanding-irans-negotiating-style/
(37] Negotiation Concessions Explained
(38] https://www./communication/negotiation-concessions-explained/
(39] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(40] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(41] Iran says ‘ready’ for win-win deal if sanctions terminated, reiterates rights to nuclear energy
(42] https://www./Detail/2025/05/19/748211/FM-Iran-win-win-deal-sanctions-
(43] I Read ‘the Art of the Deal.’ Here Are 6 Lessons I’m Seeing Play Out. – Business Insider
(44] https://www./art-of-deal-tariffs-trump-lessons-from-book-2025-4
(45] SURPRISES IN NEGOTIATIONS – KARRASS
(46] https://www./blog/tip-48
(47] SURPRISES IN NEGOTIATIONS – KARRASS
(48] https://www./blog/tip-48
(49] Doing Business in the Middle East
(50] https:///article/doing_business_in_the_middle_east
(51] Understanding Iran’s Negotiating Style – LobeLog
(52] https:///understanding-irans-negotiating-style/
(53] SURPRISES IN NEGOTIATIONS – KARRASS
(54] https://www./blog/tip-48
(55] SURPRISES IN NEGOTIATIONS – KARRASS
(56] https://www./blog/tip-48
(57] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(58] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(59] Iran says ‘ready’ for win-win deal if sanctions terminated, reiterates rights to nuclear energy
(60] https://www./Detail/2025/05/19/748211/FM-Iran-win-win-deal-sanctions-
(61] Trump Sells Infrastructure Plan With Wollman Rink Success Story – Business Insider
(62] https://www./trump-sells-infrastructure-plan-with-wollman-rink-success-ivanka-2018-2
(63] Iran says ‘ready’ for win-win deal if sanctions terminated, reiterates rights to nuclear energy
(64] https://www./Detail/2025/05/19/748211/FM-Iran-win-win-deal-sanctions-
(65] I Read ‘the Art of the Deal.’ Here Are 6 Lessons I’m Seeing Play Out. – Business Insider
(66] https://www./art-of-deal-tariffs-trump-lessons-from-book-2025-4
(67] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(68] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(69] Doing Business in the Middle East
(70] https:///article/doing_business_in_the_middle_east
(71] Doing Business in the Middle East
(72] https:///article/doing_business_in_the_middle_east
(73] Doing Business in the Middle East
(74] https:///article/doing_business_in_the_middle_east
(75] Doing Business in the Middle East
(76] https:///article/doing_business_in_the_middle_east
(77] Doing Business in the Middle East
(78] https:///article/doing_business_in_the_middle_east
(79] Difference between Distributive and Integrative Negotiation
(80] https:///key-differences/difference-between-distributive-and-integrative-negotiation
(81] Difference between Distributive and Integrative Negotiation
(82] https:///key-differences/difference-between-distributive-and-integrative-negotiation
(83] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(84] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(85] Difference between Distributive and Integrative Negotiation
(86] https:///key-differences/difference-between-distributive-and-integrative-negotiation
(87] Difference between Distributive and Integrative Negotiation
(88] https:///key-differences/difference-between-distributive-and-integrative-negotiation
(89] Iran says ‘ready’ for win-win deal if sanctions terminated, reiterates rights to nuclear energy
(90] https://www./Detail/2025/05/19/748211/FM-Iran-win-win-deal-sanctions-
(91] Iran says ‘ready’ for win-win deal if sanctions terminated, reiterates rights to nuclear energy
(92] https://www./Detail/2025/05/19/748211/FM-Iran-win-win-deal-sanctions-
(93] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(94] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(95] Trump Sells Infrastructure Plan With Wollman Rink Success Story – Business Insider
(96] https://www./trump-sells-infrastructure-plan-with-wollman-rink-success-ivanka-2018-2
(97] Trump Sells Infrastructure Plan With Wollman Rink Success Story – Business Insider
(98] https://www./trump-sells-infrastructure-plan-with-wollman-rink-success-ivanka-2018-2
(99] Understanding Iran’s Negotiating Style – LobeLog
(100] https:///understanding-irans-negotiating-style/
(101] Iran says ‘ready’ for win-win deal if sanctions terminated, reiterates rights to nuclear energy
(102] https://www./Detail/2025/05/19/748211/FM-Iran-win-win-deal-sanctions-
(103] Trump Sells Infrastructure Plan With Wollman Rink Success Story – Business Insider
(104] https://www./trump-sells-infrastructure-plan-with-wollman-rink-success-ivanka-2018-2
(105] Trump Sells Infrastructure Plan With Wollman Rink Success Story – Business Insider
(106] https://www./trump-sells-infrastructure-plan-with-wollman-rink-success-ivanka-2018-2
(107] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(108] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(109] Trump Sells Infrastructure Plan With Wollman Rink Success Story – Business Insider
(110] https://www./trump-sells-infrastructure-plan-with-wollman-rink-success-ivanka-2018-2
(111] 11 Winning Negotiation Tactics From Donald Trump’s ‘The Art of the Deal’
(112] https://www./peter-economy/11-winning-negotiation-tactics-from-trump-s-art-of-the-deal.html
(113] Iran says ‘ready’ for win-win deal if sanctions terminated, reiterates rights to nuclear energy
(114] https://www./Detail/2025/05/19/748211/FM-Iran-win-win-deal-sanctions-
(115] The Iran nuclear deal: a missed opportunity? – CIDOB
(116] https://www./en/publications/iran-nuclear-deal-missed-opportunity
(117] Understanding Iran’s Negotiating Style – LobeLog
(118] https:///understanding-irans-negotiating-style/
(119] Master negotiator who ‘drowns the devil in words’: Iran’s man in …
(120] https://www./article/rjocyguzex
(121] Translation of “Negotiations: the Power of Diplomacy” unveiled at Muscat International Book Fair – Tehran Times
(122] https://www./news/512261/Translation-of-Negotiations-the-Power-of-Diplomacy-unveiled
(123] Doing Business in the Middle East
(124] https:///article/doing_business_in_the_middle_east
(125] Difference between Distributive and Integrative Negotiation
(126] https:///key-differences/difference-between-distributive-and-integrative-negotiation
(127] Section 3: Understanding the JCPOA | Arms Control Association
(128] https://www.armscontrol.org/2015-08/section-3-understanding-jcpoa
(129] Iran and the US both need a nuclear deal, but it must be win–win
(130] https://www.aspistrategist.org.au/iran-and-the-us-both-need-a-nuclear-deal-but-it-must-be-win-win/





