المهندس ساسين القصيفي
معَ اعتِلاءِ دونالد ترامب، كُرسيِّ الرئاسةِ، شهِدَت العاصمةُ الأميركيَّةُ، زَحمَةً زُوَّارٍ بارزين. وقد كانَ رئيسُ الوزراءِ الإسرائيليِّ، أوَّلَ الضيوفِ في البيت الأبيضِ. ثم تَبِعهُ جلالةُ الملكِ الاردنيِّ، عبدالله بن الحسين وَوَليُّ عهدِهِ، وذلك في دلالةٍ على عمقِ التَّحَالُفِ بين الدولتَيْن. وكانت القضيَّة الفلسطينيَّة وسُبُل إحلالِ السَّلام في الشَّرقِ الأوسَطِ، أبرزَ المواضيع المطروحة.
وعلى وقعِ التسريباتِ الإعلاميَّةِ، عن إيجابيَّاتٍ في المحادثاتِ الأميركيَّة الروسيَّة، والتي جرت في السعوديَّة مؤخَّرًا، مع الحديث عن إمكانيَّةِ لقاءٍ قَريبٍ، بين ترامب وبوتين، لوقف الحرب الروسيَّةِ الأوكرانيَّةِ، تقاطرَ الزُّعماءُ الأوروبيِّون الى البيتِ الأبيض، محاولينَ تَوْجيهَ الإندفاعَة الترامبيَّة، بما يَحفظُ سرديَّتَهُم وَدَوْرَهُم.
وهكذا، وفي أقلِّ من أسبوعٍ، التقى الرئيسُ الاميركيُّ، ثلاثةً من الزعماءِ الأوروبيِّين. فكان الرئيسُ الفرنسيُّ ماكرون، أوَّلَ الزَّائرين، ثمَّ تَبِعَهُ رئيسُ الوزراءِ البريطانيِّ، كما والرئيس الأوكراني زيلينسكي. وطبعًا، كان التحريضُ على استمرارِ دعمِ أوكرانيا، هو الطَّبَقُ الأساسُ على مائدَةِ المباحثاتِ.
من جهَّتِهِ، لم يخفِ ترامب يومًا، مقاربتَهُ المختلفَة، لحَلِّ الأزمة الأوكرانيَّة. وقد قال مِرارًا بِوُجُوب وَقفِها، وبِدْءِ مفاوضاتٍ بين الطرفيْنِ، وقد تجلَّى ذلك بوضوحٍ خلال اجتماعه الأخيرِ مع زيلينسكي.
لم يتبصَّر الأوروبيُّون بعدُ، مدى التغيِّيرِ الذي حدثَ في مركز القرارِ الأميركي. فأميركا أصبحت بمكانٍ آخرٍ في إدارة السياسة العالميَّة. فهي تحدِّقُ في القُطبِ الصينيِّ، الذي يمثِّلُ منافسًا شرسًا لها، بينما الأوروبيُّون ما زالوا يتناكفون بذهنيَّة الحربِ الباردَةِ، ومن دون أفآقٍ مُستقبليّةٍ، لِحِفظِ الدورِ الحضاريِّ. كما وأنَّ أغلبهَم مُنشغِلٌ بِصَغائِرِ الأمور، من حقوق المثليِّين الى التغيِّير الجَنْدَريِّ… وغافلين عن الخطر الحقيقي الذي يُداهِمُهم من الدَّاخلِ.
من ناحيةٍ أخرى، يبقى أهمُّ عاملٍ حاسمٍ، في الاستراتجيَّةِ الأميركيَّةِ، تُجاهَ الصِّينِ، هُو العملُ على تفكيكِ الحِلفِ الروسيِّ الصينيِّ، وإعادةُ اجتذابِ روسيا الى المِحورِ الغربيِّ، في هذه المُجابَهَةِ المُتعدِّدةِ الأضلعِ، والطويلة الأمَدِ، مَعَ هذا التنِّينِ الصَّاعد، والتي بِنَتيجتِها، ستُحَدَّدُ مصائر الكثيرِ من الاُمَمِ، في الحريَّة والديمقراطيَّة وحقوق الإنسان… إضافةً الى قيادةِ العالم لعقودٍ طويلةٍ نحو تطوير القِيَمِ الإنسانيَّةِ والفُتُوحاتِ العلميَّة…ِ
وفي النهايةِ،
هذه هي أميركا،
حيث كيفما هَمَسَ سيِّدُها، يَتَرَدَّدُ الصَّدى في القريةِ الكونيّةِ كلَِّها.
أصدقاؤها دائمًا قلقون، لأنََّ وسادتَها شائكةٌ ومِزاجيَّةُ.
أمَّا أعداؤها، فَيَتَحَسَّسون دائمًا رِقابَهُم، وَلَهُم في الحاضرِ والماضي شَوَاهِدَ كثيرة.
وها هي الصِّينُ، تتفرَّسُ في مَشهديَّةِ تجارِبِ الآخرين المؤلمَةِ، فَتَتَوَجَّسُ السِّينارُيوهاتِ الموجِعةِ.
وفيما النتيجةُ، لن تَنْجَلِيَ إلا في المستقبَلِ، فالتاريخُ يُعَّلِّمُ،
أنَّ الأمَمَ الديمقراطيَّةَ، تتفوَّقُ على الأنطمةِ الديكتاتوريَّة، مهما كبا الزَمن،
وأنّّ العقلَ الحرَّ والمُبدِعَ والخلَّاقَ، ينتصرُ على الفكرِ النَمَطيِّ الأحاديِّ الشُّموليِّ، مهما غَفَلَت الأوانُ.





