جورج كريم
نحن شعب يحب أن يشكو ويهوى الإعتراض ويتقن التأفف…
ونحن قوم، نحسن الكلام ولا نتقن الإصغاء ونكثر من إغداق الوعود ثم ننسى….
إننا شعب مميّز، في وطن يتميّز، بنفايات لا تجد لها “ملاذاً” فتتنقل من مكان لآخر، وكسارات “موقوفة” لا تزال تعمل، وحرائق صيفية متنقلة عن قصد أو إهمال، وسيارات يفوق عددها ما فيه من سكان.
إننا نشكو من ذلك أو أكثر . نشكو من منظر النفايات ونرمي أوساخنا من زجاج سياراتنا على جوانب الطرقات . نعترض على رعونة بعض سائقي السيارات ونسمح لأنفسنا بمخالفة قوانين السير ونتأفف من أزمة سير دائمة يكون معظمنا قد ساهم في خلقها…
إننا شعب مميّز، لأننانعرف تماماً استحالة تحقيق وعود نسمعها ونصفّق طرباً لها ونتأفف عندما نراها تبقى وعوداً…
إننا شعب، نهوى الوجاهة والدعاية ، ونتسابق على إحياء الولائم الدسمة ونتأفف إذا ما رأينا مريضاً لا يجد علاجاً، أو متسولاً يبتغي قوتاً له ولأولاده، ونشكو أقساط المدارس المرتفعة ونعترض على تعزيز المدارس الرسمية…
إننا نشكو من الرشوة المتفشية، التي تزداد ربما لسوء حالة اقتصادية أو لعادة مزمنة ورثناها ، ونعترض على المرتشين ، ولكننا لا نتورّع من أن “نرشو” لتمرير معاملة غير قانونية أو الحصول على صفقة أو إلتزام يزيد من سرقة و”هدر المال”.
إننا شعب نحرّم على غيرنا ما نرتضيه لأنفسنا. ونقاتل في سبيل الآخرين، ونموت ليحيا ” الزعيم ؟” …
نتظاهر تضامناً مع “جائع” في اقصى المعمورة، ولا نشعر بالجياع والعطاش الذين هم من حولنا.
نشكو من دواء فاسد ونعترض على ملاحقة المفسدين ونكرّم الفاسدين، تماماً كما سبق وشكونا من فضائح انهمرت علينا وتنهمر فجأة لنتلهى بها، قبل أن ننساها.
نشكو الغلاء، ولا نفعل شيئاً في سبيل مقاطعة المحتكرين، ونركض وراء السلع المستوردة دون أن نساهم في تشجيع وحماية ما تصنعه أيدينا.
نشكو البطالة ولا نقبل بأي عمل “شريف” نعتبره لا يليق ، ونشكو الضائقة الإقتصادية، ونريد أن نسهر كل ليلة في “مربع” يعتلي منبره مطرب أو مطربة لا يعرفون من أصول الفن والطرب، إلا “صرعة” أسمائهم الفنية وألقابهم المضحكة….
نشكو من غلاء الكهرباء والهاتف والماء، ونريد أن يبقى نور البيت وما حوله “ساطعاً” ونمسك بالهاتف لنتسلى ساعات في “طق الحنك” ندعمها باستعمال ذاك “الخلوي” الذي بات معلقاً في وسط كل رجُل و”قابعاً” في حقيبة كل إمرأة وسط أدوات التجميل.
تعوّدنا الشكوى وتأقلمنا مع الإعتراض ونتأفف من كل شيء ، لأننا شعب ليس كباقي الشعوب.
نشكو من تلوّث البيئة وقطع الأشجار، ونعترض على الطرقات المحفّرة والمياه الشحيحة ونتأفف دائماً ونكتفي بالتأفف…
نشكو من وعود النواب الكاذبة ونصفّق لهم في كل مناسبة.
نشكو من كثرة تويترات نوابنا يحفرون الكلام فيها حفراً لتهنئة ناجح في السرتيفيكا أو لرئاسة رابطة عائلية ونتغاضى عن حُفَر الطرقات في مدينتنا وبلداتنا وقرانا.
ما حيلتنا إذا كانت أسباب “الشكوى” عندنا متوافرة بكثرة وحرية الإعتراض مسموحة لنا بواسطة التأفف…؟
هذه ميزتنا وهذه طبيعتنا .
أدامها الله علينا نعمة…