في كلِّ مرَّةٍ حاولت الإمبراطوريَّة الفارسيَّة التوسُّعَ نحو الخارج والوصول إلى شواطئ البحر المتوسط، واجهت مقاومةً عسكريَّةً شديدةً، أدَّت إلى حروبٍ مُدَمِّرَة. هكذا كان الحال في الحرب ضدَّ الإسكندر المقدوني بين عامي 334 و330 قبل الميلاد، وكذلك في الحرب ضَّد الإمبراطور الروماني الشرقي البيزنطي، هرقل عام 628 ميلادية، حيث انتصر هرقل على الساسانيِّين في معركة نينوى.
ها إنَّ التاريخَ يُكرِّرُ نفسه اليوم مع كلِّ مآسيه.
فالمؤسَّسةُ السياسيَّةُ والعسكريَّةُ والدينيَّةُ الإيرانيَّةُ، والتي شاركت أميركا، رقَصاتِها الإقليميَّة، من أفغانستان الى الحربِ على العراق الى الحرب على داعش الى معركةِ الحفاظ على نظام الاسد في سورية الى تفاهمات الغاز والنفط مع لبنان… مُظهرةًَ واقعيَّةً سياسيَّة وحِكمةً تاريخيَّة، أخطأتِ التقديرَ في هذه المرحلةِ المصيريَّةِ من تاريخ الأمَّةَِ الفارسيَّة.
فأذرعُها القويَّةُ في الإقليمِ، والتي على مدى أربعَةِ عُقود، شكَّلت خطوطَ دفاعٍ متينَةٍ وبعيدةٍ عن مركزِها، تساقَطت الواحدةَ تِلوَ الأخرى، فيما الاستراتجيَّةُ الإيرانيَّةُ استمرَّت غافلةً عن تطوُّر هذه الاحداثِ، في مُكابرةٍ قاتلةٍ.
وفي الصراعِ العالميِّ على النفوذِ وعلى خطوط التجارة الدوليَّة، تقعُ إيران على تَماسٍ، بين الغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. ولقد راهنت إيران على هذا الحلف المناهض ” للإمبرياليَّة ” في استراتيجيَّتِها الكبرى. لكن، في لحظة الحقيقة، انكفأت روسيا وصمَتَت الصينُ، وتُركت إيران وحيدةً في فَمِ الأسَدِ الصَّاعِد.
في الوقت ذاته، كان الطَّرحُ الدبلوماسيُّ الأوروبيِِّ/ الغربيِّ، هذا الاسبوع، على إيران، شبيهًا بما قُدِّمَ لِصدَّام حسين، إبان غزوة الكويت: الاستسلامُ المُشرِّف.
وفي الميْدانِ، فعلى الرغمِ من ضرباتِ صواريخِها على إسرائيل، فإنَّها فشلت في تغيير مجرى الأحداث. في المقابل، تَسِيدُ الطائراتُ الإسرائيليَّةُ السماءَ، مُترجمةً هيمنتَها إلى ضرباتٍ أصابت إيران بالشَّللِ الاستراتيجي.
ما عجزت عنه إسرائيل تقنيًا، في تدمير المنشآت النوويَّةِ الإيرانيَّة، المُحصَّنةِ تحت الأرض، نفَّذتهُ الطائراتُ الأمريكيَّةُ في الساعات الأخيرة، حيث استهدفت منشآتِ التخصيبِ النووي في فوردو ونطنز وأصفهان، مُدمرةً أجزاءً حيويَّةً منها.
وكانت مساراتُ الاحداثِ هذه، واضحةً لكلِّ مراقب، فيما بقيت القيادةُ الإيرانيَّةُ، تُراهن على المجهول.
وفي النهاية،
في ضوءِ تطورات الأحداثِ الإقليميَّة، تُعدّ إيران، بما تُمثلُهُ من دولةٍ ونظامٍ وتاريخٍ، الخاسرَ الأكبرَ. لقد أصابَ دورُها الإقليميُّ الضعفَ والتراجعَ، وتشوَّهَ نموذجَها السياسيَّ والإيديولوجيَ. وهي تقف على مفترقٍ، حيث تتقلَّصُ خياراتُها: التراجع يُعدّ خسارةً استراتيجيَّةً، بينما الاستمرارُ في المواجهةِ قد يُعرِّضُ مستقبلَ الأمَّةِ لخطرِ الانهيار.
المرشدُ الخُميني، تجرَّعَ كأسَ السُمِّ، وقَبِلَ بِوقفِ إطلاق النارِ، في الحربِ مع العراق سنة 1988، بما يٌشبهُ تكريسًا لإنتصارِ صدَّام حسين،
فهل يُعيدُ التاريخُ نفسَه مع الخامنئي؟
التاريخ لا يرحمُ، والوقتُ ينفدُ، فيما اللعِبُ مع الشيطان، خطأٌ وخطيئة!
22-06-





