المهندس ساسين القصيفي
قال السيِّدُ المسيحُ منذ أكثر من ألفَيْ سنة: ” أنت بطرُس، وعلى هذه الصخرةِ أبني كنيستي، وأبوابُ الجحيمِ لن تقوى عليها.” (مت 16: 18).
وما زالت امبرطوريَّاتٌ تَنْشَأُ، وأخرى تَندَثِرُ، فيما مَمْلَكةُ المَحَبَّةِ والسَّلامِ، والتي أسَّسَها السيِّدُ المسيحُ، له كلُّ المَجدِ، لا تزالُ صامدةً على صخرةِ إيمانِ بطرس.
هَبَّت عليها الكثيرُ من الرياحِ الشيطانيَّة، فَخَسِئَت في أنْ تَقتَلِعَها،
وحاربتَها امبرطوريَّاتُ الشَّرِّ جَمْعَاءَ، فَاندحرَت وانكَفأت،
وحاولَ فلاسفةُ الإلحادِ والعَبَثِيَّةِ النيْلَ من عقيدتِها، فأدْحَضَدت عُقْمَ تفكيرهِم الخائب.
وها نحن اليومَ، نُشاهدُ ثالوثًا،
غمامةٌ بيضاءُ تتصاعَدُ من مَدخنَةِ كنيسَةِ سِيسْتِين بالفاتيكان،
وحمامةُ سلامِِ تُحلَّقُ فوق سطحِ الكنيسة، وكأنَّها تحملُ الخَبَرَ السَّارَّ،
وبابا جديدًا، يُطِلُّ أمامَ الجُموع، مُعلنًا حلولَ الروحِ القُدُس!
وكانَ حوالَيْ 133 من الكَرادلَةِ، قد اجتمعوا في “الكونْكلاف”،
فأقفلوا الأبوابَ، وانقطعوا عن كلِّ خارجٍ،
وَصَلُوُّا بإيمانٍ، فَصَدُّوا وَسْوَسَاتِ الأشرارِ،
فَحَلَّتِ النِّعمةُ في البيعَةِ كلِّها، فكانَ لنا خليفةٌ لبطرس، البابا لاوون الرَّابِع عَشَر!
وهذا الانتخابُ، مَثَّلَ لحظةً تاريخيَّةً، ليس فقط للمسيحيِّين، بل لكلِّ المَسكونَةِ، لما للفاتيكان، من نفوذٍ معنويٍّ وسُلطةٍ روحيَّةٍ، حاكَت تَطلُّعاتِ الحضارةِ الإنسانيِّة عبرَ التَّاريخِ، خاصةً فيما له علاقة بالتعايش بِسَلامٍ بين الشُّعوبِ والحِفاظِ على الكرامَةِ الإنسانيَّةِ لكلِّ فردٍ.
وهذا البابا، المَوْلودُ باسمِ روبرت فرنسيس بريفوست، في شيكاغو عام 1955، يُتقنُ سِتَّ لُغاتٍ وحاصل على بكالوريوس في الرياضيَّات وعلى درجة الدكتوراه في القانون الكنسي، وعُرِفَ بِقُربِهِ من رُؤَى البابا فرانسيس، وعَمِلَ مساعدًا له، وهو يَجمَعُ بين التوجُّهاتِ الليبراليَّة والمُحافِظَة. واختيارُهُ لاسمِ “لاوون” فيه رمزيَّةٌ تاريخيَّةٌ، إذْ يستحضرُ ذكرى البابا لاوُوُن الثالِثِ عَشَر، الذي انتُخِبَ بابا سنة 1878، هو الذي عُرف عنه، تطويره للمفاهيم الإيمانيَّة مع الحفاظِ على جوهَرِ العقيدة.
وفي أول إطلالة لهذا البابا، من شُرفَةِ بازيليك القدِّيس بطرس، كانت كلمتُهُ ” نداءَ سَلامٍ لجميعِ الشعوب”.
وفي النهاية،
يبقى الفاتيكان، وما يمثِّلُ من زَخمٍ روحيٍّ، رمزًا للأملِ والتَّجَدُّد،
وسَيَسيرُ البابا المنتخبُ، لاوون الرَّابِع عَشَر، على دربِ أسلافِهِ القدِّيسين، مُساقًا بالروحِ القُدُسِ، لِيَشهدَ أمامَ العالمِ أجمَعْ، للحقِّ والحقيقةِ!





