Skip to content Skip to footer

مَحَطَّاتٌ في الزَّمنِ


المهندس ساسين القصيفي

في مثلِ هذه الأيَّام، من سنة 1962، كان العالمُ بأسرهِ، يحبِسُ أنفاسَهُ، على وَقْعِ التَّوتُّرِ الشَّديدِ، بين الولاياتِ المتَّحدةِ الأميركيَّةِ والإتِّحادِ السُّوفياتيِّ، والذي كادَ أنْ يتَطوَّرَ الى حربٍ نَوَوِيَّةٍ بين الجبَّارَيْن، وذلك على إثْرِ نشرِ السُّوفيات، أسلحةً نوويةً على جزيرة كوبا، والتي تبعُدُ عشَرَات الكيلومتراتِ فقط، عن السَّاحِلِ الأميركيِّ.
ويَكشِفُ ارشيفُ ذلك الزَّمنِ، أنَّهُ وبينما كان الجانبانِ، السوفياتيُّ والأميركيُّ، يتَفَاوَضَان، لِكَي يَتَجَنَّبَا كارثَةً نَوَوِيَّةً، كان الرئيسُ الكوبيُّ، الرَّفيق فيديل كاسترو، لا يَنفَكُّ يَحُثُّ السفيرَ السوفياتيَّ في كوبا، لإقناعِ قيادتِهِ، » بِتَوجيهِ ضربةٍ قويَّةٍ « لأميركا. وعندما استفسَرَ السفيرُ السوفياتيُّ: هل تريدُ ان نقصفَ أميركا بالسِّلاحِ النَّوَوي؟! تراجَعَ كاسترو قائلًا: »لا، بل أقصِدُ ضربَةً قويَّةً فقط «
وهذا يُدلِّلُ، كيفَ أنَّ الأتباعَ الصِّغارَ، نادرًا ما يفقهونَ توجُّهاتِ الأصيلين الكبار!
وفي تلك المرحلةِ العصيبة، تميَّزَ الموقفُ الأميركيُّ بالتشدُّدِ، فيما كان الزعيمُ السوفياتيُّ أكثرَ واقعيَّةً وتفهُّمًا. ودون الدخولِ في تفاصيل تلك المرحلةِ، فَلقد أنقذَ خْرُوتْشُوف – والذي كان يُوَصَّفُ، داخليًّا وخارجيًّا، بأنَّه فلَّاحٌ أمِّيٌ – العالمَ من دمارٍ كان محتومًا، وأظهرَ حكمةً وتبصُرًّا، أكثرَ من رفاقِهِ الحِزبيِّين وحلفائِهِ الثوريِّينَ ، وَسحَبَ أسلحتَهُ من كوبا.

ومع السِّنينَ، حافظت الولاياتُ المُتَّحدَةُ، على رِيادَتِها القِياديَّة، وغَلَبَتها الإقتصاديَّة وتفوُّقَها العسكري، فيما لم يعُد هناك إتِّحادٌ سوفياتيٌّ أو منظومةٌ اشتراكيَّةٌ. لكنَّ أسبابَ المبارزةِ الجيوسياسيَّةِ، عادت وظهرَت جليًّا بين روسيا واميركا في العَقدِ الأخيرِ.

ويعيشُ العالمُ كلُّهُ اليوم، على وقعِ هذه الديناميكيِّاتِ المُضطَربَةِ والمصالِح المُتناقضَةِ، بين حلفاءٍ ديمقراطيِّين، في مقابلِ مِحوَرٍ تَغلُبُهُ الديكتاتوريَّات. ففيما أميركا ما زالت ترفدُ الحضارةَ الإنسانيَّةَ جَمعَاءَ، عِلمًا وتكنولوجيا وابتكاراتٍ… يقتنصُ مِحورُ الديكتاتوريَّاتِ الفُرَصَ المؤاتيةَ، لِقَضْمِ مناطقَ نُفوذٍ، كما ولِتثبيتِ سيْطرتِهِ.
لكنَّ التاريخَ يُعلِّمُ، أنَّ حريَّةَ الشُّعوبِ، ستَنتَصِرُ على كلِّ المُكَّبلاتِ، في نهايةِ المطافِ.

وها هي أنظارُ العالمَ كلّهُ، تترقَّبُ مَحطَّةَ الانتخاباتِ الأميركيَّة اليوم ، مع رصدٍ للمُقارباتِ المطروحة، لأهمِّ القضايا سخونَةً: العمليَّةُ العسكريَّةُ الروسيَّة في أوكرانيا، والحروبُ في الشَّرق الأدنى، والتَّوَتُّرُ في الشَّرقِ الأقصى، إضافةً الى التَّعثراتِ في سَلاسِلِ التوريدِ والحِمائيَّة في التِّجارةِ العالميَّةِ، وليس آخرًا، مَصادرُ الطاقةِ النَّظيفة والمشاكلُ البيئيَّةُ العالميَّة…
هذه هي أهمُّ التَّحديَّاتِ التي تنتظرُ العالَمَ، في السنوات والعقودِ القادمَة.
وأنا أدَّعي، أنَّ الأمَّةَ التي ستُسَاهمُ إيجابيًّا في هذه الحلولِ، ستَحجُز لنفسِها مركزًا أوَّلًا في العالم، لسنواتٍ طويلاتٍ.
هذه هي المُنازَلَةُ الكبرى اليومَ، أمامَ أميركا، وبقيَّةِ الأمَمِ المنافسة.
وإنِّي لا أرى، سوى الولاياتِ المتَّحدةِ الأميركيَّةِ – بِما لدَيْها، مَعَ أقرانِها من الأمَمِ الحُرَّة، من تاريخٍ ديمقراطيٍّ عريقٍ، وإرثٍ عِلميٍّ مُتدفِّقٍ، وثقافةِ حريَّةٍ رائدةٍ – كأمَّةٍ تَتَوَفَّرُ لديها، مُقوِّماتُ القدرةِ والإرادةِ، للإتِّجاهِ بالبَشَريَّة نحو مُستقبلٍ، أكثرَ تَقَدُّمًا وأمانًا، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وتِقنيًّا … وربَّما تحقيقُ قفزَةٍ للبشريَّة – مع النَّابغةِ إيلون ماسك – الى عَوَالِمَ اُخَرٍ، الى خارج زَمَكانِ هذه المنظومة 5-11-2024

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.