خاص الروابط — بقلم جو كريم
لبنان – الخميس 15 أيار 2025
حين تصير الإرادةُ حاسّةً سادسة… المكفوفون في وجه التحدّي  في عالمٍ يتغيّر بسرعة الضوء، قد يظن البعض أن من لا يرى سيتأخّر، أو سيُترك خلف الركب.
لكنّني اليوم، أكتب لا لأدافع، بل لأُثبت. أكتب لأنني واحد من أولئك الذين لم تُغلق أمامهم الأبواب، بل وجدوا طريقًا آخر، أكثر عمقًا، وأشدّ نورًا.
أنا جو كريم، مكفوف البصر، لكني لست غائبًا عن المشهد.
منذ سنوات، كان التعامل مع أبسط جهاز إلكتروني تحدّيًا يحتاج من يساعدني.
كنت أكتب بالقلب، وأنتظر من يدوّن. أُفكّر، وأحتاج من يقرأ لي.
أما اليوم، فبفضل التطوّر، تغيّر كل شيء.
الذكاء الاصطناعي لم يكن فقط اختراعًا مذهلًا، بل أصبح بالنسبة لنا، نحن المكفوفين، صوتًا ثانيًا، ورفيقًا ذكيًا، ونافذة على العالم.
بات الهاتف الذكي جهازًا يتكلم، يسمع، ويقرأ. أستخدم قارئات الشاشة، أُحرّر مقالاتي، وأكتب رسائلي، وأشارك في العمل، وأدير المشاريع… كل ذلك عبر لمسات بسيطة، وتكنولوجيا ناطقة، وواجهات صُمّمت بعناية.
لكن هذا لا يعني أنني أترك التفكير للآلة. لا.
أنا من يُفكّر، يُخطّط، يُبدع… والذكاء الاصطناعي مجرد وسيلة تُسهّل عليّ تنفيذ أفكاري.
أنا لا أخضع له، بل أُوجّهه. لا أستسلم له، بل أستخدمه بإرادتي.
وهذا ما يصنع الفارق: أن تبقى السيطرة للعقل البشري، والإرادة الحرة، لا للبرمجة وحدها.
وصار فينا، نعم صرنا نحن المكفوفين قادرين اليوم نختار الصورة .
نطلب من الذكاء الاصطناعي وصفًا دقيقًا للمشهد، أو نُعطي فكرة، وهو يرسمها لنا.
لم نعد نكتفي بالخيال فقط، بل صرنا جزءًا من صناعة الصورة نفسها.
وهذا بحد ذاته انتصار جديد، لأن الصورة ما عادت حكرًا على العيون… بل صارت مساحة نتشارك فيها كلّنا.
لم أعد أحتاج إلى وسيطٍ دائم. صرت أتعامل مباشرة مع العالم الرقمي.
أقرأ الإيميلات، أراجع الملفات، أُعدّ المواد الإذاعية، وأشارك في النقاشات.
كل هذا بفضل التطوّر الذي لم يعد حكرًا على المبصرين، بل انفتح ليرى من خلالنا نحن أيضًا.
ما كان حلمًا، صار واقعًا. وما كان صعبًا، صار ممكنًا.
الكمبيوتر لم يعد معقّدًا، بل صار سهلًا مع برامج النطق.
الهاتف لم يعد شاشة فقط، بل أصبح أذنين ولسانًا.
لكن رغم كل هذا، يبقى التحدّي الحقيقي في نظرة المجتمع، وفي مدى استعداده ليفهم أن الكفيف لا يحتاج عطفًا، بل أدوات. لا ينتظر فرصة، بل يخلقها.
نحن لا نبحث عن امتيازات، بل عن مساواة. لا نريد أن “نتأقلم”، بل أن نُدرَج.
هذه الكلمات ليست مجرد شهادة، بل رسالة.
أن التطوّر الذي لا يشملنا، ليس تطوّرًا.
وأن الذكاء الذي لا يُنصت لنا، ليس ذكاءً.
وأن المجتمع الذي لا يُعطينا مساحة، يخسر الكثير من نوره الحقيقي.
من جبيل، أكتب هذه السطور، لا من خلف الجدران، بل من قلب الحياة.
وما بين كيبورد ناطق، وبرمجيات ذكية، وإرادة لا تُقهر، أُواصل الكتابة، وأُعلن أن الكفيف… ليس خارج الصورة.
بل هو، في كثير من الأحيان، من يراها بصدقٍ أكثر.





