الذهب الرقمي: الحل الذكي لأزمة لبنان

استثمار استراتيجي يحافظ على المخزون السيادي ويقدم مخرجا مستدامًا من الأزمة المصرفية

إعداد المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر

الملخص:

إستعاد الذهب مكانته الاستراتيجية التي كانت ابان حقبة بريتن وودز نتيجة عدظ من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية الدولية وبغض النظر عن تلك الاسباب فان الذهب  قد بات راهناً يمثل أصلًا استراتيجيًا أساسيًا للدول كافة، وبالنسبة للبنان، فإنه يشكل أحد أهم الأصول الاحتياطية الاستراتيجية، بمخزون وازن يصل إلى حوالي 286 طنًا.

السؤال الرئيس هنا يتعلق بكيفية الاستفادة من هذا المخزون دون تعريضه للخطر أو الدخول في عقود مباشرة أو مركبة قد تؤدي في النهاية إلى خسارة هذا الاحتياطي؛

تهدف هذه الدراسة إلى تقديم نموذج رموز التمثيل الرقمي للذهب (Gold Tokenization) في مصرف لبنان، وهذا الطرح يشكل إبتكار نوع من الأصول الرقمية المدعومة بالذهب (Gold-backed Digital Assets / Digital Gold Tokens)، يسمح بتحسين السيولة المالية والاستقرار الاقتصادي مع الحفاظ الكامل على ملكية الذهب الفعلية، كما يُمَكن  من استخدام المتحصل من هذه الرموز كأداة لتسديد التزامات مصرف لبنان تجاه القطاع المصرفي ومنهم للمودعين.

1. المقدمة

تكمن أهمية هذا البحث في إبراز آلية تسمح لمصرف لبنان من استغلال الذهب كمورد نقدي واستثماري دون المخاطرة بالمخزون الفعلي أو اللجوء إلى التعاقد المباشر على الذهب.

تقدم الدراسة تصورًا علميًا يهدف إلى:

إعادة توظيف الذهب لدعم السيولة الوطنية.

تحسين الثقة بالقطاع المصرفي.

ضمان استقرار الاقتصاد خلال الأزمات المالية مع بقاء المخزون الفعلي محفوظًا، من خلال وضع شروط وآليات تداول دقيقة للرموز الرقمية.

2. خلفية نظرية

يعتبر سوق الذهب في لندن النموذج العالمي الأساسي، حيث تبلغ قيمة تداولاته نحو 930 مليار دولار.

قام مجلس الذهب العالمي بإطلاق رموز رقمية مدعومة بسبائك ذهبية فعلية، تتيح للمستثمرين امتلاك أجزاء من الذهب بطريقة قانونية وشفافة ضمن شروط محددة.

ويتقاطع هذا الاتجاه مع ما شهدته ولاية فلوريدا الأميركية التي أقرت قانونا يعترف بالذهب والفضة كعملة قانونية، مع إعفاءات ضريبية للمستثمرين وسيدخل هذا القانون الجديد حيز التنفيذ في الأول من تموز من العام 2026. ورغم أن التطبيق العملي محدود، الا انه يعكس اتجاها عالميا واضحا نحو إعادة الاعتبار للمعادن الثمينة كأدوات نقدية واستثمارية، وهو ما يشكل مصدر إلهام للبنان للاستفادة من الذهب الرقمي كأصل استراتيجي ورافعة نقدية حديثة دون خسارة المخزون.

لذا وسندا الى هذه التجارب الحديثة والتي من المتوقع انها ستكون ناجحة، فانه يمكن الاستفادة من مخزون الذهب في مصرف لبنان عبر ابتكار نظام رقمي يختلف عن المنظور البريطاني بأنه يحافظ على الملكية الكاملة للذهب ويبقيه أداة استراتيجية بيد الدولة اللبنانية؛

من المفيد الاشارة الى ان هذه الرموز الرقمية ستكون مدعومة بالذهب، ما يعني أن كل وحدة ستحمل قيمة محددة مرتبطة بسعر الذهب العالمي، دون منح حق الاستلام الفعلي للمعدن.

3. نموذج رموز الذهب الرقمية في لبنان (Gold Tokenization System)

مفردات أساسية ووظائفها:

Token:

وحدة رقمية تمثل جزءًا من الذهب، يفضل أن يكون حجم الوحدة صغيرًا (مثلاً نصف غرام)، تمثل القيمة السوقية للذهب العالمي دون منح مالكها حقًا قانونيًا في استلام الذهب المادي.

Issuer (جهة الإصدار):

جهة الإصدار، يجب أن تكون مصرف لبنان سندا لأحكام قانون النقد والتسليف، لا سيما وأن الدولة اللبنانية قد منحته امتياز إصدار النقد.

– الإطار القانوني والتشريعي.

 سيمثل الإطار القانوني الركيزة الاولية والاساسية لإتمام نجاح وتحقيق فعالية هذا النظام النقدي الرقمي ؛

ومن مراجعة نصوص كتلة المشروعية في الجمهورية اللبنانية يتبين ان المادة 61 من القانون رقم 81/2018 قد نصت على الاتي:

“تحدد الأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان ماهية النقود الإلكترونية والرقمية وكيفية إصدارها واستعمالها والتقنيات والأنظمة التي ترعاها”،

وبالرغم من ذلك يبقى قانون النقد والتسليف، ولا سيما في مواده الأولى (5 إلى 7)، محصورًا بالنقد الورقي والمعدني كوسيلة دفع قانونية.

ولذا، فإن اعتماد النقد الرقمي المدعوم بالذهب يحتاج براينا إلى:

–  تفويض تشريعي صريح من مجلس النواب، أو تعديل جزئي في قانون النقد والتسليف، يجيز لمصرف لبنان إصدار  هذه رموز مع التشديد على عدم التصرف والمس بالذهب ، هذه الحماية التشريعية تضمن أن الذهب يبقى أصلًا سياديًا مملوكًا للدولة اللبنانية وغير قابل للتصرف بحيث يبقى دوره مقتصرًا على دعم الرموز الرقمية.

– ومن ثم؛ اصدار نصوص تنظيمية يضعها مصرف لبنان بموجب تعميم تحدد آليات الإصدار، شروط التداول، معايير الشفافية، والتدقيق.

هذا الإطار التشريعي لا يمثل عائقًا، وهو يسير ويؤدي الى إرساء سند قانوني حديث يعكس التوجهات العالمية ويضع لبنان في مصاف الدول الرائدة بالابتكار النقدي ويخلق  كتلة مشروعية واضحة وآمنة.

Primary Sale (البيع الأولي):

بيع الرموز للمستثمرين أو البنوك المحلية والدولية مقابل مبالغ نقدية، مما يعزز السيولة المالية.

Secondary Market (السوق الثانوي):

تداول الرموز بين المستثمرين، دون التأثير على ملكية الذهب الفعلية في خزائن مصرف لبنان أو تلك المودعة في الخارج.

Denomination (الوحدة):

يمكن تقسيم الرمز إلى أجزاء صغيرة (مثلاً 0.1 غرام لكل Token)، ما يسهل التداول ويزيد السيولة.

Price Peg (ربط السعر):

سعر كل رمز يعكس القيمة السوقية للذهب العالمي في الوقت الفعلي.

No Redemption (عدم الاسترداد):

الرموز تمنح المستثمر قيمة رقمية مرتبطة بالذهب، دون الحق في استلام الذهب فعليًا، ما يحمي المخزون من النفاذ أو الاستخدام غير المخطط له.

4. آلية العمل

1. إصدار الرموز الرقمية من مصرف لبنان لكل جزء محدد من الذهب.

2. البيع الأولي للرموز للمستثمرين والبنوك، مما يضخ سيولة نقدية جديدة.

3. التداول الثانوي بين المستثمرين مع الحفاظ على ملكية الذهب الفعلية للمصرف.

4. استخدام المتحصل من البيع لتسديد التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف والمودعين، بما يعزز استقرار القطاع المصرفي، ويرفد الثقة الائتمانية بعوامل إيجابية تعزز إعادة هيكلة القطاع المالي وقدرته على استقطاب الرساميل والدعم الدولي.

5. إيجابيات هذا النظام المقترح.

تعزيز السيولة المالية، لناحية دخول أموال جديدة دون بيع الذهب.

دعم الثقة بالقطاع المصرفي، لا سيّما الرموز توفر أداة استثمارية مستقرة.

تنشيط النشاط الاقتصادي، بسبب إمكانية استخدام الرموز كأداة تمويل وتبادل.

حماية الأصول الاستراتيجية، اي ان الذهب يبقى محفوظًا، ما يضمن أداة تحوط مستمرة.

تأمين حقوق المودعين، اذا يمكن استخدام المتحصل من الرموز لتسديد الالتزامات المصرفية، ما يعزز الاستقرار المالي.

فرص أرباح إضافية،  وفقا لاسعار الذهب العالمية وذلك لحين اعداد هذه الدراسة، أن  قيمة المتحصل المحتمل من اتباع هذا النظام قد تصل إلى حوالي 33.1 مليار دولار (بتقدير 9.2 مليون أونصة × 3,600$ للأونصة)، بالإضافة إلى عمولة إصدار دُنيا بنسبة 1%، (بهدف تشجيع التعاملات)  أي حوالي 331 مليون دولار.

إدارة المخاطر الاقتصادية، من خلال حماية الأصول من التضخم وتقلبات الليرة، واستقرار القيمة بفضل دعم الذهب.

6. الخلاصة

تمثل رموز الذهب الرقمية أصولًا رقمية مدعومة بالذهب (Gold-backed Digital Assets)، وتوفر للبنان ومصرف لبنان فرصة استراتيجية لإستثمار الأصول دون المخاطرة بالتخلي عن المخزون الفعلي أو الدخول في عقود مباشرة على الذهب.

الفوائد تشمل:

تعزيز السيولة المالية، والثقة الائتمانية بالنظام اللبناني.

دعم النشاط الاقتصادي واستقطاب المستثمرين.

الحفاظ على ملكية الذهب بالكامل.

تسديد الالتزامات تجاه المودعين والمصارف.

تطوير أدوات مالية مبتكرة ومستدامة تعزز الاستقرار الاقتصادي ووضع لبنان بمصاف الدول المبتكرة لادوات مالية هامة.

باختصار، هذا النظام يتيح للبنان استخدام الذهب كأداة مالية واستثمارية استراتيجية مع الحفاظ الكامل على المخزون الفعلي، بما يخدم الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد.