يولا هاشم / المركزية
للشعوب من أجل الدراسات في الجامعات السوفياتية تحت شعار عدم دفع أموال لليونيسيف من أجل تعليم الدول الفقيرة، وبهدف بناء ركيزة ايديولوجية تعتمد على كسب صداقة الشعوب، وبالتالي تأهيل كوادر لا تستطيع أن تكون عدواً للاتحاد السوفياتي. وكان لبنان من الدول المحظية التي حصلت على منح.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بفترة وتحديدا عام 2000 بدأت روسيا تقدّم نفسها الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي وحاولت إحياء هذا المسار بتقديم منح للدول الفقيرة من أجل اكتساب جهوزية لإعادة إحياء الثقافة الروسية وبناء كوادر جديدة في الدول غير معادية لروسيا لأن الايديولوجية السوفياتية السابقة سقطت وبدأ عصر المصالح المالية.
وكان لبنان أيضاً ضمن الدول التي حظيت بهذه المنح وكانت ترتفع سنويا بشكل تدريجي في محاولة من روسيا لكسب العديد من الطلاب الذين يبغون الدراسة في روسيا لرفع العلاقات الثقافية والاجتماعية مع موسكو وفي مجالات متعددة كالطب والهندسة والدراسات الانسانية.
لكن كيف تقدم روسيا المنح حاليا ومن يستفيد منها؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” ان “روسيا، وفي ظل نمو التعليم في اللغة الانكليزية، حاولت العمل ضمن هذه العادة القديمة لكسب ود طلاب وصداقات ولنشر الثقافة الروسية الجديدة في العالم، وعملت كباقي الدول الفرنسية والالمانية جاهدة على ان تكون حاضرة من خلال بناء تكنولوجيات ومفاهيم اتصالية مع العالم بشكل جديد.
في السابق، عندما كنا ندرس في الاتحاد السوفياتي، كنا نسأل لماذا تأتون بطلاب أفارقة ليسوا شيوعيين أو ماركسيين أو تقدميين وقليلي المعرفة والثقافة، وتأتون أيضاً بطلاب فاشلين من بلادنا، فكانت الاجابة دوما أن هدفهم ليس صنع طلاب ذوي اختصاص عالٍ، بل تأهيل مهنيين إذ يمكن لهؤلاء ان يكونوا مساعدين لأصحاب الاختصاص، أما بالنسبة للايديولوجية، فإذا لم يكن شيوعيا أو ماركسيا فإنه لن يكون عدوا للاتحاد السوفياتي، وعندما يعود الى بلاده سيؤسس عملاً وسيكون من الطبقة المتوسطة وستتمكن روسيا من التعامل معهم”.
ويرى العزي ان “روسيا اليوم انتهت من المرحلة الايديولوجية أكانت ماركسية او شيوعية، فعلى أي أساس تجذب الطلاب إليها، خاصة في منطقتنا؟ وسألنا مجددا كيف تتعاملون مع هؤلاء الشعوب فكان جوابهم بأننا أصدقاء الشرق وبالتالي نتعامل مع طلاب الشرق بالمفاهيم نفسها ولا ندخل في المكونات والمذهبيات والحزبيات. هذا جيد لا بل ممتاز، لكن ما لفت نظري دائما ان من يحصل على منح هم بالدرجة الاولى الطلاب المحسوبين على محور الممانعة والاكثرية من حزب الله. ليس هناك مشكلة في الطائفة، حتى لو فاز أكثرية الطلاب الذين تقدّموا لنيل المنح منها، لأنهم في النهاية مواطنون لبنانيون ويستحقون الاحترام لأنهم نالوا الدرجات المطلوبة في الشروط، لكن عندما يتم الاعلان عن إعطاء المنح، ويقدم نحو 800 طالب بطلباتهم هذه السنة لنحو 80 منحة إلى روسيا وتحصل عليها مجموعة معينة حصرا، هذا يعني ان هناك تلاعبا فعليا وواضحا في عملية الاختيار والتمييز. هذه المجموعة خدمها سفير سابق لروسيا في لبنان بالتعامل مع المحسوبيات التي فرضتها عناصر المحور، ما يعني ان روسيا كانت تتعامل مع محور بأنها جزء مع هذا المحور وتبتعد عن الاطراف والمكونات الاخرى. كما ان التلاعب واضح من خلال الشروط التي تُطلب للحصول على منحة الطب، حيث ان المطلوب بأن يحصل الطالب في مدرسته على معدل 18 على 20. جيد جدا، لكن الجميع يعلم كيف يمكن التلاعب بعلامات المدارس. وعندما يقدم الطلب وتُحجز المنحة، في النهاية من حصل في مدرسته على 18 لا يستطيع الحصول على أكثر من 11 و12 في الامتحانات الرسمية، وبالتالي هنا تصبح صفة التزوير والتلاعب واضحة لجهة عدم ربط الشهادة النهائية بالشهادة التي قُدِّمت من المدارس. ومعروف من يستطيع في لبنان الحصول على شهادات وتواقيع وتُقدم لنيل المنحة، وعندما يفرز نظام الاونلاين الطلاب المقبولين، هنا يبدأ التلاعب والمنح المركبة روسياً ولبنانياً. هذه التقنية تفرز بطريقة واضحة ومحسوبة يتم التلاعب بها في لبنان بين الجهات المعنية التي تتلقى هذه الطلبات. وعندما يستدعى الطلاب الذين تتوفر لديهم الشروط نرى بوضوح بأن 80 في المئة منهم يتبعون لمجموعة المحور، وبالتالي هنا الإدانة، وهذا نتيجة التركيبة المافياوية . ليس بالصدفة ان ينتمي 80 في المئة ممن يتم امتحانهم إلى فئة واحدة وطائفة واحدة وتستثنى باقي المكونات والطوائف”.
ويعتبر العزي ان “روسيا بهذه الحالة فقدت اول شرط موضوعي في عملية التواصل مع المكونات اللبنانية المختلفة. وحتى شرط الحصول على علامة 18 على 20 غير مقبول، لأن الطالب يستطيع عندها الالتحاق بجامعات اوروبا مجاناً وتأمين شهادة اوروبية وليس روسية وبالتالي الحصول على إقامة في الاتحاد الاوروبي وليس في دولة روسيا”، لافتا الى ان “بعض الطلاب يعانون أيضاً من مشكلة أخرى قبولهم في جامعات تقع في مدن بعيدة ونائية في الجنوب الروسي وسيبيريا او في شمال القوقاز غير قابلة للعيش للطلاب الاجانب مما يشكل لهم لاحقا أزمة فعلية في حال أراد إجراء عملية تبديل او نقل الى جامعة أخرى ودفع الرشاوى ، كما ان هذه الجامعات غير معترف بها دولياً، و في بعض الأحيان يضطر الطالب للعودة، نظرا لأن آلية تقديم الطلبات كانت خاطئة وكأنها جوائز ترضية وحوافز تقدم لمجموعات المحور، وكأن روسيا تقول للبنانيين “إذا لم تكونوا من أبناء هذا المحور او هذه الطائفة فلن تتمكنوا من الحصول على المنح، وبالتالي فإن المسيحيين والسنّة والدروز وباقي المكونات لا يتقدمون للحصول على هذه المنح لأنهم يعلمون أن الاعداد الكبيرة التي تتقدم بها المجموعة الطلابية عبر التسجيل اونلاين يؤدي في النهاية الى شطبهم وحرمانهم من فرصة الحصول على هذه الفوائد، لأن التقديم الاونلاين يتم التحكم به.
وبعدها يخضع الطالب لامتحان لزوم ما لا يلزم حيث يُسأل فيه فقط: لماذا تحب الدراسة في روسيا وهل تعجبك المتابعة والعيش في روسيا؟ وفي ما بعد تنتهي العملية وتقرر الاسماء، وهنا تشير لنا العلمية البيروقراطية بأن الاسماء التي تم تقديمها قد اتفق عليها ونالت الموافقة المسبقة”.
ويضيف: ” فتحت روسيا باب تقديم الطلبات في أيلول الماضي، وانتهت منذ ستة أيام الدورة الاولى في عملية فرز الاسماء التي يجب ان تستعد للامتحان . والسؤال يطرح نفسه، كيف استطاع الطلاب في ظل المدارس التي كانت مقفلة في مناطق معروفة بسبب الحرب، الحصول على الوثائق المطلوبة؟”
ويختم العزي: ” يبدو التعامل باستنسابية واضح في التعامل مع المنح ونتمنى على الاستشارية الروسية الثقافية والسفارة الروسية الانتباه الى تصرفات من سبقهم من عناصر ودبلوماسيين، لأن هناك طوائف ومكونات لبنانية تُحرَم علنية. وإذا قررت روسيا الانفتاح، فعليها ان تغيّر في سياستها في التعامل وبالتالي الحكم الفعلي هو الامتحانات وعملية الفرز الطبيعي للسير الذاتية وليس من خلال مجموعات تتلقى رشاوى ومحسوبة على طرف، تمنع كثيرين من الوصول الى هذه الطلبات، لأن الصداقة تبنى مع كل المكونات وليس مع طرف واحد”.





