الصفائحُ المتصدِّعةُ| المهندس ساسين القصيفي


الأزماتُ المستدامةُ التي ظلَّت جَذَوَاتُها مُتَّقِدَةً، في داخلِ هذه المنطقةِ المُنهَكَةِ، كشفَت هشاشةَ بناءٍ، أخطأ سايكس وبيكو في هندسةِ خطوطه، قبلَ أكثرَ من قرنٍ. بينما بقيت هذه الشعوبُ عاجزةً، على مدى أكثر من مئة عامٍ، عن بلورةِ نظامٍ مدنيٍّ عصريٍّ حديثٍ، يحفظُ البلادَ ويصونُ الخصوصيَّاتِ.
وما برحَ الدمُ هَدَّارًا، وكأنَّ هذا الشرقَ الأوسطَ الرهيبَ، أدمنَ الاستحمامَ بدمٍ الأبرياء.
إنَّها مأساةٌ إنسانيةٌ!
وما انفكَّت هذه المجتمعاتُ تعيشُ حالةَ الإنكارِ والاستنكارِ. تخشى مواجهةَ عِلَلِها، فتُعلِّق جُلَّ صُروفِ الدَّهرِ، على مِشجَبِ الاستعمارِ والإمبرياليَّةِ والصهيونيَّةِ والرجعيَّةِ… فَتَستكينُ النفوسُ: نحن نسيرُ على المبدأِ الصحيحِ، لكنَّ الآخرين يتآمرون علينا!
وهذا هو كعبُ أخيلِ المُصيبة.ِ تشخيصٌ مُشوَّهٌ أفضى إلى علاجاتٍ شاردةٍ، لفَحَت حُفنةً من الخرائطِ وأزهَقَت كثيرًا من الأرواحِ.
في الحقيقةِ، بدأتْ إرهاصاتُ التفكُّكِ ضمن هذه الأقوامُ، قبل أن تُرسَّمَ الحدودُ، حين استبدلتِ العِلمَ بالوهمِ، ولحظةَ صَدَحَ الفكرُ المُؤامَراتيُّ من على المنابرِ، وَوَقتَ فاضتِ الأيْدُيولوجيا الدُخانيَّةُ الثوريَّةُ، فأصبحنا على مُواطنينَ تحتشدُ الأحلامُ الورديةُ في نفوسهم، قبل أن تصدمَهم الخيباتُ المتكررةُ على كلِّ الأصعدة.
وبسبب هذا الإرهاقِ السياسيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديِّ، تفجَّرتِ الهُوِّياتُ بأنواعها، فتَخَلخَلتِ الصفائحُ على خطوطِ الصَدْعِ بين مختلف المُكوِّناتِ، فكان انهيارٌ لهذه الكياناتِ الوليدةِ، تجلَّى في نزاعاتٍ مفتوحةٍ وحلولٍ مسدودةٍ وآفاقٍ مقفلةٍ.
وما فتئتْ هذه المنطقةُ تقاومُ مِزاجَ الزمنِ، حيث ظلَّ الشقُّ الأساسيُّ يكمنُ، في التماسِ، بين مشروعِ الدولةِ الدينيَّةِ البائسة، وبين الدولةِ المُعاصرةِ وأنموذَجِها المُتطوِّر.
وفي هذه البيئاتِ، وَلَئنْ خفَّتْ نسبةُ الأميَّةِ، فإنَّ الجهلَ ما زال مُسيطرًا، حيث تنبثقُ منه سردياتٌ غيْبيَّةٌ، تَغرُفُ من الدينِ جزئيَّاتٍ ومن التاريخِ فصولًا، فتتدلَّى عناقيدُ الضَّلالِ بِنَكهةِ المآسي.
ويواصلُ هذا الإقليمُ التضرُّجَ بِظُلمتِهِ الذهنيَّةِ، مع جَدبٍ ثقافيٍّ وفكريٍّ، فيما تَطربُ شُعوبُه للكلماتِ ذواتِ المخالبِ، وتُكابرُ رافضةً الحلولَ العمليَّةَ. وما لم تُدركْ هذه المنطقةُ، أنَّ العلاجَ يكمنُ في مواجهةِ الواقِعِ، واستلهامِ العقلِ والمعرفةِ، ستظلُّ أسيرَةَ دوَّامةٍ من الرقصِ على إيقاعِ الويْلاتِ، وبالحلم بغدٍ لن يُشرقَ إلا بنورِ الوعيِ والإصلاحِ.
27-07-2025