أميركا والصِّين… المُواجَهَةُ المستمرَّةُ


المهندس ساسين القصيفي


في عُهدَتِهِ الجديدةِ، عادَ الرئيسُ الأميركيُّ دونالد ترامب، الى المكتبِ البَيْضاويِّ، لِيَكتَشِفَ عالَمًا مُختلِفًا، مع عَوائقَ مغايرةٍ، لتلك التي صادَفتهُ، زَمَنَ ولايتِهِ الأُولى.
فهناك الحربُ في أوكرانيا، ومشكلةُ الشَّرقِ الأوسَطِ المُتفَجِّرة، مَعَ تفرُّعاتِها الإقليميَّة… ولكن يبقى التحدّيَ الأكبرَ للولاياتِ المتَّحدة، هو كيفيَّةُ جَبْهِ اندفاعةِ الصِّين، على المستوى الإقتصاديِّ والسياسيِّ والعسكريِّ…
فَبِالرُّغْمِ من أنَّ الصينَ، لم تَتَعافَ بعدُ كليًّا، من أثارِ جائحةِ كورونا، وما زالَ اقتصادُها مُتَّجِهًا الى تَبَاطؤٍ كبيرٍ، وما فَتِئت سلاسلُ التوريدِ تشهدُ ارتباكاتٍ داخليَّةً، فهي ما بَرحَت القوَّةَ الثانيَةَ عالميًّا.
الى ذلك، يُصنِّفُ بعضُ الخبراءِ الإقتصاديِّين، أزمةَ الصِّينِ الإقتصاديَّةِ بالبُنيَوِيَّةِ، إذ إضافةً الى العناصِرِ المَوضوعيَّةِ المُقَيِّدَةِ لإقتصادِها، تكشَّفت في السِّنين الاخيرةِ، مشاكل ذاتيَّةٍ مُثَقِّلَةٍ للنمو، مثل الهيْكليَّةِ البيروقراطيَّةِ، إلى الفَسادِ الإداريِّ المُستَشْري، الى القَضاءِ الغيرِ شَفَّافٍ… وأصبحت كلُّ هذه العواملُ المُتجمِّعَة، تُؤرِّقُ أصحابَ الرساميلِ الأجنبيَّةِ وَالوَطنيَّة.
وفي التفاصيلِ،
انخفضت مساهمةُ الصِّينِ، إلى حَوالَيْ 16% من الناتِجِ الإجماليِّ العالميِّ، بعدما كانت سنة 2021 تَفوقُ 18%. زِدْ على ذلك، فإنَّ اقتصادَها يُواجِهُ تراجُعًا في النُمُوِّ وصولًا الى الركودِ، خاصةً في قطاع العقاراتِ، مع تَدَنٍّ مَلْمُوسٍ، في مؤشِّر الاستهلاكِ الدَّاخليٍّ. وقد بدأُت ترتَسمُ صورةً قاتمةً، لِمُستقبلِ الإنتعاشِ الإقتصاديِّ الصينيِّ، خاصةً مع انخفاضِ الطَّلَبِ على السَّنداتِ الحكوميَّةِ وتَفَاقُمِ ظاهرةِ نزوحِ الإستثماراتِ الأجنبيَّةِ الى خارجِ البَرِّ الصينيِّ. كما وإنَّ الدَّيْنَ الصِّينِيّ الإجماليّ، فاقَت نسبتُهُ 110% من الناتجِ المَحَلِّيِّ لِسنَة 2024. وهي نسبةٌ تتخطّى الخطَّ الأحمرَ النَّفسيَّ، المَعمُولُ به.
من جهةٍ أخرى، يَلحَظُ المتابعُ، تأنٍّ صينيٍّ في التعاطي مع التَّحدِّياتِ. فهي لم تندفع في مُغامراتٍ عسكريَّةٍ غيرَ محسوبَةٍ، بل فضَّلت الإستثمارَ والمُنافسةَ في التكنولوجيَّاتِ والذكاء الإصطناعي، حيث حقَّقَت نجاحاتٍ باهرةً.
بالمقابل، فإنَّ الرئيسَ ترامب، سَيَعودُ الى خُطَّتِهِ السَّابِقَةِ، في مَنْعِ تصديرِ التكنولوجيَّاتِ الحسَّاسَةِ والمُتطوِّرَةِ، الى الصِّينِ، وخاصةً أشبَاهَ المُوصِلاتِ. ومن المُرجَّح، أنَّهُ سيلجأُ الى فرضِ تعريفاتٍ جُمرُكيَّةٍ إضافيَّة، على البضائِعِ الصينيَّة، ما لَم تَزِدْ الصِّينُ، من مُستورَدَاتِها من أميركا، ممَّا سيُعمِّقُ الفَجْوَةَ التنمويَّة.
ويبقى السؤالُ الأصعَبُ، هل سَيَستَطيعُ الغربُ، شدَّ الخناقِ الإقتصاديَّ حول العُنُقِ الصِّينِيِّ، وهي ما زالت تستوردُ النفطَ والغازَ من روسيا وإيران بأبخَثِ الأسعار؟!
فهل سيفطنُ ترامب، المَزهُوُّ دائمًا بِصَفقاتِهِ، للسَّعي الجَدِّيِّ، الى وقفِ الحربِ في أوكرانيا، وانتشالِ بوتين من المُستنقَع الذي أوقَعَ نفسُهُ فيه ، وإعادَةِ استيعابِ روسيا، واستطرادًا إيران، في البَوْتَقةِ الغربيَّةِ، لكي يكسَبَ المُواجهَةَ مع الصين ؟!
المسألةُ شائكةٌ، والعالَمُ يفتقدُ، شرقًا وغربًا، الى قاماتٍ سياسيَّةٍ كبيرةٍ، وهاماتٍ من أصحابِ الرؤى الإستراتجيَّة، فيما عاملُ الوقتِ ليس في صالحِ هذه المُهِمَّةُ الصَّعبةُ…