ريمون مرهج
حينما تكثر الهموم عليك، حينما تشعر بألم نفسي كبير ويغدو اليأس مسيطراً على روحك، ويصبح العالم ثقيلاً على يومياتك فتتمنى الراحة والسكينة ولو للحظات تعتزل فيها عن رؤية كل البشر، إلا شخصين: أمك وأباك، وترغب في الإبتعاد عن كل الأماكن إلا منزل والديك هناك حيث وُلدت وترعرعت، هناك حيث رضعت الحنان وارتويت من البراءة، الصدق والأمان.
في بيت أهلك تتنشق رياح الحرية وترتوي بترياق السلام، تشعر بالطمأنينة والسكون فتتنهّد الدَعَة وراحة البال. والداك يفتحان قلبيهما قبل أيديهما بشغف لملاقاتك ويدركان ثقل همومك من دون أن تتكلم، فيغمرانك بنظراتهما وبعطفهما. تسرع أمك لتحضير الشاي أو القهوة لك، بينما أبوك يبتسم لك بفرح وحب عظيم ويسألك عن حالك ثم يكمل لك بنصائح وعبارات تجبر خاطرك وتهدىء نفسك من دون معرفة أساس الهموم والمشاكل التي أصابتك. تنظر إلى والدتك فتشعر بسعادتها لحضورك وتراها مرتبكة في تقديم كل الأطايب لك، ثم تسارع في الإطمئنان عليك وعن أسرتك إن كنت متزوجاً. بعد لحظات الإستقبال يشرعان في بث الفرح تارة بالمزاح وتارة بالشكوى على بعضهما لك وكأنك غدوت والدهما. في بيت والديك واحة أمان هناك تستكين وتستذكر طفولتك وأيام صباك: فهنا في الدار كنت تلعب وترسم، وهناك في غرفة النوم سريرك حيث كنت تنام ولا تستيقظ إلا بعد أن تناديك أمك مراراً. وفي المطبخ كنت تنتظر أشهى المأكولات التي أعدتها والدتك وكيف كنت تسرق من الخزانة بعضاً من الحلويات خلسة فتعلم أمك بأمرك وتضحك سراً. وفي غرفة الجلوس كان والدك الحنون يلعب معك احياناً ويحملك على ظهره أو يشاغب معك في تشابك الأيدي، فيجعلك دوماً تربح ليُشعرك أنك بطل وعظيم.
في بيت أهلك هناك موطنك، هناك لحظات لا تقدر بكنوز العالم ولا يقدر أن يشعر أحد بها سوى أنت فقط. وعندما يرحل والداك عن الدنيا تصبح وحيداً، وكلما ضاقت بك الدنيا تجلس متأملاً تلك الأوقات الحميمة الغالية فتشعر بدفئهما وحضنهما وهما بعيدان في السماء.




