أزمة مستمرة
لبنان يعيش أزمة كهرباء خانقة تؤثر على حياة الناس اليومية. ساعات قليلة من التيار الرسمي تجعل الكثيرين يعتمدون على المولدات الخاصة والطاقة الشمسية الموزعة. الكهرباء هنا لم تعد رفاهية، بل حاجة أساسية تمس كرامة الإنسان واستقرار المجتمع.
الوضع الحالي
القدرة الإنتاجية للشبكة الرسمية لا تتجاوز 2300 ميغاواط، بينما يصل الطلب الفعلي إلى أعلى من ذلك بنسبة 30–40%. الفاقد الفني وغير الفني للتيار يقارب 35%، أي ما يعادل فقدان محطة توليد كاملة. النتيجة؟ تغذية غير متساوية وساعات كهرباء محدودة، مما يزيد العبء المالي على الأسر ويؤثر في عمل المؤسسات والخدمات الأساسية.
الركائز الأساسية للحل
1. إنتاج مستدام
الاعتماد على الفيول مكلف ويضر بالبيئة. الحل يكمن في الغاز الطبيعي والكهرباء المتجددة. الطاقة الشمسية والرياح يمكن أن تمثل نحو 40% من مزيج الطاقة بحلول 2030، مما يقلل الانبعاثات ويخفض التكاليف على المدى الطويل.
2. توزيع عادل وذكي
شبكة الكهرباء بحاجة لتحديث شامل: خطوط نقل وتوزيع جديدة، عدادات ذكية، ونظم مراقبة دقيقة لتقليل الفاقد. العدالة تبدأ من وصول الكهرباء لكل أسرة، بغض النظر عن موقعها الجغرافي أو قدرتها المالية.
3. جباية شفافة
تحويل نظام الكهرباء إلى آلية جباية عادلة وشفافة أمر أساسي. العدادات مسبقة الدفع، التعرفة التصاعدية، والرقابة الرقمية تساعد في مكافحة التهرب وضمان تمويل مستدام للقطاع.
4. تمويل واستثمار
إصلاح قطاع الكهرباء يحتاج إلى شراكات بين القطاعين العام والخاص، قروض دولية ميسرة، وصندوق وطني للطاقة يُدار بشفافية. الاستثمار هنا ليس فقط ماليًا، بل استثمار في حياة الناس ومستقبلهم.
5. الربط الإقليمي كحل تكميلي
الربط مع شبكات سوريا والأردن يمكن أن يكون دعمًا جزئيًا مؤقتًا لتغطية العجز أثناء الذروة، وتخفيف الضغط على الشبكة المحلية. لكنه لا يغني عن الإصلاحات الجذرية في الإنتاج والتوزيع والجباية، ويجب التعامل معه كحل تكميلي قصير إلى متوسط المدى.
خارطة طريق خمس سنوات للإصلاح التدريجي (2025–2029)
المرحلة الأولى: 2025–2026 – تخفيف الأزمة وتحضير البنية التحتية
تعزيز التغذية الكهربائية في المناطق الأكثر تضررًا لضمان وصول الكهرباء الأساسي لكل أسرة.
تشغيل وحدات الغاز المؤقتة لتغطية الطلب خلال الذروة.
إدخال العدادات الذكية في المناطق المختارة لقياس الاستهلاك ومراقبة الفاقد.
دراسة جدوى الربط الإقليمي مع شبكات سوريا والأردن كحل تكميلي قصير المدى.
المرحلة الثانية: 2026–2027 – تحديث الشبكة وتقليل الفاقد
تحديث خطوط النقل والتوزيع الرئيسية، وإعادة تأهيل المحطات القديمة.
تقليل الفاقد الفني وغير الفني إلى حوالي 25%.
إدخال 200 ميغاواط إضافية من الطاقة المتجددة (شمسية ورياح) في مشاريع موزعة.
المرحلة الثالثة: 2027–2028 – بناء القدرات الإنتاجية المستدامة
بناء محطة غازية جديدة بسعة 400 ميغاواط.
توسيع مشاريع الطاقة المتجددة لتغطية المزيد من المناطق الحضرية والريفية.
تعزيز نظم مراقبة الشبكة الذكية لضمان إدارة فعالة للطاقة وتحسين الجباية.
المرحلة الرابعة: 2028–2029 – استقرار القطاع وتحقيق التوازن المالي
تشغيل محطتين غازيتين إضافيتين لزيادة القدرة الإنتاجية الإجمالية.
رفع حصة الطاقة المتجددة إلى 30–40% من المزيج الكهربائي الوطني.
تحقيق التوازن المالي للقطاع عبر جباية شفافة وعادلة، وتقليل الاعتماد على الدعم الحكومي المباشر.
تقييم الربط الإقليمي بشكل استراتيجي كخيار احتياطي مستدام وليس رئيسيًا.
الملخص
أزمة الكهرباء في لبنان ليست مجرد نقص في الطاقة، بل انعكاس لتحديات هيكلية وإدارية طويلة الأمد. الحل ممكن إذا تم التركيز على الإنتاج المستدام، توزيع عادل، جباية شفافة، تمويل مستدام، واستفادة محدودة من الربط الإقليمي. عندها يصبح النور حقًا ثابتًا لكل اللبنانيين، لا رفاهية مؤقتة.
المراجع
1. World Bank. (2023). Lebanon – Utility-Scale Solar Power Project Information Document.
2. IRENA. (2023). Renewable Energy Statistics 2023. International Renewable Energy Agency.
3. Lebanese Center for Energy Conservation (LCEC). (2022). Annual Report on Renewable Energy in Lebanon.
4. Human Rights Watch. (2023). Cut Off from Life Itself: Lebanon’s Failure to Ensure the Right to Electricity.
5. LBC Group. (2024). Lebanon moves forward with $250M World Bank loan to reform power sector.