الحربُ الكبرى في الإقليمِ،المهندس ساسين القصيفي

تعيشُ منطقةُ الشرقِ الأوسطِ اليومَ لحظاتٍ مفصَلِيَّةً في تاريخِها ومستقبلِها، بعد أن شَنَّتْ إسرائيلُ عمليَّةً عسكريَّةً على إيرانَ، أطلقت عليها اسمَ “الأسدُ الصَّاعدُ”، مع ما يحمله هذا الشعارُ من رمزيَّةٍ تَوْراتيَّةٍ.
إنَّها أوَّلُ حربٍ – وربَّما آخرُها – ذاتُ ملامحَ وجوديَّةٍ بين دولةِ الفُرسِ ودولةِ اليهودِ. هذه الحربُ، التي حاولَ الطرفانِ تفاديَها لعقودٍ خلتْ، وبِغَضِّ النظرِ عن نتائجِها، ستُعيدُ ترتيبَ موازينِ القوى السياسيَّةِ والعسكريَّةِ والأمنيَّةِ والاقتصاديَّةِ في الإقليمِ لعقودٍ طويلةٍ، مع ما يَستتبِعُها من تأثيراتٍ على المستوى الدوليِّ، من روسيا إلى الصين، مرورًا بدولِ المنطقةِ.
في التطوُّراتِ،
نجحتْ إسرائيلُ في ضربَتِها الاستباقيَّةِ، مُلحِقةً خسائرَ جسيمةً في البنيةِ العسكريَّةِ والنوويَّةِ الإيرانيَّةِ، مع إبرازِ تفوُّقٍ تكنولوجيٍّ كبيرٍ واختراقاتٍ استخباراتيَّةٍ عميقةٍ في الداخلِ الإيرانيِّ.
من جهتِها، إيرانُ، التي استثمرتْ عقودًا طويلةً في تصديرِ ثورتِها إلى دولِ الجوارِ، وإنشاءِ جيوشٍ رديفةٍ تُبارزُ من خلالِها إسرائيلَ بالوكالةِ، فشلتْ في تقديرِ التوقيتِ الإسرائيليِّ واتخاذِ الإجراءاتِ الكافيةِ لحمايةِ قياداتِها ومنشآتِها. فقد اعتمدتْ مخطَّطاتها على المدرسةِ التقليديَّةِ للحروبِ، فأخطأتْ القراءةَ السياسيَّةَ، وغفلتْ عن التطوُّرِ التقنيِّ، وبالغتْ في التوُّهمِ الاستراتيجيِّ بقدراتِها، وتهاونتْ في حسابِ النتائجِ الكارثيَّةِ لِحروبِ الإقليمِ السابقةِ والحاليَّةِ. كما تجاهلتْ مستجدَّاتِ العمليَّاتِ النوعيَّةِ للجيشِ الأوكرانيِّ في العُمقِ الروسيِّ، واستخفَّتْ بوصولِ الرئيسِ الذي أمرَ بإعدامِ الجنرالِ قاسمِ سليماني إلى البيتِ الأبيضِ. وقد لاحظَ المراقبونَ أنَّ الردَّ الإيرانيَّ على إسرائيلَ، حتى اليومَ، جاءَ دونَ المستوى الردعيِّ المتوقَّعِ.
في التحليلِ،
تتجلَّى جُرأةٌ إسرائيليَّةٌ متعاليةٌ في شنِّ حربٍ ما زالت مستمرَّةً على دولةٍ بعيدةٍ عن مركزِها، شاسعةِ المساحةِ، ذاتِ جذورٍ عميقةٍ في التاريخِ، مؤسَّسةٍ على عقيدةٍ دينيَّةٍ، ومُسلَّحةٍ بجيوشٍ مرصوصةٍ. وقد باتتْ مساراتُ الإمدادِ والطيرانِ مكشوفةً. إنَّها، بلا شكٍّ، أصعبُ الحروبِ الإسرائيليَّةِ تنظيمًا وأعقدُها تحقيقًا.
أمَّا إيرانُ، فقد أظهرتْ خِفَّةً دبلوماسيَّةً أصابتْها في مقتلٍ. هي التي شجَّعتْ أمريكا وشاركتْها في حربِها على عراقِ صدَّامَ حُسيْن، لم تَتَنبَّهْ إلى أنَّ السيناريو ذاتَه أُعِدَّ لها بإحكامٍ. فبينما كانت تُفاوضُ الأمريكيينَ مباشرةً في مسقط وروما، مُعتقدةً أنَّ دورَها حاجةٌ دوليَّةٌ، خاصةً بما لها من تأثيرٍ إقليميٍّ وموقعٍ جغرافيٍّ، كانت تقاريرُ الوكالةِ الدوليَّةِ للطاقةِ الذريَّةِ تُجرِّدُها من أيِّ حُجَّةٍ تفاوضيَّةٍ. لقد أعادَ التاريخُ نفسَه مع إيرانَ، بكلِّ مآسيه، هذه المرَّةَ.
وفي النهايةِ،
ليس واضحًا إلى أيِّ مدى ستتطوَّرُ هذه الحربُ زمنيًّا وعملياتيًّا، لكنَّ الأكيدَ، أنَّ مِحورَ إيران قد ضعفَ وفقد روْنقَهُ، وأنَّ المنطقةَ ستدخلُ عصرًا جديدًا، حيث سيكون لنموذجِ دولِ الاعتدالِ العربيِّ حضورٌ أبرزُ.
ويبقى السؤالُ: ما هي تأثيراتُ هذه الحربِ على الوضعِ في لبنان؟
الجوابُ، إيجابًا أو سلبًا، ليس يقينيًّا!
15-06-2025