أخطأتِ كلُّ الإداراتِ الأميركيَّةِ المُتَعاقبَةِ، بِدءًا من إدارةِ اوباما، في وهْمِ قُدرةِ أميركا، على الانسحابِ من مَنطقةِ الشَّرقِ الأوسطِ، هذه المَنطقةُ التي هَيمَنَت على أجندةِ الأمنِ القوميِّ الاميركيِّ، منذ بداياتِ الصُّعودِ الأميركيِّ، كقوَّةٍ دوليَّةٍ عُظمى.
وما الحربُ حاليًّا في الشَّرقِ الاوسطِ، إلا إيذانًا بنهايَةِ حِقبةِ التردُّدِ الأميركيِّ، وبِدءِ مرحلةِ الانخراطِ الواضحِ، وذلك مع انتشارِ حاملاتِ الطَّائراتِ والغوَّاصاتِ الاستراتجيَّة، إضافةً الى أسرابٍ من الطائرات المُتطوِّرَةِ في القواعِدِ الاميركيَّةِ، المُنتشرةِ في مُعظمِ بُلدانِ الإقليمِ، والتي لعبت دورًا رادعًا واضحًا في نزاع غزَّةٍ، معَ مُشاركةِ البَّعضِ منها، في القصف على العراق وسوريا واليمن.
خَسِرت أميركا الكثيرَ من مِصداقيَّتِها، في علاقاتِها بِحُلفائِها الإقليميِّين، في العقْدِ الأخيرِ، بِسَبَبِ جموحِ تفكيرٍ غير واقعيٍّ، لهُ وجودٌ في كلا الحزبَيْنِ، ويدعو الى الانسحابِ من المشاكلِ اللامتناهية لهذه المنطقَةِ.
فَبينَ سوءِ تقديرٍ وسوءِ تدبيرٍ، انكفأت أميركا عن أداءِ دورٍ بارزٍ، في مرحلةِ ما بعدَ ” الربيع العربيِّ”،
فلقد تُرِكَت السَّعوديةُ، وحيدةً مَكشوفَةُ، فريسةً لِصَواريخِ الحوثيِّينَ،
وارتدَّت أميركا عن التَّدَخُلِّ الفعَّالِ في المَلَفِّ السُّوري، وكأنَّما سلَّمَت بالدورِ الروسيِّ مع إيران وتركيا،
وتناسَت أنَّ هناك قضيَّةً فلسطينيَّةً، ما زالت بحاجةٍ الى خطواتٍ مَلموسةٍ باتجاه السَّلام.
تعودُ أميركا اليومَ، الى منطقةٍ تغيَّرَ الكثيرُ فيها، حيثُ تَستَحوِذُ اللادولةُ على عَصَبِ السُّلطةِ، في كثيرٍ من بُلدانِ المَنطقة، والصِّراعُ على أشُّدِّهِ بين – وفي، مجتمعاتٍ طاعنةٍ في الوعْي الطَّائفيِّ- المَذهبيِّ…
وفي ظلِّ هذا الإرهاقِ السياسيِّ لأنظمَةِ المَنطقة، جاءت حربُ غزَّةٍ، وكأنَّها نقطةُ تحوُّلٍ، انبَلَجَت من غَمرةِ القهرِ وفيْضِ الكراهيَّة، إضافةً الى الرَّغبةِ في إحداثِ تغيِّيرٍ، لِوَجهِ الشَّرقِ الأوسط.
فظَهَرَ انَّ ما تُخْفيهِ القلوبُ، أكثَرَ ممّا تقولُهُ الألسُنِ.
عادت أميركا الى شرقِ اوسطٍ، يعاني من تأزّمَاتٍ خانقةٍ على مستوى الفعاليَّة الدينيَّة، كما وعلى مستوى الفعاليَّة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة…
وباتَت معظمُ شعوبِهِ، تأبى تجرُّعَ ترياقِ بناءِ دولةِ المواطنَةِ الحداثيَّة، البعيدةِ عن أصنامِ السُّلطَةِ وعَبَدَتِها.
أسئلةٌ كثيرةٌ… ولا إجابات،
أميركا والغربُ عليهم واجبات،
فيما المسؤوليَّةُ الكبرى، تبقى على عاتِقِ الفلسطينيِّين والعربِ عمومًا، بالسيْرِ نحو مُجتمعاتٍ ديمقراطيَّةٍ حداثيَّةٍ، وهي أقصَرُ الطُّرُقِ للإنتصارِ على الارهابِ الاسرائيلي!!
المهندس ساسين القصيفي