الإصلاح التشريعي الأمريكي لتنظيم العملات المشفرة: مشروع قانون GENIUS وتأثيره المحتمل عالميً

الملف الإستراتيجي

 ١- خلفية التشريع
شهدت الولايات المتحدة خلال العقد الماضي مساعي متباينة لوضع أطر تنظيمية للعملات المشفرة، لكنها غالبًا ما تعثرت بسبب الخلافات السياسية والمخاوف التنظيمية. ففي عام 2019 على سبيل المثال، أدى إعلان شركة فيسبوك عن مشروع العملة المستقرة ليبرا إلى دق ناقوس الخطر لدى المشرعين والبنوك المركزية عالميًا، مما دفع العديد منها (مثل الصين والاتحاد الأوروبي) إلى تسريع أبحاثها في العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC) كاستجابة دفاعية، ورغم تنامي سوق العملات المشفرة – حيث تجاوزت قيمة سوق العملات الرقمية 25 ألف عملة في 2023 مع أكثر من 40 عملة تفوق قيمتها المليار دولار، بقي الإطار القانوني الأمريكي متأخرًا عن الركب. اعتمدت السلطات على قوانين مالية عامة غير مصممة لهذا الغرض أو على إجراءات تنفيذية متفرقة من هيئات مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) وهيئة تداول السلع الآجلة (CFTC)، فيما وُصف بـ”التنظيم عبر الإنفاذ” بدلًا من وجود قانون واضح. هذا الفراغ التشريعي خلق حالة عدم يقين للشركات والمستثمرين، وأثار انتقادات من داخل الحكومة؛ حتى أن هيستر بيرس مفوضة الـSEC دعت منذ 2022 الكونغرس لوضع قواعد واضحة بدلًا من اعتماد اختبار هاوي القديم (الصادر في 1946) لتحديد ما إذا كان التوكن الرقمي يُعتبر ورقة مالية
رغم الإجماع المتزايد على ضرورة التشريع، واجهت المحاولات المبكرة عقبات متعددة. في عام 2020 قُدِّم مشروع قانون STABLE Act الذي اشترط أن يكون مصدرو العملات المستقرة بنوكًا مؤمّنة فيدراليًا، لكنه لم يكتسب الزخم الكافي. وبعد انهيار العملة المستقرة الخوارزمية TerraUSD في 2022 وخسارة مستثمريها مليارات الدولارات، تصاعد الضغط على الكونغرس للتحرك تفاديًا لتكرار مثل تلك الحوادث. أصدر الفريق الرئاسي المعني بالأسواق المالية (PWG) في أواخر 2021 تقريرًا أوصى فيه بشكل عاجل بسنّ تشريع يشترط أن يكون مصدرو العملات المستقرة مؤسسات إيداع مؤمّنة (بنوكًا خاضعة لرقابة فيدرالية)، بهدف حماية المستهلكين ومنع انهيارات على غرار ما يحدث في البنوك التقليدية. غير أن الانقسام الحزبي حال دون المضي قدمًا بتلك التوصيات فورًا، إذ اختلف المشرعون الجمهوريون والديمقراطيون حول مدى صرامة الرقابة ومن يشرف عليها – هل يكون الاحتياطي الفيدرالي هو المنظم الأساسي أم يُفسح المجال للهيئات الولائية؟ كما برز تخوّف من منح عمالقة التكنولوجيا القدرة على “سكّ عملتهم الخاصة” إذا سُمح لشركات كبرى مثل ميتا (فيسبوك) بإصدار عملات مستقرة دون قيود. شهد عامي 2022 و2023 عدة مسودات قوانين مقترحة دون إقرار نهائي. من أبرزها مشروع Lummis- Gillibrand في مجلس الشيوخ لتنظيم الأصول الرقمية بصورة شاملة، ومشروع رئيس لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب باتريك ماكهنري لتنظيم العملات المستقرة. عمل ماكهنري بالتنسيق مع زميلته الديمقراطية ماكسين ووترز على صياغة قانون يجمع الحزبين، لكن الخلاف حول الدور الفيدرالي مقابل دور الولايات أجل التوصل لصيغة نهائية. ورغم موافقة لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب على مشروع “Clarity for Payment Stablecoins Act” في صيف 2023، جاء التصويت شبه حزبي (34 مؤيدًا مقابل 16 معارضًا) مع اعتراض شديد من ووترز التي أشارت إلى أن وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي ذاتهما لا يؤيدان المشروع بصيغته تلك
في المقابل، أبدى الجمهوريون حماسة أكبر للتشريع مع بداية الكونغرس الـ119 (عام 2025)، خاصة بعد أن حقق القطاع الرقمي نفوذًا سياسيًا متزايدًا. فقد أنفق قطاع التشفير أكثر من 119 مليون دولار لدعم مرشحين مؤيدين للعملات الرقمية في انتخابات 2024، مما أثمر عن كونغرس أكثر استعدادًا للتحرك. كذلك، تعهّد الرئيس دونالد ترامب (العائد للبيت الأبيض مطلع 2025) بجعل أمريكا “عاصمة عالمية للعملات المشفرة”، وسرعان ما ضغط البيت الأبيض الجديد لدفع مشاريع القوانين ذات الصلة. وبالفعل، تحوّل المشهد جذريًا في صيف 2025: إذ حازت مشاريع قوانين التشفير لأول مرة على دعم واسع من الحزبين في مجلسي الشيوخ والنواب، بما في ذلك قانون GENIUS لتنظيم العملات المستقرة الذي أُقرّ باعتباره أول قانون فيدرالي شامل للعملات المشفرة في تاريخ الولايات المتحدة.

2 تفاصيل مشروع قانون GENIUS
يُعد مشروع القانون Guiding and Establishing National Innovation for U.S. Stablecoins Act (GENIUS) نقلة نوعية في طريقة تنظيم العملات المستقرة بالولايات المتحدة. يركز القانون على فئة “عملات مستقرة مدفوعية” (أي العملات الرقمية المرتبطة بقيمة عملة وطنية كالدولار بهدف استخدامها كوسيط مدفوعات ثابت القيمة). فيما يلي أبرز بنود القانون وما تتضمنه من آليات تنظيمية:
إطار ترخيص صارم لمصدري العملات المستقرة: ينشئ قانون GENIUS فئة خاصة تسمى “المُصدر المسموح للعملات المستقرة المدفوعية”. يحظر القانون صراحةً إصدار أي عملة مستقرة مرتبطة بالدولار في الولايات المتحدة دون الحصول على هذا الترخيص. بمعنى آخر، لن يكون قانونيًا لأي جهة طرح عملات مستقرة للجمهور الأمريكي ما لم تكن جهة مرخّصة وتحت الإشراف بموجب هذا القانون. يشمل المُصدرون المسموح لهم ثلاثة أنواع: (1) بنوك أو فروع مصرفية مؤمّنة اتحاديًا (أو شركات تابعة لبنوك مؤمّنة)؛ (2) شركات غير مصرفية تحصل على موافقة اتحادية خاصة (بإنشاء ميثاق جديد عبر مكتب مراقب العملة OCC ليكونوا بنوكًا رقمية غير مؤمّنة)؛ (3) شركات حاصلة على تراخيص من ولايات أمريكية تنظّم العملات المستقرة، شريطة أن يعتمد لجنة مراجعة شهادات العملات المستقرة الفيدرالية إطار تلك الولاية. وبذلك يجمع القانون بين النظامين الفيدرالي والولائي تحت مظلة واحدة تمنع ما كان يحدث سابقًا من تحكيم تنظيمي، حيث كانت بعض الشركات تستغل تباين القوانين بين الولايات والجهات الفيدرالية. وجدير بالذكر أن القانون يستثني فئات محددة من الاكتفاء بترخيص ولائي: فالشركات الكبرى التي يتجاوز إصدارها من العملات المستقرة 10 مليارات دولار ستكون ملزمة بالخضوع للإشراف الفيدرالي المباشر مهما كان أصل ترخيصها، وذلك لضمان رقابة أشد على الجهات ذات الحجم المؤثر.
متطلبات احتياطيات وإفصاح صارمة: لمعالجة مخاطر الاستقرار المالي وما يُعرف بـ”مخاطر العدوى” (run risk)، يفرض قانون GENIUS على جميع مُصدري العملات المستقرة المدفوعية الاحتفاظ باحتياطيات مالية ذات جودة عالية وسيولة مرتفعة تكفي بنسبة 100% لتغطية قيمة العملات المصدرة،. يجب أن تكون هذه الاحتياطيات في أصول آمنة مثل النقد أو أذونات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل. كما يُلزم القانون المُصدرين بالكشف العلني الشهري عن مكونات احتياطياتهم، مما يضمن شفافية عالية ويتيح لحاملي العملات التأكد من وجود أصول حقيقية تدعم قيمة ما يحملونه. إضافة إلى ذلك، يتعين على الجهة المصدرة نشر سياسات الاسترداد (أي كيفية تحويل العملة المستقرة إلى دولار نقدي) بوضوح، لضمان قدرة الحائزين على الاسترداد عند الطلب ومن التدابير المهمة أيضًا أن القانون يضفي أولوية قانونية لهولاء الحائزين على العملات المستقرة في حال إفلاس المُصدر، بحيث تكون لهم الأسبقية في المطالبة بتلك الأصول الاحتياطية.
هذه البنود مجتمعة تهدف إلى جعل العملات المستقرة آمنة وموثوقة قدر الإمكان، وتفادي سيناريو فقدان الثقة الذي قد يؤدي إلى تهافت واسع على الاسترداد يزعزع الاستقرار المالي
دعم الاستقرار المالي ومنع العدوى: حرص المشرعون على تلافي وضع قد يؤدي فيه انهيار عملة مستقرة إلى اضطراب أوسع في الأسواق. فلو لم تكن الاحتياطيات محصورة بالأصول عالية الجودة، يمكن أن يؤدي فقدان الثقة بعملة مستقرة معينة إلى موجة استردادات واسعة تشبه هجمة مصرفية تهدد بائعي الأصول في السوق. وحتى مع وجود الاحتياطيات في سندات الخزانة الآمنة، حذّر بعض الخبراء من أنه في حالة اضطر مُصدر كبير إلى تسييل حيازات ضخمة من أذونات الخزانة بسرعة لتلبية طلبات الاسترداد، قد يتسبب ذلك بضغط نزولي على سوق السندات الحكومية، لذلك يوازن القانون بين السلامة والسيولة عبر اشتراط أصول آمنة وإفصاح دوري، وكذلك عبر إلزام الاحتياطيات بأن تُحفظ لدى أمناء حفظ معتمدين لفصلها عن موجودات المُصدر التشغيلية. كما يمنح المنظمين الفدراليين صلاحية وضع متطلبات إضافية للسيولة ورأس المال وإدارة المخاطر للمُصدرين، للتخفيف أكثر من مخاطر أي انهيار. ومن الجدير بالذكر أن القانون يؤكد صراحةً على أنه لا يوجد أي دعم أو ضمانة حكومية (شبكة أمان فدرالية) لحاملي العملات المستقرة على غرار تأمين الودائع المصرفية أو قدرة الاقتراض من الاحتياطي الفيدرالي فالمُصدرون يتحملون مسؤولية ضمان أمان منتجاتهم دون توقّع لخطة إنقاذ.
تكافؤ المتطلبات على المُصدرين الأجانب: أدرك المشرعون أن وضع معايير صارمة محليًا قد يكون بلا جدوى إذا تمكنت شركات أجنبية من إصدار عملات مستقرة للمستخدمين داخل أمريكا دون التقيد بنفس الضوابط. لذا، يفرض قانون GENIUS معاملة متساوية على أي مُصدر أجنبي يستهدف السوق الأمريكية. إذ لن يُسمح لشركة أجنبية بإصدار عملة مستقرة في الولايات المتحدة ما لم تكن خاضعة لنظام تنظيمي مكافئ في الصرامة في بلدها. ويتوجب على هذه الجهات الأجنبية التسجيل لدى مكتب مراقب العملة (OCC) في أمريكا والالتزام بمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والعقوبات قبل طرح عملاتها للمستخدمين الأمريكيين بهذه الخطوة يسد القانون ثغرة كانت ستضع المُصدرين الأمريكيين في وضع تنافسي أضعف مقارنة بنظرائهم الخارجيين الذين قد يتمتعون بقواعد أكثر تراخيًا . الآن، سواء كنت شركة مقرها نيويورك أو سنغافورة، عليك الالتزام بالمعايير نفسها إذا أردت دخول السوق الأمريكية. كما يمنح القانون وزارة الخزانة الأمريكية صلاحية تقييم الأنظمة التنظيمية الأجنبية وتحديد ما إذا كانت مكافئة للمعايير الأمريكية، وذلك بالتشاور عبر لجنة مختصة (سيأتي ذكرها أدناه)

تقييد تداول العملات المستقرة غير المرخصة: إضافة إلى تنظيم الإصدار، يضع قانون GENIUS قيودًا على تداول أو خدمة العملات المستقرة غير المصرح بها. فبعد مرور 3 سنوات من سريان القانون، سيُحظر على أي منصة أو وسيط أصول رقمية مرخّص (مثل البورصات أو أمناء الحفظ) عرض أو بيع عملات مستقرة غير صادرة عن جهات مرخّصة بموجب القانون داخل الولايات المتحدة. هذا البند شديد الأهمية لأنه يعني عمليًا أنه لن يكون بمقدور العملات المستقرة المشهورة حاليًا والصادرة خارج إطار ترخيص أمريكي (مثل عملة Tether (USDT) التي تصدرها شركة غير منظمة في هونغ كونغ) أن يتم تداولها بشكل نظامي في المنصات الأمريكية بعد فترة السماح. وهكذا يُمنح مُصدرو العملات فترة انتقالية لتوفيق أوضاعهم، بينما يكتسب المستهلكون حماية من التعامل – عبر المنصات المنظمة – بعملات قد لا تلبي المعايير، جدير بالذكر أن وزير الخزانة لديه صلاحية استثناء بعض الحالات ذات الحجم المحدود جدًا أو الظروف الطارئة من هذا الحظر إذا رأى ضرورة
إنشاء هيكل إشرافي جديد ولجنة عليا: يُعزّز القانون الأطر المؤسسية للإشراف على سوق العملات المستقرة عبر عدة تدابير. بدايةً، يُنشئ لجنة مراجعة شهادات العملات المستقرة (Stablecoin Certification Review Committee) المكونة من كبار الجهات التنظيمية الفيدرالية: وزير الخزانة، ورئيس مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، ورئيس المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع (FDIC)تتمثل مهمة هذه اللجنة في اعتماد النظم الرقابية للولايات الراغبة بتنظيم مُصدري العملات المستقرة ضمن نطاقها، للتأكد من أنها تضاهي المعايير الفيدرالية، كذلك تختص اللجنة بالموافقة على أي طلب من شركة كبرى غير مالية (مثل شركات التكنولوجيا أو التجزئة) لاصدار عملة مستقرة، حيث يشترط القانون حصول تلك الشركات على موافقة جماعية بالإجماع من أعضاء اللجنة قبل منحها الترخيص، وهو معيار صارم يضع حاجزًا عاليًا أمام دخول “بيغ تك” لهذا المجال من تلقاء نفسها. وأخيرًا تتولى اللجنة تقييم الأنظمة الأجنبية واقتراح اعتبارها معادلة من عدمه كما أسلفنا. إلى جانب اللجنة، يحدد القانون لكل جهة مصدرة مرخصة جهة رقابية فيدرالية أساسية (Primary Federal Regulator) حسب طبيعة الكيان: فمثلاً إذا كان المُصدر فرعًا لمصرف مؤمن فسيكون منظمها الأساسي هو وكالة المصارف الفيدرالية المختصة بذلك البنك، أما إن كان كيانًا غير مصرفي مرخّص فيدراليًا عبر الـOCC فستكون الـOCC نفسها منظمته الأساسية في حالة الجهات المرخصة من الولايات، تبقى جهة الرقابة الرئيسية هي الولاية نفسها مع تمتّع الجهات الفيدرالية بحق التدخل في الحالات الاستثنائية التي تفشل فيها الولاية في فرض القواعد، هكذا تم تصميم المنظومة لتحقيق توازن بين مرونة النماذج الولائية التي تشجع الابتكار، وبين صرامة الإشراف الفيدرالي لضمان حد أدنى من الاتساق وعدم السماح بالتهاون.

تنظيم العملات المستقرة كفئة خاصة خارج نطاق الأوراق المالية: عالج القانون مسألة بالغة الأهمية لصناعة التشفير، وهي تحديد الطبيعة القانونية للعملات المستقرة. فلطالما ثار جدل حول ما إذا كانت هذه العملات تُعتبر أوراقًا مالية (سندات استثمارية) تخضع لقوانين الأسواق المالية التقليدية وهيئة الـSEC. يأتي قانون GENIUS ليحسم الأمر بتصنيف العملات المستقرة المدفوعية كفئة دفع خاصة لا ينطبق عليها تعريف الأوراق المالية التقليدية، وقد تضمن القانون تعديلات على قوانين استثمارية قائمة (مثل قانون مستشاري الاستثمار لعام 1940 وقانون الأوراق المالية لعام 1933) للتأكيد على أن العملات المستقرة ليست أوراقًا مالية، هذا يمنع الازدواجية ويحول دون مطالبة مُصدري العملات المستقرة بالامتثال لقواعد SEC الخاصة بالإفصاح والتسجيل التي صُممت للأسهم والسندات – وهو أمر رحب به القطاع لأنه يزيل سيفًا قانونيًا كان مسلطًا. بالطبع، يظل المُصدرون خاضعين لقواعد صارمة ولكن تحت إشراف هيئات مصرفية أو ولائية بدلاً من هيئة الأوراق المالية. ومن جانب آخر، حظر القانون على الجهات غير المصرفية دفع فوائد لحملة العملات المستقرة، تأكيدًا لكون هذه المنتجات أدوات مدفوعات وقيمة ثابتة وليست حسابات ادخار. هذا البند تحديدًا جاء بضغط من جهات مصرفية قلقة على منافسة الودائع التقليدية، إذ يفسح المجال للبنوك فقط أن تقدم عملات مستقرة أو ودائع رمزية يمكن أن تحمل عوائد لحائزيها. النتيجة هي إنشاء نظام رقابي واضح المعالم: العملات المستقرة أموال رقمية مضمونة باحتياطيات، تحت إشراف مصرفي/ولائي، وليس لها عوائد استثمارية، وبالتالي تفقد صفات الأوراق المالية أو الصناديق الاستثمارية.
جدول زمني للتنفيذ: نظرًا لضخامة التغيير المنشود، يمنح القانون فترة انتقال قبل أن تصبح أحكامه نافذة بالكامل. حدد المشرعون أن يبدأ سريان المتطلبات إما بعد 18 شهرًا من إقراره أو بعد 120 يومًا من إصدار الخزانة والهيئات التنظيمية اللوائح التفصيلية المطلوبة بموجبه – أيهما يأتي أولًا وألزِمت وزارة الخزانة بإصدار اللوائح التنفيذية خلال سنة واحدة من تاريخ سَنّ القانون. هذا يعني أن الأسواق أمامها قرابة عام ونصف للتأقلم، فيما ستسارع الهيئات لإعداد التفاصيل الفنية (مثل معايير رأس المال، ونماذج الإفصاح الدقيق، وإجراءات الترخيص) خلال الأشهر المقبلة. خلال هذه الفترة، يُفترض باللاعبين الحاليين ترتيب أوضاعهم – كأن تسعى شركات مثل Circle (مُصدرة USDC) للحصول على الترخيص الفيدرالي الجديد أو اعتماد وضعها عبر إحدى الولايات المعترَف بها، بينما قد تواجه شركات أخرى تحديات أكبر للتكيف خاصة تلك التي تعمل من الخارج أو بنماذج احتياطيات أقل شفافية.
باختصار، يضع قانون GENIUS الإطار القانوني الشامل الأول من نوعه للعملات المستقرة في الولايات المتحدة، مع التركيز على ضبط مصدريها واحتياطياتها لحماية المستهلك والنظام المالي، وجعل الدولار الرقمي الخاص أكثر موثوقية واعتمادًا. وقد وُصف هذا القانون بأنه خطوة تاريخية تُغلق فجوة إشرافية كبيرة، وتعطي دفعة لـ”الابتكار المسؤول” في قطاع الأصول الرقمية مع تعزيز الدور العالمي للدولار

3 الآثار المباشرة على قطاع العملات المشفرة
أثار إقرار قانون GENIUS موجة من التفاعلات الفورية داخل قطاع التشفير الأمريكي والعالمي. فبعد طول انتظار لقواعد واضحة، باتت الآن ملامح الطريق واضحة لمختلف الجهات الفاعلة – من بورصات تداول العملات الرقمية، إلى مصدري العملات المستقرة الحاليين والمحتملين، وصولًا إلى المستثمرين الأفراد والمؤسسات. ويمكن تلخيص أبرز التأثيرات المباشرة كما يلي:
على بورصات العملات المشفرة: سيتعيّن على منصات التداول العاملة في الولايات المتحدة (مثل كوينباس وبينانس.US وغيرها) مراجعة قوائم العملات المستقرة المدرجة لديها لضمان الامتثال للقانون الجديد. فبموجب حظر تداول العملات غير المرخصة بعد فترة انتقالية، ستضطر هذه المنصات إلى شطب أي عملات مستقرة لا يتحقق فيها شرط الترخيص الأمريكي. هذا قد يطال مثلًا عملة Tether (USDT) الأوسع انتشارًا عالميًا والتي لم تكن حتى الآن شفافة بشأن احتياطياتها ولم تخضع لتنظيم أمريكي مباشر. بالفعل، بدأت بعض المنصات مسبقًا بتفضيل عملات مستقرة أكثر امتثالًا؛ حيث استبدلت كوينباس جزءًا كبيرًا من سيولتها المستقرة من USDT إلى USDC خلال 2023 تحسبًا لمثل هذا التطور. الآن مع القانون الجديد، ستترسّخ هذه الاتجاهات. بالمقابل، يُتوقع أن يزداد إدراج العملات المستقرة المرخصة حديثًا مع دخول بنوك وشركات كبرى للسوق. أي منصة تريد تقديم خدمات تداول بالدولار الرقمي ستستطيع ذلك بثقة أكبر لأن كل عملة مستقرة مسموح تداولها ستكون مكفولة بأصول عالية الجودة ومراقبة من جهات رسمية. وإجمالًا، ترى بورصات التشفير في القانون ضمانًا لاستقرار سوقها الداخلي وتقليلًا لمخاطر انهيار مفاجئ في إحدى العملات المستقرة قد يهز منصاتها وسمعة الصناعة ككل، وقد وصف رئيس رابطة البلوكشين هذه اللحظة بأنها “لحظة فاصلة في تطور سياسات الأصول الرقمية في أمريكا”، مما يعكس تفاؤل الصناعة بأن القواعد الجديدة ستزيد ثقة المستخدمين وتستقطب مزيدًا من المتداولين.
على مُصدري العملات المستقرة الحاليين: يمثل القانون الجديد سيفًا ذا حدين بالنسبة للشركات المصدرة للعملات المستقرة. فمن جهة، يفتح الباب رسميًا لاندماجها في المنظومة المالية المعترف بها ويزيل الغموض القانوني الذي كان يخيم على أعمالها. شركة Circle مثلًا (المصدرة لعملة USD Coin – USDC) رحبت عمومًا بالتشريع، إذ إنها دعت طويلًا لوضع معايير فيدرالية واضحة. لدى USDC بالفعل قدر كبير من الامتثال (احتياطياتها من النقد والسندات تتم مراجعتها شهريًا طوعًا)، وبالتالي يُرجح أن تكون من أوائل الحاصلين على الترخيص الفيدرالي أو اعتماد وضعها عبر ولاية مختصة (ربما ولاية نيويورك التي منحتها أصلًا ترخيص “خدمة عملات افتراضية”). الأمر نفسه ينطبق على عملات مستقرة أخرى منظمة جزئيًا مثل Pax Dollar (USDP) المملوكة لشركة Paxos الخاضعة لإشراف ولاية نيويورك. هذه الجهات سترى فرصتها للنمو مع دخول بنوك ومستثمرين مؤسسين يفضلون التعامل مع عملات واضحة الوضع القانوني. في المقابل، تُواجه جهات مثل Tether تحديًا مصيريًا: فإما أن تكشف بشكل كامل عن هيكلها واحتياطياتها وتنضوي تحت مظلة ترخيص (سواء بالتسجيل كجهة أجنبية لدى OCC والخضوع لمراجعة قد تكون شاقة نظرًا لسجلها السابق)، أو تقبل بفقدان السوق الأمريكية تدريجيًا. ونظرًا لأن أكثر من 80% من حجم تداول بيتكوين عالميًا يتم عبر أزواج مقابل التيثر وفق بعض التقديرات في السنوات الماضية، فإن أي تقليص لدور USDT في المنصات الأمريكية سيعيد تشكيل مشهد السيولة لصالح عملات مستقرة أخرى أكثر امتثالًا. من زاوية أخرى، يستفيد مصدرون جدد محتملون من القانون: فقد تدخل المصارف التجارية الكبرى السباق عبر إطلاق عملاتها المستقرة الخاصة (مثال ذلك أننا قد نرى JPMorgan Coin موجهة للجمهور وليس فقط للاستخدامات الداخلية كما هو حال JPM Coin الحالية). أيضًا شركات التكنولوجيا المالية المرخصة اتحاديًا أو ولائيًا قد تبتكر عملات مستقرة متخصصة (مثلا عملات مستقرة مضمونة بسندات خزينة قصيرة جدًا كمنتج استثماري منخفض المخاطر). بهذا المعنى، سيشتد التنافس والابتكار في سوق العملات المستقرة الأمريكي تحت مظلة تنظيمية واحدة، ما قد يرفع الكفاءة ويخفض تكاليف التحويلات مع مرور الوقت.
على المستثمرين والأفراد: يحمل القانون الجديد تطمينات مهمة للمستثمرين الأفراد الذين يتعاملون بالعملات المستقرة أو يحتفظون بها. فقد عانى المستخدم سابقًا من غياب الضمانات والمعلومات الموثوقة حول بعض العملات المستقرة – وهو ما ظهر جليًا عند انهيار TerraUSD أو عند تعرض Tether لاتهامات بشأن احتياطياتها. الآن، سيستفيد المستخدم من قدر أعلى من الشفافية والإفصاح الشهري، مما يسهّل عليه اختيار عملة مستقرة موثوقة مدعومة 100% بأصول سائلة. كذلك فإن إدراج شرط أولوية المطالبات له في حال الإفلاس يوفر حماية قانونية إضافية؛ أي لو انهار مصدر العملة المستقرة فسيكون لحاملها الأسبقية في استرداد قيمتها من الموجودات قبل غيره من الدائنين. هذه الميزة تجعل حيازة العملات المستقرة أقرب (من ناحية الأمان القانوني) لحيازة ودائع مصرفية مؤمّنة. وعلى صعيد الاستخدام اليومي، يتوقع أن تزداد ثقة المتاجر والخدمات في قبول العملات المستقرة كوسيلة دفع معتمدة، نظرًا لأن التشريع يعترف بها ويضعها تحت رقابة واضحة. وبالتالي قد يرى المستهلك قريبًا خيارات الدفع بالعملات المستقرة إلى جانب البطاقات التقليدية في بعض التطبيقات، خاصة وأن القانون ركز على جعلها أدوات مدفوعات رقمية فورية. بطبيعة الحال، قد يواجه بعض المستخدمين الذين اعتادوا على طابع عدم الكشفية في سوق العملات المستقرة مزيدًا من إجراءات التحقق؛ إذ سيتعين على المُصدرين الالتزام بقواعد مكافحة غسل الأموال بشكل أكثر صرامة، مما يعني اشتراط توثيق هوية المستخدم عند الإصدار والاسترداد بشكل يشبه فتح حساب مصرفي. لكن هذا الثمن يأتي مقابل فائدة أن تلك العملات لن تختفي بين ليلة وضحاها أو تفقد ربطها بالدولار بلا سابق إنذار.
على المستثمرين المؤسسيين والسوق ككل: تعد المؤسسات المالية الكبرى (كصناديق الاستثمار وشركات إدارة الأصول) من أكثر المتحمسين تاريخيًا لوضوح القواعد في مجال التشفير، لأنها عامل حاسم لدخولهم هذا المضمار بثقل أكبر. مع صدور قانون GENIUS، يُتوقع أن نشهد إقبالًا مؤسسيًا أقوى على استخدام العملات المستقرة في أنشطة متعددة. مثلًا، صناديق التحوط أو مكاتب العائلة التي تتداول العملات الرقمية ستزداد راحتها في الاحتفاظ بالأموال على شكل عملات مستقرة مرخصة بدل إبقائها كأرصدة دولارية تقليدية، وذلك للاستفادة من سرعة وسهولة التحويل عبر سلاسل البلوكشين مع ثقة بأن تلك العملات تعادل الدولار فعلًا ومحمية تنظيميًا. أيضًا قد تبدأ الشركات المدرجة بخطوات تجريبية للاحتفاظ بجزء من سيولتها في صورة عملات مستقرة لأغراض الخزينة (تمامًا كما تحتفظ بالنقد أو ما يعادله)، حيث أن شرط الجودة العالية للاحتياطيات يعني أن العملة المستقرة المرخّصة مكافئة لحيازة أذونات خزانة قصيرة الأجل. من جهة أخرى، المؤسسات المالية التقليدية – كالخزينة الأمريكية وبنوك وول ستريت – ستراقب عن كثب تأثير تدفق أموال إلى العملات المستقرة المرخصة. تشير تحليلات إلى أن توسع سوق العملات المستقرة سيجعل تلك الجهات المصدرة من كبار حملة السندات الحكومية الأمريكية بالفعل، بحلول 2024 أصبحت الجهات المصدرة لأبرز العملات المستقرة كـTether وCircle مجتمعة ثالث أكبر حامل لأذونات الخزانة الأمريكية بقيمة ناهزت 40 مليار دولار، بعد بنك JP Morgan والصين ومن المتوقع مع ازدياد الإقبال بعد القانون، أن يرتفع الطلب على أذونات الخزانة أكثر لتعزيز احتياطيات هذه العملات هذا قد يُسرّ وزارة الخزانة كونه يعني مزيدًا من التمويل منخفض التكلفة للدَّين الحكومي، لكنه أيضًا يضع على عاتقها مسؤولية مراقبة أي تأثيرات على سيولة سوق السندات كما ذكرنا. أما سوق الأصول المشفرة عمومًا فمن المرجح أن يلقى دفعة إيجابية؛ إذ سجّل إجمالي قيمة العملات المشفرة عالميًا ارتفاعًا كبيرًا فور إقرار مجلس النواب الأمريكي للقانون، متجاوزًا 4 تريليونات دولار لأول مرة ،هذا يدل على ارتياح المستثمرين لأن عصرًا جديدًا من الوضوح التنظيمي قد بدأ، مما قد يجذب مزيدًا من رؤوس الأموال التي كانت مترددة بسبب ضبابية التنظيم سابقًا. وبشكل عام، فإن ترسيخ العملات المستقرة المضمونة والموثوقة كعمود فقري للتداولات الرقمية سيعزز من كفاءة الأسواق المشفرة ويزيد مصداقيتها كجزء من النظام المالي الحديث.

4 التداعيات على النظام المالي التقليدي
يُثير تقنين العملات المستقرة في الولايات المتحدة عبر قانون GENIUS جملة من التداعيات المهمة على النظام المالي التقليدي، بما يشمل البنوك المركزية والمصارف التجارية والمؤسسات المالية الأخرى. فهذه الخطوة لا تؤثر في قطاع الأصول الرقمية فحسب، بل تمتد لتعيد رسم الحدود بين الأموال الخاصة الصادرة عن شركات وبين الأموال السيادية الصادرة عن البنوك المركزية. نلخص أبرز هذه التداعيات والتفاعلات التقليدية فيما يلي:
موقف البنوك المركزية (الاحتياطي الفيدرالي وغيره): ينظر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لهذا التشريع من زاويتين. فمن جهة، يوفر القانون أدوات رقابية جديدة تمكن الفيدرالي (عبر مشاركته في لجنة الإشراف العليا وعبر دوره كمشرف احتياطي على بعض المُصدرين) من متابعة تطورات سوق العملات المستقرة عن كثب، ومع منع إصدار عملات مستقرة غير مرخصة، يقلق الفيدرالي أقل بشأن نشوء نظام ظل مصرفي غير مُدار. لكن من جهة أخرى، يحسم القانون قرارًا استراتيجيًا ضمنيًا يتعلق بالعملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC): إذ أن الكونغرس عبر تمرير هذا الإطار (وبالتوازي تمرير مجلس النواب مشروع قانون يحظر على الفيدرالي إصدار دولار رقمي دون تفويض خاص يبعث برسالة أن الولايات المتحدة تفضّل نهج العملة المستقرة الخاصة المنظَّمة على حساب إصدار CBDC عامة في الوقت الحالي. وبالفعل صرح مسؤولو الفيدرالي مرارًا أنهم لن يقدموا على إصدار دولار رقمي دون دعم تشريعي واضح. الآن وقد اختار المشرعون مسار دعم الدولار الرقمي الخاص، سيواصل الفيدرالي التركيز على دوره التقليدي في الإشراف على الاستقرار النقدي وتوفير البنية التحتية للتسويات (وربما دعم الابتكار في أنظمة الدفع)، بدلًا من منافسة القطاع الخاص مباشرة عبر عملة رقمية يصدرها بنفسه. مع ذلك، يبقى الفيدرالي متيقظًا لمخاطر السيولة النقدية؛ فإذا نما حجم العملات المستقرة ليصبح جزءًا معتبرًا من الكتلة النقدية، قد يحتاج الفيدرالي للتفكير في أدوات جديدة لمراقبة تلك السيولة ضمن إطار السياسة النقدية. يُذكر هنا أن البنك المركزي الأمريكي ليس وحيدًا في هذا التوجه؛ فبنوك مركزية كبرى أخرى كالبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا تواجه معضلة مماثلة. وقد أعربت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد مؤخرًا عن قلقها من أن انتشار العملات المستقرة المرتبطة بالدولار قد يضعف فعالية السياسة النقدية الأوروبية، حيث يمكن أن يقلل من استخدام اليورو ويُصعّب التحكم في سيولة السوق إذا باتت نسبة كبيرة من المعروض النقدي الرقمي خارج سيطرة البنك المركزيبعبارة أخرى، البنوك المركزية ترى في صعود العملات المستقرة العالمية سيفًا ذا حدين: فهي تعزز الكفاءة، لكنها قد تخلق ظاهرة الدولرة الرقمية (Digital Dollarization) العابرة للحدود، مما يهمّش العملات الوطنية في بلدان أخرى ويضعف قبضتها التقليدية على السياسات المالية، وقد دفع هذا التخوف 49 مصرفًا مركزيًا حول العالم حتى يوليو 2025 إلى تسريع تجاربها في مشاريع الـCBDC وفق إحصاء المجلس الأطلسي، تحسبًا لعالم تلعب فيه العملات المستقرة الخاصة دورًا أكبر من اللازم في المدفوعات الدولية.
تأثير على البنوك التجارية والمؤسسات المالية: لطالما تعاملت البنوك بحذر وأحيانًا بشيء من الريبة مع ظاهرة العملات المشفرة، خاصة المستقرة منها، بسبب خشيتها من أن يؤدي انتشارها إلى سحب البساط تدريجيًا من تحت ودائع البنوك التقليدية. فالمستهلك أو الشركة التي ستجد بديلًا نقديًا رقمياً ثابت القيمة وسهل التحويل قد تقل حاجتها للإبقاء على ودائع كبيرة جارية في حساباتها البنكية. القانون الجديد أخذ هذه الهواجس بالاعتبار عبر تصميم الإطار ليضمن انخراط البنوك بدلًا من تهميشها. فمن ناحية، سُمح للبنوك وشركاتها التابعة بإصدار عملات مستقرة مباشرةً طالما التزمت بالمتطلبات، بل إن القانون يمنحها ميزة تنافسية بإباحة دفع فوائد على الأرصدة المستقرة إذا كانت صادرة عن مؤسسة مصرفية (مقابل منعها على الجهات غير المصرفية) هذا يعني أن البنوك يمكنها تحويل جزء من ودائع عملائها إلى صيغة رقمية (توكن) قابلة للتداول على مدار الساعة عبر شبكات البلوكشين، مع استمرار العميل بالاستفادة من الفائدة وربما تأمين وديعته (إذا عوملت كجزء من ميزانية البنك). مثل هذا النموذج الهجين يتيح للمصارف الاحتفاظ بولاء عملائها والابتكار في خدمات الدفع (كأن توفر تحويلات دولية شبه فورية بعملتها المستقرة) دون فقدان تلك الأموال لصالح شركات تكنولوجيا مالية خارجية. بالفعل بعض البنوك الأمريكية الكبرى كانت تختبر إصدار عملات رقمية داخلية قبل القانون (كعملة JPM Coin الخاصة ببنك جي بي مورغان والمستخدمة لتسويات بين العملاء المؤسسات)، ويُتوقع الآن أن نشهد توسع نطاق هذه التجارب لتشمل عملاء تجزئة وربما تحالفات بين عدة بنوك لإطلاق عملة مستقرة مصرفية مشتركة تستخدم في الحوالات اليومية. من ناحية أخرى، المؤسسات المالية غير المصرفية – كشركات المدفوعات (فيزا وماستركارد مثلًا) – ستستفيد هي الأخرى. فشركات البطاقات أبدت اهتمامًا بدمج التسوية عبر العملات المستقرة لتسريع التحويلات وتقليل التكلفة، وقد أعلنت ماستركارد قبل فترة عن مشاريع تجريبية لاستخدام عملة USDC لتسوية معاملات البطاقات لبعض البنوك. مع إطار قانوني واضح، سنرى تكاملًا أوسع بين شبكات المدفوعات التقليدية وشبكات البلوكشين: قد تستخدم البنوك عملات مستقرة مرخصة بدل شبكات سويفت في بعض تحويلات ما بين البنوك، وقد تسهل مؤسسات الحوالات النقدية (كـWestern Union) تحويلات أسرع عبر الاستعانة بعملات مستقرة عوضًا عن البنى التحتية القديمة. أضف إلى ذلك أن بورصات الأوراق المالية قد تنخرط في الاستفادة من العملات المستقرة: على سبيل المثال، هناك حديث عن إمكانية تسوية صفقات الأسهم والسندات على مدار الساعة باستخدام عملات مستقرة كوسيط نقدي سريع بدل انتظار تحويل الأموال عبر أنظمة المدفوعات التقليدية المغلقة لساعات الليل والعطل. من زاوية أسواق المال، شركات صناديق الأسواق النقدية قد تعتبر العملات المستقرة منافسًا أو فرصة: فهي تنافسها في اجتذاب أموال المودعين الباحثين عن عائد (رغم عدم دفع فائدة مباشرة من قبل المصدر غير المصرفي، فإن مشتريات الاحتياطيات من أذونات الخزانة تدر فائدة يستفيد منها المُصدر أو المستخدم بشكل غير مباشر عبر الخدمات المجانية). لكن في الوقت ذاته، يمكن لتلك الشركات أن تصدر منتجات استثمارية مكونة من سلال عملات مستقرة مختلفة للمستثمرين الراغبين بتنويع المُصدر تفاديًا لأي مخاطرة خاصة. أخيرًا، أحد التأثيرات الجوهرية على النظام المالي هو تعزيز الدور العالمي للدولار الأمريكي: فمع تقنين أوضاع العملات المستقرة الدولارّية، يُتوقع أن تكتسب هذه العملات قبولًا وانتشارًا عالميًا أكبر في تسويات التجارة والمدفوعات العابرة للحدود، ما يعني تكريس هيمنة الدولار في النظام المالي الدولي ولكن عبر قالب تقني جديد. وقد قدّر محللون أنه بحلول 2030 قد تصل القيمة الإجمالية لسوق العملات المستقرة إلى 2 تريليون دولار إذا تم تنظيمها بشكل فعال، مما يرسخ “هيمنة الدولار” الرقمية عالميًا ويزيد الطلب على الأدوات المالية الأمريكية كأذون الخزينة. هذا السيناريو مفيد للولايات المتحدة من ناحية قوة عملتها، لكنه يضغط على البنوك المركزية الأخرى كي تتكيف – إما بتنظيم عملات مستقرة بعملاتها المحلية لمنافسة الدولار الرقمي، أو بالإسراع في إطلاق عملات رقمية سيادية تحافظ على دور عملاتها.

5 ردود الفعل الدولية
أحدث التشريع الأمريكي الجديد أصداءً واسعة حول العالم، نظرًا لما للولايات المتحدة من وزن في صياغة المعايير المالية الدولية. وقد تباينت ردود الفعل بين ترحيب حذر من بعض الأطراف، وقلق وتحفّظ من أطراف أخرى، لا سيما تلك التي تخشى على سيادتها النقدية أمام المد الدولارّي الرقمي. فيما يلي استعراض لأبرز ردود الأفعال في مناطق مختلفة:
الاتحاد الأوروبي: يمتلك الأوروبيون بالفعل إطارًا تنظيميًا متقدّمًا نسبيًا للعملات المشفرة يعرف باسم MiCA (اللائحة التنظيمية للأسواق في الأصول المشفرة) الذي تم اعتماده في 2023. وينظم MiCA إصدارات “رموز الأصول” بما فيها فئة العملات المستقرة (المقسمة أوروبيًا إلى رموز مرتبطة بالأصول ورموز نقدية إلكترونية). لذلك، جاءت ردة الفعل الأوروبية رسمية هادئة في البداية على الخطوة الأمريكية؛ فالمشرّعون الأوروبيون رحبوا من حيث المبدأ بدخول أمريكا على خط وضع قواعد واضحة، إذ رأوا في ذلك تقليصًا لعدم اليقين العالمي ودعمًا لتطوير الأسواق المالية الرقمية بشكل منظم. حتى أن بعض العاملين في قطاع التكنولوجيا المالية الأوروبي اعتبروا أن وجود تنظيم أمريكي قد يوفر دفعة للشركات الأوروبية لتوسيع خدماتها باستغلال قابلية التشغيل البيني بين القارتينلكن خلف الأبواب المغلقة، يساور البنك المركزي الأوروبي القلق من هيمنة الدولار عبر العملات المستقرة على حساب اليورو. ظهر ذلك جليًا في شهادة رئيسة البنك المركزي الأوروبي لاغارد أمام البرلمان الأوروبي عقب تمرير مجلس الشيوخ الأمريكي لقانون GENIUS، حيث حذّرت أن انتشار العملات المستقرة يشكل “مخاطر على السياسة النقدية والاستقرار المالي” لأنها قد تنتقص من فعالية أدوات البنك المركزي وعبّرت عن خشيتها من أن يعتاد المواطنون الأوروبيون والشركات على استخدام عملات مستقرة دولارية في المدفوعات اليومية، مما قد يقلل الطلب على اليورو نفسه بصفته عملة قانونية وفي سياق متصل، أصدرت لجنة في البرلمان الأوروبي تقريرًا بحثيًا أقر بمخاوف البنك المركزي الأوروبي المحلية والجيوسياسية تجاه هيمنة الدولار الرقمي، وإن أشار كذلك إلى تحديات تواجه مشروع الـيورو الرقمي الذي يعمل عليه الأوروبيون (مثل قضايا الخصوصية والمنافسة) بشكل عام، يمكن القول إن أوروبا تنظر إلى التحرك الأمريكي كنموذج موازٍ سيتعين التعايش معه وربما التنسيق بشأنه دوليًا عبر المنتديات التنظيمية (كمجلس الاستقرار المالي الدولي). سيستمر الأوروبيون في المضي قدمًا بتنفيذ إطار MiCA الخاص بهم مع محاولة ضمان أن العملات المستقرة العالمية (كـUSDC وUSDT) لن تزعزع استقرار أنظمتهم – وقد يفرضون قيودًا إضافية مثل حدود قصوى لحجم التعامل اليومي بهذه العملات داخل أوروبا إذا دعت الحاجة، وهو أمر وارد ضمن صلاحيات MiCA أصلًا.
المملكة المتحدة: رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها هي الأخرى نشطة في تطوير قواعد للأصول الرقمية. وقد عقبت هيئات بريطانية بشكل إيجابي حيال القانون الأمريكي معتبرةً أنه خطوة تكاملية مع توجه بريطانيا لوضع معاييرها. تعمل وزارة الخزانة البريطانية على إدراج العملات المستقرة كوسيلة دفع معترفة قانونيًا ضمن قانون الخدمات المالية والأسواق 2023، وتدرس هيئة السلوك المالي (FCA) حاليًا لوائح تفصيلية لتنظيم الإصدار والحفظ والتدقيق لتلك العملات ، رأت الأوساط البريطانية في القانون الأمريكي تأكيدًا لأهمية وضع حدود واضحة بين المدفوعات والاستثمارات في مجال الأصول الرقمية. ومن اللافت أن بريطانيا تتجه لتصنيف بعض العملات المستقرة كأدوات استثمارية وهو عكس التوجه الأوروبي الذي يعدها أموالًا إلكترونية، مما أثار نقاشًا محليًا حول أفضل السبل لتنظيمها دون عرقلة استخداماتها للدفع. ويرى مراقبون أن بريطانيا قد تستفيد من التجربة الأمريكية لتعديل أي ثغرات في مقترحاتها، لا سيما فيما يتعلق بحماية المستهلك ومنع هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى. ويُنتظر أن تصدر بريطانيا لوائحها النهائية في وقت قريب، لتضاف كحلقة وصل أخرى في سلسلة التنظيم الغربي المنسق نسبيًا لهذا القطاع.
الصين وآسيا الشرقية: جاءت أكثر الردود الدولية حدة من الجانب الصيني. فالصين التي حظرت تداول العملات المشفرة الخاصة تمامًا في 2021، تسعى في الوقت نفسه لريادة سباق العملات الرقمية السيادية عبر مشروع اليوان الرقمي (e-CNY). وقد فسّر صناع السياسة في بكين التحرك الأمريكي على أنه خطوة لتعزيز هيمنة الدولار عالميًا عبر التكنولوجيا الجديدة. تناولت وسائل إعلام حكومية صينية خبر تمرير القانون في مجلس الشيوخ الأمريكي بلهجة تدعو الصين للتحرك العاجل، حيث دعت صحيفة مدعومة من الدولة إلى إطلاق عملات مستقرة مقومة باليوان “في أقرب وقت ممكن” للحفاظ على قدرة المنافسة لدى الصين نموذج جاهز ربما للاقتباس، يتمثل في إطار تنظيمي وضعته هونغ كونغ (التابعة إداريًا للصين لكن بمنظومة قانونية مستقلة) في مايو 2025. فقد أقرت هونغ كونغ قانونًا جديدًا للعملات المستقرة (سُمي Ordinance تنظيم العملات المستقرة) يسمح بإصدار عملات مستقرة مرتبطة بالدولار الهونغ كونغي والعملات الكبرى الأخرى مع وضع تلك الإصدارات تحت رقابة مشددة من هيئة النقد في هونغ كونغ هذا التطور في هونغ كونغ ينظر إليه كحل وسط صيني: فالبر الرئيسي يمنع العملات المشفرة الخاصة، لكن هونغ كونغ كعاصمة مالية عالمية توفر ميدان اختبار لعملة مستقرة مقومة بالرنمينبي أو عملات إقليمية، بحيث يمكن لبكين الاستفادة منه إذا نجح. ومن المرجح أن الصين ستحاول دفع حلفائها التجاريين في آسيا لاعتماد عملات مستقرة بعملاتهم المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار الرقمي الأمريكي. على سبيل المثال، قد تتعاون مع دول آسيان لإصدار نسخ رقمية مستقرة من عملاتها وتسهيل التحويل بينها، فيما يشبه شبكة مقاومة للدولرة. كما أن الصين قد تسرّع طرح اليوان الرقمي خارج حدودها (مثلا عبر اتفاقيات ثنائية لضمه في منصات الدفع العابرة للحدود). بالنتيجة، الموقف الصيني يمكن وصفه بأنه استنفار تنافسي أكثر منه تقبّل، إذ ترى بكين في هيكل العملات المستقرة الأمريكية المكثف تهديدًا طويل الأمد لدورها الاقتصادي والنقدي العالمي

الاقتصادات الآسيوية الأخرى: أما بقية دول آسيا، فتفاوتت ردود أفعالها بحسب موقع كل منها على طيف تبني التشفير. اليابان – التي كانت سبّاقة في 2022 إلى سنّ إطار قانوني للعملات المستقرة يعد الأول عالميًا، رحبت ضمنيًا بالتناغم الأمريكي مع نهجها. فالقانون الياباني (الذي دخل حيز التنفيذ قبل أشهر من نظيره الأمريكي) يسمح فقط للبنوك وشركات مرخصة بإصدار عملات مستقرة مقومة بالين، مما يشابه فلسفة القانون الأمريكي في حصر الإصدار بجهات منظمة وضمان الاحتياطيات. ولأن طوكيو وواشنطن تتشاركان الهدف الاستراتيجي لتعزيز الابتكار المالي دون تهديد الاستقرار، فمن المتوقع أن تتعاون الهيئات التنظيمية اليابانية والأمريكية لتنسيق المعايير، وربما إبرام اتفاقية اعتراف متبادل تسمح بتداول العملات المستقرة المصدرة بموجب ترخيص أي منهما في أسواق الأخرى بكل سلاسة. هذا قد يضع نموذجًا للتنسيق عبر المحيط الهادئ في هذا الملف. سنغافورة من جهتها – وهي مركز مالي آسيوي بارز – أبدت ترحيبًا حذرًا؛ فلدى سلطة النقد السنغافورية (MAS) بالفعل إرشادات منذ 2022 لتنظيم ما تسميه “العملات الرقمية ذات الغرض الواحد” (أي المستقرة) تشمل متطلبات احتياطي وحق الاسترداد على القيمة الإسمية. ومع القانون الأمريكي، ترى سنغافورة فرصة لجذب مزيد من مصدري العملات المستقرة المتوافقين عالميًا لإنشاء مقار إقليمية في بلدها، بما أنها تعتمد نهج الانفتاح المدروس. كوريا الجنوبية أيضًا بدأت دراسة تنظيم العملات المستقرة ضمن تشريعات أوسع للأصول الرقمية، حيث نقلت وسائل إعلام كورية أن المشرعين هناك ينظرون بعين الاهتمام لما سنّه الكونغرس الأمريكي لاتخاذ ما يلزم محليًا، لاسيما بعد وقوع حوادث احتيال مرتبطة بمنصات كورية وظهور الحاجة لحماية المستثمرين. أما الدول النامية في آسيا، فقد تباين موقفها بين من اعتبر القانون فرصة لتعزيز الشمول المالي عبر تبني العملات المستقرة بالدولار بشكل رسمي، ومن خشي أن يؤدي ذلك إلى دولرة إضافية لاقتصاده. على سبيل المثال، الهند – التي ما زالت متشددة ضد العملات المشفرة الخاصة – رأت في القانون الأمريكي تأكيدًا على أن التقنين ممكن دون إباحة الفوضى، لكنها لم تغير موقفها حيال حظر العملات المشفرة المحلية في الوقت الراهن، مفضلةً التركيز على مشروع الروبية الرقمية الصادر عن بنكها المركزي.
الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية: تلقت الكثير من الدول النامية خبر القانون الأمريكي بنوع من الترقب الحذر. فهي تدرك أن العملات المستقرة يمكن أن تساعد في حل مشكلات قائمة – مثل تكلفة التحويلات المالية العالية أو ضعف العملة المحلية – لكنها بنفس الوقت تخشى من فقدان السيطرة أمام عملة الدولار الرقمية. البنوك المركزية في دول الخليج مثلاً، والتي ترتبط عملاتها بالدولار تاريخيًا، قد تكون أكثر استعدادًا للسماح باستخدام العملات المستقرة بشرط توافقها مع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال، خاصة وأن بعضها (مثل البحرين والإمارات) يسعى ليكون مركزًا إقليميًا للأصول الرقمية. على الجانب الآخر، دول مثل الأرجنتين التي يعصف بها التضخم ربما ينظر مواطنوها للعملات المستقرة بالدولار (مثل USDC) كطوق نجاة لحفظ قيمة مدخراتهم – وهذا قائم فعلاً في السنوات الأخيرة – وبالتالي قد ترحب ضمنيًا حكوماتها بأي تعزيز لمصداقية تلك العملات، وإن كانت لا تعلن ذلك صراحة كي لا يُفهم كإقرار بدولرة الاقتصاد من قبلها. أما الهيئات الدولية، فقد رحب صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية بأي جهد لتنظيم سوق العملات المستقرة الذي وصفه سابقًا بأنه قد يصل لمستوى مهدد للاستقرار المالي العالمي إذا تُرك دون ضابط. لكن هذه المؤسسات حذرت في الوقت نفسه من الانعكاسات عبر الحدود: فنجاح الدولار الرقمي المستقر قد يصعّب على بعض الدول إدارة سياساتها النقدية ويدفعها نحو قيود على حركة رؤوس الأموال الرقمية. من هنا، من المرجح أن تدعو تلك المؤسسات إلى وضع معايير دولية موحّدة للتعاون الرقابي في مجال العملات المستقرة، ربما تحت مظلة مجلس الاستقرار المالي (FSB) أو منتدى محافظي البنوك المركزية.
باختصار، تراوحت ردود الفعل الدولية بين الإعجاب بالتقدم الأمريكي أخيرًا في تنظيم قطاع معقد، وبين القلق من تداعيات هيمنة الدولار الرقمي الخاص. وقد حفّز القانون نقاشًا عالميًا حول أهمية التنسيق الدولي حتى لا تتسبب الاختلافات بين النظم القانونية في خلق ثغرات يستغلها غير الملتزمين. ومن المرجح أن نرى خلال الفترة القادمة حراكًا دبلوماسيًا فنيًا – عبر مجموعات عمل في بنك التسويات ومجلس الاستقرار – لتبادل المعلومات بين المنظمين الأمريكيين والأوروبيين والآسيويين حول أفضل الممارسات في تطبيق هذه القواعد الجديدة.

6 التحديات المحتملة
على الرغم من الآمال الكبيرة المعقودة على قانون GENIUS ودوره في ضبط سوق العملات المستقرة، إلا أن هناك عددًا من التحديات قد تعترض طريق تطبيقه الفعلي وتحقيق أهدافه الكاملة. هذه التحديات تتنوع بين ما هو تقني، وقانوني، وسياسي، ونوجز أبرزها فيما يلي:
التنفيذ والإطار الزمني: يكمن أول التحديات في ترجمة نص القانون إلى لوائح تنفيذية تفصيلية خلال الفترة المحددة (عام واحد لإصدار اللوائح، و18 شهرًا للتنفيذ الكامل)، هذه مهمة جسيمة تشمل تنسيقًا بين وكالات اتحادية متعددة (وزارة الخزانة وOCC والاحتياطي الفيدرالي وFDIC وغيرها) لوضع معايير موحدة للترخيص والإشراف. التجربة التاريخية تظهر أن صياغة لوائح مالية تقنية قد تستغرق سنوات؛ فمثلًا استغرق وضع لوائح قانون دود-فرانك للمشتقات أعوامًا بعد صدوره. أي تأخير هنا قد يربك السوق، خصوصًا وأن القانون في صيغته الأصلية (بحسب مسودات سابقة) افتقر لتحديد واضح لموعد سريان بعض البنود مما أثار مخاوف من فراغ قانوني لحظي، وتم تدارك ذلك في النسخة النهائية بوضع مهلة. التحدي أيضًا أن على الجهات القائمة حاليًا (مُصدرين وبورصات) تعديل بنيتها التقنية والامتثال الداخلي خلال نافذة زمنية قصيرة نسبيًا. سيتوجب إنشاء أنظمة محاسبة دقيقة لفصل الاحتياطيات وإصدار تقارير شهرية مفصلة، وربما التعاقد مع مدققين خارجيين معتمدين لتدقيق الأصول بشكل منتظم. هذه المتطلبات قد ترهق الشركات الأصغر وتدفع إلى خروج بعضها أو اندماجها لتلبية المتطلبات التنظيمية الثقيلة. وبالتالي، قد نشهد تركيزًا للسوق في أيدي عدد أقل من الجهات الأكبر حجمًا والأكثر قدرة على الامتثال، مما يثير تساؤلات حول احتكار محتمل أو تقليص مبدأ اللامركزية الذي يتغنى به عالم التشفير.
التنسيق الفيدرالي-الولائي: بالرغم من أن القانون وضع إطارًا لتقسيم الأدوار بين الدولة الفيدرالية والولايات، يظل هناك تحدي تحقيق التناغم العملي بين عشرات الجهات التنظيمية الولائية ونظيراتها الفيدرالية. فنجاح النموذج الهجين يعتمد على اعتراف متبادل سلس وإجراءات واضحة لتبادل المعلومات والصلاحيات. قد يحدث تضارب إذا رأت ولاية ما أن معاييرها كافية بينما رفضت اللجنة الفيدرالية اعتمادها “معادلة” كذلك، آلية تدخل الفيدرالي في الحالات الطارئة عندما تفشل ولاية في ضبط مُصدر ما قد تكون محل تجاذب سياسي (إذ قد تعتبر الولايات ذلك تجاوزًا لصلاحياتها). باختصار، سيكون على اللجنة الفيدرالية وصناع السياسات صياغة خطوط واضحة تحدد متى exatamente يتم سحب البساط من تحت المنظم الولائي الذي ربما تغاضى عن مخالفات ما. هذا تحدٍ قانوني وإداري دقيق قد يحتاج إلى لوائح إضافية أو حتى تعديلات تشريعية مستقبلًا لضبطه بعد اختبار الواقع.
مخاطر الأسواق والعدوى: صحيح أن القانون بُنِي لتقليل مخاطر انهيار العملات المستقرة، لكنه لا يلغيها تمامًا. فما تزال هناك احتمالية حدوث “هرع مصرفي” رقمي إذا ما فقد الجمهور الثقة – لأي سبب كان – في عملة مستقرة معينة، حتى وإن كانت مدعومة بأصول عالية الجودة. على سبيل المثال، إذا شاع خبر (ولو كان خاطئًا) حول مشكلة في أحد البنوك الحاضنة للاحتياطيات أو شكّك البعض في نزاهة تقارير الاحتياطيات، قد نشهد موجة بيع واسترداد مفاجئة. في هذه الحالة ستضطر الجهة المصدرة لبيع كميات ضخمة من السندات الحكومية بسرعة للوفاء بطلبات الاسترداد، مما قد يؤدي إلى اضطراب في سوق الخزانة الأمريكي، ورغم أن القانون أقرّ هذا السيناريو ووضع معايير لتخفيفه، كأن تكون الأصول من أقصر الآجال لتسهيل تسييلها، إلا أنه لا يمكن كليًا إزالة مخاطرة كهذه. هنا يبرز تساؤل: هل يتعين على الاحتياطي الفيدرالي التدخل كمقرض طارئ للمصادر في ظروف قصوى لحماية النظام المالي؟ القانون لم يمنح أي غطاء صريح لذلك، لكن واقعيًا قد يجد الفيدرالي نفسه مضطرًا لابتكار آلية ما (على غرار برامج إقراض لأطراف غير بنكية) إذا صار انهيار عملة مستقرة كبيرة يشكل خطرًا منهجيًا على الأسواق.
الأمن السيبراني والتقني: يعتمد نموذج العملات المستقرة على البنية التحتية للبلوكشين وواجهات برمجية لإدارة الاحتياطيات والتداول. هذا يفتح الباب لتحديات تقنية وأمنية. فمع انتقال جزء أكبر من النشاط المالي إلى سلاسل الكتل، ستصبح المنصات التقنية لمصدري العملات المستقرة أهدافًا جذابة للقراصنة. أي اختراق ذكي – كاختراق المفتاح الخاص بالمُصدر لضخ توكنات مزيفة أو سرقة احتياطيات – قد يزلزل الثقة سريعًا. كذلك، الخلل التقني أو الفشل البرمجي في العقد الذكي الذي يدير العملة قد يؤدي إلى تجميد عمليات التداول أو حصول أخطاء في سجل الملكيات. صحيح أن الجهات المرخصة ستخضع لتدقيق وفحوص أمن معلومات دورية، لكن تظل المخاطر غير صفرية في عالم التكنولوجيا. كما أن قابلية التوسع للشبكات ستكون على المحك: فإذا انتشر استخدام العملات المستقرة في المدفوعات اليومية على نطاق واسع، فهل شبكات مثل إثريوم – أو غيرها التي تصدر عليها هذه العملات – قادرة على معالجة هذا الكم من المعاملات بسرعة كافية وتكلفة زهيدة؟ قد يستلزم الأمر تبني تقنيات تحجيم (Layer-2) أو شبكات بديلة، مما يعني تعاونًا مستمرًا بين المشرعين ومجتمع التقنية لضمان عدم تحول ازدحام الشبكة إلى عقبة في وجه تبنّي العملات المستقرة على نطاق واسع.
التحديات السياسية والمقاومة الصناعة: لا يُستبعد أن يواجه تنفيذ القانون مقاومات أو عقبات سياسية. فمثلاً، رغم الإجماع النسبي الذي تحقق لتمريره، قد تعلو لاحقًا أصوات بعض الساسة المعارضين للعملات المشفرة عمومًا (خاصة إذا تغيّر التوازن الحزبي مستقبلاً) محاولين تعديل أو إلغاء بعض بنود القانون. وعلى الضفة الأخرى، اللوبيات الصناعية التي ربما دعمت القانون مبدئيًا قد تعود للضغط من أجل تليين بعض اللوائح التطبيقية التي تراها مجحفة. على سبيل المثال، شركات التكنولوجيا الكبرى ربما تسعى مستقبلاً لتخفيف شرط الإجماع في اللجنة العليا للموافقة على دخولها السوق، مجادلةً بأن “الامتثال الكامل” يجب أن يسمح للجميع بدخول متكافئ. كما أن البنوك الصغيرة أو الاتحادات الائتمانية قد تحتج على هيمنة البنوك الكبيرة في مشهد العملات المستقرة (خاصة مع ربط القانون الفعلي بين الفائدة والكيان المصرفي الكبير)، وربما تلجأ تلك الأطراف إلى المحاكم أو الكونغرس للتظلم إن شعرت بالإقصاء.
التفاعل مع الأنظمة الدولية واحتمال التجزئة: أحد أكبر التحديات طويلة الأمد هو كيفية تفاعل قانون GENIUS مع الأطر التنظيمية المماثلة عالميًا لضمان عدم نشوء أسواق متوازية لا تخضع لنفس القواعد. فمثلًا، لو اعتبرت أوروبا أن بعض العملات المستقرة المرخصة أمريكيًا لا تلبي شروطها، قد تفرض قيودًا على تداولها في منصاتها رغم الترخيص الأمريكي. والعكس صحيح: القانون الأمريكي سيمنع تداول عملات مستقرة غير مرخصة بعد 3 سنوات، لكن ماذا لو نشأت عملات مستقرة عالمية مقرها مناطق خارج أي تنظيم صارم (مثلاً بدولة ذات رقابة متساهلة)؟ سيظل بالإمكان نظريًا للأفراد الأمريكيين الحصول عليها عبر منصات لامركزية أو ممارسات النظير للنظير (P2P) خارج المنصات المنظمة. هذا يخلق منطقة رمادية سيصعب ضبطها: أي إساءة استغلال لتلك الثغرات قد يقوّض هدف القانون في حماية المستهلك. لذا فإن النجاح الكامل يظل مرهونًا بتعاون دولي أوسع يتعدى نطاق التشريع الأمريكي، وهو أمر لا يمكن للولايات المتحدة فرضه أحاديًا. في هذا السياق، يعمل مجلس الاستقرار المالي (FSB) على تنسيق نهج عالمي لمتطلبات “العملات المستقرة العالمية ذات الأهمية النظامية”، وأصدر بالفعل توصيات منسجمة مع ما جاء به القانون الأمريكي من حيث احتياطيات 100% وشفافية لكن تفعيل ذلك يعتمد على التزام كل دولة. إن لم يحدث هذا التناغم، قد نشهد تجزئة حيث عملات مستقرة مرخصة في مناطق معينة فقط هي المسموح بها بين تلك المناطق، فتفقد الفكرة الأصلية – عملة رقمية عالمية بلا حدود – بعضًا من وهجها.
في ضوء هذه التحديات، يدرك المعنيون أن قانون GENIUS ليس عصا سحرية بقدر ما هو خطوة أولى في رحلة تنظيمية مستمرة. سيتطلب نجاح هذه التجربة مرونة في مراجعة التشريعات واللوائح بمرور الوقت، وكذلك تعاونًا وثيقًا بين القطاعين العام والخاص لضمان أن التطوير التقني يسير جنبًا إلى جنب مع التحوطات الرقابية. العبرة ستكون في التفاصيل عند التطبيق، والقطاع بأكمله يُراقب كيف سيتم تجاوز هذه العقبات لضمان ازدهار صحي للنظام المالي الرقمي الجديد.
7 سيناريوهات المستقبل
يفتح إقرار قانون تنظيم العملات المستقرة الأمريكي الباب على مصراعيه أمام عدة سيناريوهات لمستقبل النظام المالي العالمي واعتماد الأصول الرقمية. فعلى المدى المتوسط والبعيد، سيكون لهذا القانون تأثيرات قد تعيد تشكيل خارطة التدفقات المالية والتقنيات النقدية. نستعرض هنا بعض السيناريوهات المحتملة مدعومة بالمعطيات والتحليلات:
سيناريو ازدهار وتبني عالمي واسع: في هذا السيناريو الإيجابي، يثبت قانون GENIUS أنه نقطة تحول مفصلية نحو قبول واسع النطاق للأصول الرقمية على مستوى العالم. بفضل الإطار التنظيمي الواضح، يتزايد تبني العملات المستقرة في الأنشطة المالية اليومية بسرعة. تستخدمها البنوك والشركات في التحويلات الدولية بدلًا من شبكة سويفت التقليدية البطيئة والمكلفة، مما يخفض رسوم المعاملات عبر الحدود بشكل ملموس ويزيد سرعة إنجازها إلى ثوانٍ أو دقائق. الأفراد في مختلف الدول – بما فيها ذات الأنظمة النقدية الأقل استقرارًا – يجدون سهولة في الاحتفاظ بالثروة والتعامل بالدولار الرقمي المستقر، الأمر الذي يعزز الشمول المالي عالميًا. ونتيجة لهذه الديناميكية، قد يتضاعف حجم سوق العملات المستقرة عدة مرات ليصل إلى 1-2 تريليون دولار بحلول نهاية العقد، مدفوعًا بثقة المستثمرين أن تلك الأصول محمية وموثوقة. هذا الازدهار يجرّ في أثره نموًا في جوانب أخرى من اقتصاد الأصول الرقمية: فالوضوح القانوني يمتد تدريجيًا ليشمل تعريف باقي الأصول المشفرة (عبر إقرار قانون هيكلي للسوق – مشروع قانون “Clarity Act” الموازي الذي يميز بين السلع والأوراق المالية الرقمية بموجب ذلك، تنطلق المنتجات المالية المبتكرة: يتم تداول الأسهم والسندات على سلاسل الكتل مقابل عملات مستقرة بشكل شفاف وفوري، وتنشأ أسواق تمويل لامركزي (DeFi) منضبطة قانونيًا تقدم خدمات الإقراض والاقتراض باستخدام تلك العملات المستقرة المرخصة كضمانات مقبولة. في هذا المناخ، تتحقق رؤية “مزج النظامين الماليين التقليدي والرقمي”. فمثلًا، قد تتشارك بنوك عالمية مع شركات تقنية لإطلاق شبكات مدفوعات عالمية تستخدم العملات المستقرة، وتقبل المتاجر الإلكترونية والفيزيائية على حد سواء الدفع مباشرة بتلك العملات عبر مسح رمز QR دون الحاجة لتحويلها إلى نقود محلية. على صعيد الدور الدولي للعملات، يعزز هذا السيناريو هيمنة الدولار الأمريكي كعملة احتياط رقمية. فمعظم العملات المستقرة المتداولة ستكون مرتبطة بالدولار في غياب منافسة قوية من عملات أخرى، وبالتالي يرسخ الدولار مكانته ليس فقط كعملة التجارة العالمية التقليدية بل أيضًا كعملة الإنترنت والاقتصاد الرقمي وقد أشار محللون إلى أن اتساع استخدام العملات المستقرة الدولارّية بهذا الشكل يعيد اختراع النظام النقدي العالمي بطريقة تبقي الولايات المتحدة في مركزه في الوقت ذاته، تضطر البنوك المركزية الأخرى للحاق بالركب: بعضها سيصدر عملات رقمية سيادية تضمن عدم تهميش عملاتها الوطنية، لكنها قد تتخذ شكلًا تكامليًا مع العملات المستقرة الخاصة (مثل إصدار جنيه استرليني رقمي للاستخدام المحلي بجانب السماح بالعملات المستقرة بالدولار للتجارة الدولية). دول أخرى قد تتبنى مفهوم “عملات مستقرة متعددة العملات” – سلة تضم عملات مستقرة من دول مختلفة – لتقليل الاعتماد على عملة واحدة. ومع مرور الوقت، وبفضل التعاون الدولي، قد تتبلور معايير عالمية موحدة لتنظيم وانتقال العملات المستقرة عبر الحدود بشكل سلس وآمن، وربما يتم ربط الشبكات الوطنية المختلفة ببعضها عبر جسور تقنية مشتركة. خلاصة هذا السيناريو: عالم مالي أكثر كفاءة وشمولًا، تلعب فيه الأصول الرقمية المنظمة دور البنية التحتية الأساسية، وتستفيد منه الشركات والمستهلكون عبر خدمات أسرع وأرخص، فيما تحافظ السلطات على الاستقرار عبر أطر دولية متوافقة.
سيناريو المنافسة الجيوسياسية والأنظمة المتوازية: في سيناريو آخر، قد يؤدي نجاح النموذج الأمريكي إلى استقطاب عالمي ومنافسة محمومة بين الكتل الاقتصادية الكبرى حول من يضع معايير هيمنة العملات الرقمية. فالولايات المتحدة عبر تمكين الدولار الرقمي الخاص تكون قد اختارت طريق تعزيز هيمنة عملتها دوليًا بالأدوات السوقية، مما سيدفع منافسيها لاتخاذ خطوات دفاعية وربما هجومية. الصين في هذا السيناريو تسرّع إطلاق واسع النطاق لليوان الرقمي داخل وخارج البلاد، وتبرم اتفاقات مع دول في آسيا وأفريقيا لجعله وسيلة الدفع المفضلة في التجارة البينية، محاولةً بذلك تقليص استخدام الدولار سواء التقليدي أو الرقمي. كما قد تقوم الصين برعاية تطوير عملات مستقرة باليوان تصدرها مصارف صينية كبرى وتطرحها في الأسواق الدولية كبديل آمن مدعوم من دولة قوية – نوع من “رقمنة مبادرة الحزام والطريق” ماليًا. الاتحاد الأوروبي من جانبه، الذي يتخوف من تغوّل الدولار الرقمي، قد يجد نفسه مضطرًا لتقديم اليورو الرقمي أسرع مما كان مخططًا له، وإعطائه مزايا لجذب المستخدمين (كضمانات حكومية مباشرة أو إعفاءات رسوم). في الوقت نفسه، قد يشدد الأوروبيون الضوابط على العملات المستقرة الأجنبية داخل أوروبا، كأن يفرضوا حدودًا قصوى على عدد التوكنات الدولارية المتداولة أو على حجم التحويلات المسموح بها يوميًا، لتجنب ما يسمونه “الدولرة الرقمية الزاحفة”. النتيجة ربما تكون تشظيًا للنظام المالي العالمي إلى منظومات رقمية متنافسة: منظومة تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها تتبنى الدولار الرقمي الخاص، ومنظومة أوروبية تفضل حصر المدفوعات باليورو (الرقمي أو عبر بنوكها)، ومنظومة آسيوية/صينية تدفع بعملات آسيا المحلية واليوان. هذا التنافس قد يعيق الوصول إلى توافق دولي، بل ربما نشهد اختلافًا في المعايير التقنية (سلاسل كتل غير متوافقة أو بروتوكولات تبادل بيانات مختلفة) مما يصعّب التداول الحر بين تلك الكتل بدون وسطاء. الأسواق الناشئة ستكون ميدانًا للصراع: بعضها سيرحب بالدولار الرقمي لما فيه من استقرار، وبعضها سيتعرض لضغوط من الصين أو قوى كبرى أخرى لتبنّي بدائل محلية أو إقليمية. وفي خضم ذلك، قد تظهر مخاطر جديدة؛ فمثلًا إذا تركزت احتياطيات عملات مستقرة بمقدار هائل في سندات حكومة واحدة (كالحكومة الأمريكية)، فقد يربط ذلك استقرار الأنظمة المالية للبلدان الأخرى بأداء الاقتصاد الأمريكي بطريقة أشد وطأة من الوضع الحالي. أيضًا يمكن أن يستغل فاعلون غير دول (كسماسرة المال الرقمي أو جهات الجريمة المنظمة) الثغرات بين تلك الأنظمة المتوازية لنقل الأموال عبر الحدود خارج الرقابة، ما لم يكن هناك تعاون أمني غير مسبوق. في هذا السيناريو، قد يمر العالم بفترة عدم استقرار نسبي ريثما يتضح أي نموذج سيسود، وربما تضطر المؤسسات الدولية للتدخل لنزع فتيل أزمات ناتجة عن هذه الحرب الباردة الرقمية – مثل تقلبات حادة في أسعار الصرف أو هروب رؤوس أموال إلى عملات مستقرة أجنبية بسبب عدم ثقة الجمهور بعملته المحلية.
سيناريو التطور الحذر والمزيج الهجين: هناك أيضًا احتمال أن يسلك الواقع مسارًا أقل دراماتيكية وأكثر تدرجًا. بمعنى أن تنتشر العملات المستقرة المرخصة نعم، لكن بوتيرة أبطأ من المتصور بسبب استمرار العوائق التقنية والثقافية. فقد تبقى قطاعات من المجتمع العالمي مترددة في التعامل بأموال رقمية بالكامل، مفضلةً النقد التقليدي أو الحسابات المصرفية المعهودة، خاصة في الدول الأقل نموًا رقميًا. كما قد يتبين أن تكلفة الامتثال العالية تقصر المنافسة على عدد محدود جدًا من اللاعبين، مما يخفف الزخم الابتكاري. في هذا السيناريو، يتعايش النظامان القديم والجديد لفترة طويلة: البنوك تحافظ على نسب كبيرة من الودائع التقليدية، وتستمر شبكات الدفع التقليدية بالعمل جنبًا إلى جنب مع استخدام متزايد لكن ليس مهيمن للعملات المستقرة. كذلك ربما تفشل بعض تجارب العملات الرقمية للبنوك المركزية في تحقيق تبنٍ واسع، ما يقلل الضغط التنافسي مع العملات المستقرة الخاصة ويخلق حالة توازن. أما بالنسبة للأصول المشفرة الأخرى (غير العملات المستقرة)، فقد تظل ضمن نطاقات niche معينة (مثل استخدامات متقدمة في التمويل اللامركزي) بدون أن تتحول جميع التعاملات المالية للأصول الرمزية. ويمكن في هذا السيناريو أن نشهد موجة دمج بين عالم التشفير والعالم المصرفي؛ كأن تستحوذ بنوك تقليدية على شركات إصدار عملات مستقرة أو العكس، لتوليد كيانات مالية جديدة تمزج الخبرات. وربما تتشكل تحالفات دولية لوضع ميثاق أخلاقي أو معياري للاستخدام المسؤول للعملات الرقمية لتجنب الاضطرابات، مع استمرار كل دولة في حماية مصالحها النقدية. وعلى صعيد الاستقرار، في حال وقوع أزمة مالية عالمية جديدة، قد يتضح حينها مدى قوة أو ضعف العملات المستقرة تحت الضغط: إن صمدت واستمرت بالعمل بسلاسة بينما تعاني الأسواق التقليدية، فسيعزز ذلك مكانتها مستقبلًا كملاذ آمن رقمي. أما إن تعرضت لضغوط عنيفة وفشلت إحداها (رغم الترخيص) في الحفاظ على ربطها، فسيجعل ذلك المنظمين يتريثون أكثر قبل السماح لها بلعب دور أكبر.
في المحصلة، ورغم اختلاف تلك السيناريوهات، هناك قاسم مشترك هو أن قانون GENIUS وضع الأساس لتحول هيكلي في طبيعة الأموال والبنية المالية العالمية. كثيرون يشبّهون اللحظة الحالية ببداية عصر “بريتون وودز الجديد ولكن عبر التكنولوجيا”. فكما أدى اتفاق بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية إلى هيمنة الدولار المدعوم بالذهب على النظام المالي، فإن هذه التشريعات قد تؤدي إلى هيمنة الدولار الرقمي المدعوم بالأصول عالية الجودة (سندات الخزينة) لكن الفارق الآن هو وجود تكنولوجيا لامركزية تمنح أطرافًا كثيرة القدرة على الابتكار والمشاركة في النظام النقدي، بخلاف عالم Bretton Woods المركزي. لذا سيكون المستقبل مزيجًا من الاستمرارية والتغيير: استمرارية في المفاهيم الاقتصادية (الثقة، الضمانات، السياسة النقدية) لكن بتجليات جديدة رقمية بالكامل. وستكون قدرة الدول والمؤسسات على التكيف السريع مفتاحًا لتحديد من سيجني فوائد هذا التحول ومن قد يتخلف أو يعاني من مخاطره.
8 مقارنة مع أطر تنظيمية أخرى
لإكمال الصورة، من المهم وضع القانون الأمريكي الجديد في سياق المقارنة مع النماذج التنظيمية الأخرى حول العالم، لاسيما تلك التي سبقته في أوروبا وآسيا. فبالرغم من تشابه الدوافع (حماية المستهلك والاستقرار المالي)، إلا أن التفاصيل تختلف من منطقة لأخرى تبعًا لمدارس تنظيمية متنوعة. فيما يلي مقارنة لأبرز الملامح بين قانون GENIUS الأمريكي وكل من إطار MiCA الأوروبي والنهج الياباني، إلى جانب إشارات لأطر أخرى خيث يتوجب ذلك:
النطاق والشمولية: يتميز القانون الأمريكي (GENIUS) بكونه مختصًا بفئة العملات المستقرة المدفوعة فقط، بينما إطار MiCA الأوروبي أشمل منه بكثير؛ إذ يغطي تقريبًا جميع أصناف الأصول المشفرة (بما فيها العملات المستقرة بأنواعها، والرموز الأخرى القابلة للتداول، ومنصات التداول والحفظ) هذا يعني أن المشرع الأوروبي اعتمد مقاربة شمولية موحّدة بتنظيم السوق الرقمي بأكمله ضمن قانون واحد، في حين قسمت الولايات المتحدة التنظيم إلى حزم تشريعية متعددة (حزمة للعملات المستقرة = GENIUS، حزمة لهيكلة السوق = CLARITY Act، إلخ). الميزة في النهج الأمريكي أنه أتاح تركيزًا وتفصيلًا أكثر دقة في مجال محدد (العملات المستقرة) دون تأخير بقية الأجندة. أما النهج الأوروبي فوضع مبادئ عامة ثم لوائح تفصيلية لكل فئة، متيحًا تطبيقًا متناغمًا عبر الدول الأعضاء لكنه ربما أقل مرونة بالتعديل السريع. على الجانب الياباني، كان الإطار الذي وُضع عبر تعديل قانون خدمات الدفع 2022 أيضًا مركّزًا نسبيًا؛ حيث عرّف فئة اسمها “أدوات الدفع الإلكترونية” تشمل العملات المستقرة المرتبطة بعملات ورقية، ولم يتطرق لبقية الأصول المشفرة (التي ظلت تحت تنظيم منفصل كأوراق مالية أو أصول رقمية تقليدية). وهكذا نرى تمايزًا: أمريكا واليابان بدأتا بتنظيم العملة المستقرة كأولوية منفصلة، بينما أوروبا وضعت إطارًا موحدًا متعدد الأجزاء.
هوية الجهات المسموح لها بالإصدار: من أكثر النقاط اختلافًا هي من يستطيع إصدار عملة مستقرة قانونيًا. قانون GENIUS الأمريكي فتح الباب للبنوك وغير البنوك على حد سواء شريطة الترخيص والامتثال، وإن فرض قيودًا خاصة على الشركات التجارية غير المالية (تحتاج موافقة عليا خاصة للإصدار كما ذكرنا) في المقابل، اليابان انتهجت نهجًا محافظًا باقتصار الإصدار على كيانات مصرفية أو شبه مصرفية فقط: فالقانون الياباني يسمح للمصارف المسجلة وشركات تحويل الأموال المرخّصة وشركات الائتمان بإصدار عملات مستقرة مقومة بالين أي أن اليابان عمليًا منعت شركات التكنولوجيا أو الاستثمار البحتة من الإصدار، مجبرةً إياها على التعاون مع بنك أو التحول لمؤسسة مالية بنفسها. الاتحاد الأوروبي (MiCA) يقف في الوسط: فهو يسمح نظريًا لأي شركة تؤسس كيانًا في أوروبا وتلبي شروط رأس المال والاحتياطي أن تطلب ترخيص كمُصدر رموز مشفرة – بما في ذلك العملات المستقرة – دون اشتراط أن تكون بنكًا، ولكن بالمقابل وضع توجهًا أنه بالنسبة لفئة الرموز النقدية الإلكترونية (أي العملات المستقرة المربوطة بعملة ورقية) يفضَّل أن يكون المُصدر مؤسسة مالية تقليدية (كالبنوك وشركات النقود الإلكترونية) وتميز MiCA أيضًا بين العملات المستقرة المرتبطة بعملات الاتحاد الأوروبي (اليورو مثلاً) وتلك المرتبطة بعملات أجنبية؛ حيث شدد أنه إن كانت العملة المستقرة ترتبط باليورو تحديدًا فهي تقع تحت تنظيم نقدي أكثر صرامة كالنقود الإلكترونية العادية. إذن فعلى صعيد الإصدار: أمريكا = خليط من المصرح لهم (مع أفضلية مبطنة للبنوك من خلال مزايا معينة)، أوروبا = سماح واسع لكن بشروط رأس مالية وتنظيمية قوية وربما قيود خاصة لو كانت باليورو، اليابان = حصر على البنوك ومثائلها

تجدر الإشارة أيضًا إلى أن جميع هذه الأطر – الأمريكي والأوروبي والياباني – تمنع بشكل أو بآخر النماذج الخطرة مثل العملات المستقرة الخوارزمية أو غير المضمونة بأصول ملموسة. فالقانون الياباني استبعد بوضوح العملات ذات الخوارزم (واعتبرها أصول تشفير عادية خارج إطار “الدفع”)، وMiCA الأوروبي يُلزم أي مُصدر لعملة مستقرة بالحفاظ على احتياطي ملموس مساوي للقيمة ومنع منح أي حوافز ربحية تربطها باستثمارات، مما يغلق الباب على فكرة الخوارزميات التي تحافظ على السعر عبر البيع والشراء الذاتي. والأمريكي بالطبع يشترط 100% أصول عالية الجودة مما لا يترك مجالًا لأي آلية خوارزمية بحتة.
المتطلبات الاحتياطية وحماية المستهلك: من حيث نسب الاحتياطي وأنواعه، converged هذه الأطر بشكل عام على وجوب الاحتياط الكامل أو شبه الكامل بأصول قليلة المخاطر. قانون GENIUS يطلب احتياطي 100% بأصول سائلة (نقد أو سندات حكومية قصيرة)، وكذلك MiCA يتطلب تغطية 100% لقيمة الإصدار باحتياطيات من أصول منخفضة المخاطر قابلة للتحويل سريعًا إلى نقد. الفارق أن MiCA يسمح بأنواع أكثر تنوعًا قليلًا (مثلاً سندات حكومية طويلة الأجل ربما بشرط معين، أو ودائع مصرفية مؤمنة) ولكنه يترك التفاصيل للسلطات الأوروبية التنفيذية لتحددها. اليابان لم تنص رقم 100% صراحة لكنها ضمنًا موجودة إذ تشترط حق حامل العملة المستقرة في استرداد قيمتها الإسمية كاملة في أي وقت، مما يعني ضمناً أنه يجب على المُصدر الاحتفاظ بسيولة أو ضمانات تتيح ذلك. أضف أن اليابان تدرس فرض تواجد أصول احتياطية داخل البلاد تعادل ما يصدره أي مُصدر أجنبي ترغب منصة يابانية في توزيعه، لضمان سهولة الوصول لتلك الضمانات عند الحاجة. في حماية المستهلك، تتشابه القواعد في النص على حق الاسترداد (أي يمكن للحامل دائمًا تحويل العملة المستقرة إلى قيمتها من العملة الأصلية مباشرة عبر المُصدر أو وكلائه) – وهذا حاضر في الثلاثة. كما تتفق على حظر منح فائدة للمستهلك على حيازته للعملة المستقرة منعًا لخلطها بمنتجات ادخارية: MiCA الأوروبي يحظر صراحة أي توزيع أرباح أو فائدة لحملة الرموز النقدية الإلكترونية، والقانون الياباني يعتبر أي أداة تدفع فائدة تقع تحت تعريف الأوراق المالية التقليدية وليس “أداة دفع”، والأمريكي يمنع ذلك على الأقل للجهات غير المصرفية. كل الأطر أيضًا تتضمن متطلبات إفصاح دورية: الأمريكي شهري، الأوروبي فصلي على الأقل مع تقارير احتياطيات مدققة، الياباني عبر نماذج سيحددها المنظم ولكن مع فرض تسجيل الجهة وتقديم بيانات مالية.
الرقابة والإشراف: نموذج الولايات المتحدة يعتمد نهجًا مزدوجًا اتحادي/ولائي كما فصلنا، مع إنشاء لجنة تنسيق عليا، الاتحاد الأوروبي بالمقابل يتبع نموذج الاتحاد/الدول الأعضاء المعروف في تنظيمه المالي: حيث تضع هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية (ESMA) مع الهيئة المصرفية الأوروبية (EBA) القواعد التفصيلية وتشرفان على بعض الكيانات الكبرى (خاصة المُصدِرين ذوي الحجم الكبير المصنفين “ذات أهمية معنوية”)، لكن التنفيذ اليومي والرقابة المستمرة تُترك للجهات الوطنية (كالبنك المركزي الفرنسي أو هيئة الأسواق الألمانية) بحسب مقر كل جهة مصدرة. والتنسيق يتم عبر مجالس تجمع ممثلي الدول لتوحيد القرارات قدر الإمكان. نموذج اليابان مركزي بالكامل تقريبًا: فوكالة الخدمات المالية (FSA) هي التي تسجّل الجهات وتراقبها بالتعاون مع البنك المركزي فيما يخص الجوانب النقدية. نقطة جديرة بالذكر: الأوروبيون وضعوا في MiCA سقوفًا رقمية تجعل الرقابة أشد تلقائيًا على أي عملة مستقرة تتجاوز حجم تداول معين أو قاعدة مستخدمين معينة (وأعتقد أن هذا الرقم يقارب 10 ملايين يورو تداول يومي للعملات الخاصة بعملات غير أوروبية) – فيتوجب على مصدرها إجراءات إضافية وربما قيود على إصدار كميات جديدة. الأمريكيون لم يضعوا سقوف تداول لكن وضعوا تمييزًا تنظيميًا كما أسلفنا (جهات تتجاوز 10 مليار من القيمة تصبح تحت فيدرالي إلزامًا). واليابان وضعت نظريًا قيدًا ضمنيًا على العملات الأجنبية (إمكانية إلزام أي مُصدر أجنبي بإبقاء أصول داخل اليابان تعادل ما يصدره)، هذه كلها انعكاسات لقلق مشترك: منع الهيمنة المفرطة لعملة مستقرة أجنبية أو خاصة على الاقتصاد المحلي. كذلك، في جانب مكافحة الجريمة المالية: الثلاثة تجمع على تطبيق كامل لقواعد اعرف عميلك (KYC) ومكافحة غسل الأموال على المصدرين ومشغلي المحافظ. الأمريكي اشترط حتى على المصدرين الأجانب الامتثال لـBank Secrecy Act الأمريكي قبل خدمتهم عملاء داخل أمريكا، والأوروبي اشترط تسجيل مقدمي خدمات الأصول المشفرة وامتثالهم لقواعد AMLD (التوجيه الأوروبي لمكافحة غسل الأموال) عند أي تعامل بالعملات المستقرة، واليابان أضافت في قانونها الجديد متطلبات على الوسطاء (المنصات) للتحقق والإبلاغ.

تعامل الأنظمة مع بعضها (تكامل أو قيود): القانون الأمريكي لديه ميزة الانفتاح المشروط على الأنظمة الأخرى: أي أنه يقبل وجود مصدرين أجانب بشرط أن يخضعوا لنظام “مكافئ” هذا يعني ضمنًا أنه إذا جاء مصدر مرخص في أوروبا تحت MiCA مثلًا، واعترف به وزير الخزانة (بتوصية اللجنة) كجهة مكافئة، فيمكنه العمل في أمريكا، الأوروبي بالمقابل ليس فيه حالياً نظام اعتراف مباشر بالجهات الأجنبية، بل يشترط أن أي جهة غير أوروبية تريد إصدار عملة مستقرة لمستخدمين أوروبيين تنشئ كيانًا في أوروبا وتتقدم للترخيص هناك. هذا قد يتغير مستقبلاً عبر اتفاقيات تكافؤ بين أوروبا وأمريكا لو حصل تنسيق سياسي. اليابان، كما أوضحت، لا تمنع المنصات اليابانية من التعامل بعملات مستقرة أجنبية لكن تضع قيودًا تجعل ذلك صعبًا إذا لم يكن للمصدر وجود ما في اليابان، على سبيل المثال USDC كانت غير متاحة رسميًا في اليابان لحين دخول القانون حيز التنفيذ ووضع لوائح تكميلية ربما. إذن، التنقل عبر الحدود للعملات المستقرة قد يكون أسهل ضمن مناخ القانون الأمريكي (إن حدث اعتراف رسمي بالأنظمة الأخرى) بينما الأوروبي أكثر حمائية حتى الآن. لهذا طالب بعض خبراء القطاع بإبرام اتفاقيات دولية لترتيب الاعتراف المتبادل لتجنب ازدواجية الترخيص للشركات الكبرى.
بشكل عام، رغم الاختلافات التفصيلية، هناك تقارب في المنطلقات والأهداف بين هذه الأطر. الكل يُجمع على ضرورة حماية المستهلكين والتأكد من استرداد أموالهم كاملة، وعلى منع أي مخاطر عدوى قد تؤثر على النظام المالي الأوسع. وقد ذكر تقرير لمجلس الاستقرار المالي أن معظم التشريعات الوطنية، بما فيها الأمريكية والأوروبية واليابانية، باتت تتبع مبدأ “نفس المخاطر، نفس القواعد” عند التعامل مع stablecoins، أي أن العملة المستقرة التي تؤدي وظيفة شبيهة بالودائع أو النقود يجب أن تواجه اشتراطات سلامة مثلها مثل تلك المنتجات التقليدية. بالطبع، سيظل اختبار التطبيق العملي هو الحكم النهائي على نجاعة كل نموذج. وقد تتعلم كل منطقة من الأخرى: فمثلاً لو نجح النظام الأمريكي في جذب ابتكار واستثمارات دون حصول مشكلات، ربما تخفف أوروبا قيودها لجذب منافسة أكبر، والعكس صحيح. أما الدول الأخرى مثل سنغافورة وسويسرا وبريطانيا، فهي تسير في ركب تطوير أطرها الخاصة أيضًا بمرجعية تستقي من هذه التجارب. سنغافورة أصدرت إرشادات في 2022 تشبه حد بعيد متطلبات الاحتياطي 100% والإفصاح، سويسرا تعاملت مع العملات المستقرة كظاهرة ضمن إطار عمل بنوكها الخاصة وأخضعتها لقوانين البنوك إن كانت مدعومة بعملات ورقية. وبريطانيا كما أسلفنا على وشك إصدار تنظيم سيصنفها ويضعها تحت إشراف بنك إنجلترا وهيئة السلوك المالي. في المحصلة، يمكن القول إن قانون GENIUS الأمريكي يجسد اتجاهًا عالميًا نحو دمج الأصول الرقمية في المنظومة المالية التقليدية ضمن قواعد واضحة. ورغم خصوصية كل نموذج وبيئة، هناك قدر كبير من التوافق الدولي حول المبادئ الأساسية للتنظيم. وربما سيكون التحدي والأفق التالي هو تحقيق التناغم والاعتراف المتبادل عبر الحدود، بحيث لا تصبح الاختلافات القانونية عقبة أمام استفادة الناس والشركات من مزايا هذه التقنيات الجديدة على المستوى العالمي، وفي نفس الوقت الحفاظ على الاستقرار والشفافية أينما استُخدمت هذه الأصول

قائمة المراجع:
أولًا: وثائق رسمية وتشريعية أميركية
1. U.S. Congress. (2025). GENIUS Act – Guiding and Establishing National Innovation for U.S. Stablecoins (Final Bill Text). Washington, DC.
2. House Financial Services Committee. (2023). Markup of “Clarity for Payment Stablecoins Act of 2023”.
3. President’s Working Group on Financial Markets. (2021). Report on Stablecoins. U.S. Department of the Treasury.
4. U.S. Securities and Exchange Commission (SEC). (2022). Commissioner Hester Peirce’s Statements on Crypto Regulation and the Howey Test.

ثانيًا: تقارير تحليلية ومهنية
5. Bloomberg. (2025). “Crypto Law Advances in U.S. House With Bipartisan Support”.
6. CoinDesk. (2025). “What’s Inside the GENIUS Act: Key Provisions and Market Implications”.
7. The Block. (2024). “Circle, Coinbase Push for Federal Stablecoin Oversight”.
8. Reuters. (2025). “Trump Vows to Make U.S. Global Crypto Leader”.
9. Wall Street Journal. (2023). “The Race to Regulate Stablecoins”.
10. Fortune. (2025). “Why U.S. Crypto PACs Spent Over $119 Million in 2024 Elections”.

ثالثًا: مصادر تنظيمية دولية
11. European Commission. (2023). Markets in Crypto-Assets Regulation (MiCA) – Official Regulation Text.
12. European Central Bank. (2024). Digital Euro – Progress Report & Policy Reflections.
13. Japan Financial Services Agency (JFSA). (2022). Amendments to the Payment Services Act: Stablecoins Framework.
14. Monetary Authority of Singapore (MAS). (2022). Proposed Regulatory Approach for Stablecoins.
15. Hong Kong Monetary Authority (HKMA). (2025). Stablecoin Regulatory Framework Ordinance.

رابعًا: منظمات دولية
16. Financial Stability Board (FSB). (2023). High-Level Recommendations on Global Stablecoin Arrangements.
17. International Monetary Fund (IMF). (2022). Global Financial Stability Report – Crypto and Stablecoins Chapter.
18. Bank for International Settlements (BIS). (2023). Stablecoins: Risks, Regulation and Design Choices.
19. Atlantic Council. (2025). Central Bank Digital Currency (CBDC) Tracker.

خامسًا: دراسات ومقالات تحليلية متخصصة
20. Arner, D. W., Zetzsche, D. A., Buckley, R. P., & Barberis, J. N. (2022). Regulating Stablecoins: Pragmatic Principles. University of Hong Kong Law Working Paper.
21. Perdue, J. (2023). The Global Race to Regulate Crypto: A Comparative Overview. Crypto Law Review.
22. Allen, H. J. (2023). The Risks of Token-Based Dollarization. Harvard Law School Forum on Corporate Governance.
سادسًا: بيانات صحفية ومصادر تقنية
23. Circle. (2025). USDC Transparency and Monthly Reserve Reports.
24. Tether. (2025). USDT Reserve Assurance Reports and Regulatory Disclosures.
25. Coinbase Blog. (2024–2025). Policy Updates and Stablecoin Strategy Posts.