Skip to content Skip to footer

هَفَوَاتُ ماكرون السِّياسيَّةُ

المهندس ساسين القصيفي

في المؤتمرِ الدَّولي، الذي دعَت اليه فرنسا، في الذكرى السَّنويَّة الثانيةِ، لاندلاعِ الحربِ في أوكرنيا، صرَّحَ الرئيسُ الفرنسيُّ إيمانويل ماكرون، عقبَ اجتماع قادةِ ومُمَثِّلي 28 دولة غربيَّة في قصر الإليزيه، بضرورةِ إيجادِ تَحَرُّكٍ غربيٍّ فَوْريٍّ، يَحُولُ بين روسيا وتَحقيقِ النَّصرِ في أوكرانيا، حتَّى ولَوْ تَطَلَّبَ الأمرُ، حَسبَ زَعمِهِ، إرسالَ قوَّاتٍ من دُوَلِ حِلفِ الناتو، لِتُقاتلَ مع الأوكرانيِّين!
ولم يتأخَّر الرَّدُّ الروسيُّ، إذ علَّقَ الناطقُ الرسميُّ باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، على المُقترَحِ الفرنسيِّ، مُحذِّراً ومُهدِّدًا بقوله: «إذا أرسلَ الناتو قوَّاتٍ للقتالِ في أوكرانيا، فإنَّ الحربَ ضِدَّ الحُلفاءِ، ستكون حتميَّةً، وليست احتماليَّةً».
باتت السياسةُ الخارجيَّةُ الفرنسيَّةُ، تَتَخَبَّطُ في الكثيرِ من الهَفَواتِ الرئاسيَّةِ للسيِّد ماكرون. فَقَبلَها، كان قد صرَّحَ، في أُولَى أيَّامِ حربِ غزَّة، بِوُجوبِ إنشاءِ تَحالفٍ دَوليٍّ، لِمُحاربَةِ حَركةِ حَماس الارهابيَّة، حسب قوله. كما وإنَّ هذه الغشاوَةَ في السياسيَّةِ الخارجيَّة، كانت بارزةً، في مقاربَتِهِ لِمَوضوعِ الانتخاباتِ الرئاسيَّةِ في لبنان، حيث غلَّبَت فرنسا، مصلحتَها الاقتصاديَّةَ في مُقارباتِها السِّياسيَّةِ. وربَّما هذا قد اظهرَ، درجةَ الفشلِ في التَّقيِّيمِ الذَّاتي، لِحَجمِ الدَّورِ ومَدى التأثيرِ. وكذلك كان التَّعَثُّرُ نصيبَ سياسةِ ماكرون، في موضوعِ تفجيرِ المَرفأ، حيث اقتصَرَ دورُهُ، على استعراضٍ فلكلوريٍّ، فوقَ رُكامِ أحياءِ بيروت المُدمَّرةِ، ولم تلامِسَ النفوسَ المَكلومَةَ للجماهيرِ، التي استقبلتْهُ كمنقِذٍ في تلك المرحلة. فكان ان أمطَرَ وسائلَ الإعلامِ بِوافرٍ من التَّصريحاتِ، التي لم تُغنِ عن جوعٍ ولم تُسمِن هزيلٍ…
طبعًا، في الموضوعِ الأوكرانيِّ، سارعَت المؤسَّساتُ السياسيَّةُ الفرنسيَّة، الى قراءةٍ توضيحيَّةٍ، نافيةً انَّه قصدَ الحربَ مع روسيا. كما وإنَّ الزعماءَ الغربيِّين، قد بادروا بدورهِم، الى رفضِ هذا المُقتَرَحِ الغَيْرِ بنَّاءٍ. وكانت التعليقاتُ انَّ هذه الدَّعوةَ، تَظَلُّ خارجَ سياقِ الواقعِ، وباعثةً حقًّا على القلق.
يَضعُ بعضُ المراقبين، هذه السياسةَ المُتشدِّدةَ لِماكرون تُجاهَ بوتين، بمحاولتِهِ لعبِ دورٍ قياديٍّ في أوروبا، لعَلَّها تُنقذُ شعبيَّتَهُ المُتراجعَةَ كثيرًا في الدَّاخل الفرنسي. وهذا التَّهوُّرُ الفرنسيُّ في السِّياسةِ الخارجيَّة، أفقدَ فرنسا دورًا بنَّاءً ومُستقلًّا، كان من المُمكن ان تلعبَهُ، على الصَّعيدِ الدَّوليِّ، على خُطى أسلافٍ كبارٍ من قبلُ، مثل ديغول او ميتران…
فرنسا، والكثيرُ من الامبرطوريَّات السَّابقَةِ، باتت تنزلِقُ مُسرعَةً في التَّحوُّلِ الى دُولٍ عاديَّةٍ، يُديرُ فَوْضاها، “رجالٌ” أقلُّ من عاديِّين،
ولَمْ يَتَبّقَّ لهذه الدُّولُ، إلا الغوص في الذاكرةِ، من أجلِ التَّعويضِ عن مجدٍ، باتَ مفقودًا.
10 اذار 2024

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.