Skip to content Skip to footer

مركزُ تكوين للفِكر

المهندس ساسين القصيفي


من قاعاتِ المَتحَفِ المِصريِّ في القاهرة، معَ كلِّ ما يَكتَنِزُهُ من إرثٍ تاريخيٍّ ورمزيَّةٍ حضاريًّةٍ، وبِمُشاركَةِ مجموعةٍ كبيرةٍ من المُفكِّرين والأكاديميِّين، من دولٍ عربيَّةٍ مختلفةٍ، أُعلِنَ مُؤخَّرًا، عن تأسيسِ ” مَركز تكوين للفكر”.
وتَضمُّ الأمانةُ العامَّةُ للمركز، شخصيَّاتٍ معروفةٍ بِفِكرِها المُستَنير وهم: الإعلاميُّ إبراهيم عيسى، والباحثُ إسلام بحيري، والباحثُ السُّوريُّ فراس السَّواح، والباحثَةُ اللبنانيَّةُ نايلة أبي نادر، والكاتبةُ التونسيَّةُ أُلفة يوسف، والدكتور يوسف زيدان.
وأعلنَ المركزُ عن اهدافِهِ التي تتبنّى تشجيعَ البحثِ العلميِّ والتفكيرِ النقديِّ، خاصَّةً في القضايا الدينيَّة، كما وفي تعزيزِ الفِكر الحرّ، والنقاشِ المَفتوحِ، إضافةً الى تحريكِ الرَّاكدِ الثقافي، على مساحَةِ العالم العربي.
الأزهرُ، رسميًّا لم يُصدِر ايّ بيانٍ ناقدٍ او ناقضٍ، بِحقِّ هذا المَركز الثقافيِّ – التَّنويريِّ الجديد. لكنَّ شيوخَه، اشْرَأبُّوا سريعًا، وعبَّروا عن رفضِهِم لهذا المركز و”أهدافِهِ المَشبوهة”. وكان للشيخ عبدالله رُشدي، تغريداتٍ إتِّهاميَّةٍ – تخوينيَّةٍ، بِحَقِّ هذا المركزِ والمُنتَسِبين اليه. كما وَوَصَّفَ أستاذُ العقيدةِ والفلسفَةِ بجامعَةِ الأزهر، عبد المُنعِم فؤاد، المركز بـ”التكوين والتحالفِ الشيطانيِّ”.
وتُعبِّرُ هذه الحملةُ المُنظَّمَة ضِدَّ هذا المُنتدى الفِكري، من بعض ” الطبقَةِ المُثَقَّفةِ”، ومِن كثيرٍ من الشُّيوخِ، عن أزمةِ وَعْيٍ مُجتَمَعيٍّ، كما وتعكسُ ارتباكًا في الخياراتِ لدى المؤسَّسة الدِّينيَّة. وكانت هذه الأخيرة قد سَوَّرَت عقيدتَها، بِجُدرانٍ عاليةٍ من الجَهلِ المقدّسِ، مُحرِّمةً أيَّ تفاعلٍ مع الفكرِ الآخرِ المُختلف، وشاهرةً سيفَ التكفيرِ، بِوَجهِ كلِّ مُناقشٍ او مُتَساءل، كما كفَّروا سابقًا الباحثَ فَرَج فودة، وأباحوا دمَهُ، فَقُتِل. او كما ادَّعوا منذ عدَّة سنواتٍ، على الباحثِ إسلام بُحيري، بِتُهمَةِ إزدراءِ الاسلام، فَسُجِن.
الشيءُ المُهمُّ في هذه الفَّعاليَّة، هو مراكمَةُ الإيجابيَّاتِ في سَيْرورَةِ التَّنويرِ، لهذا الفَضَاءِ المَعرفيِّ، في هذه المنطقةِ، التي تتنازَعُها اليوم، عِدَّةُ مشاريعٍ أُصوليَّةٍ ومَذهبيَّةٍ، مِمَّا وضعَهَا في الناحيةِ المُظلمَةِ من التَّاريخِ والجغرافيا. وهذه المسيرةُ التنويريَّةُ والتي بدأت إرهاصاتُها تَتَجلَّى، مع مطلعِ القرنِ الماضي، واستمرَّت في حركةٍ مُتَذبذِبَةٍ، الى أن حوصِرَت في العقودِ الأخيرةِ، فها هي اليوم، ومع تأسيسِ مركَزَ تكوين، تَتَلقَّى دفعًا جديدًا، على طريقِ ارتقائها نحو الاعلى.
يَلُوكُ بعضُ حرَّاسِ التَّخلُّفِ، منذ عقودٍ أو قُلْ قرونٍ، عدَّةَ عباراتٍ، من ذَوَاتِ المَخَالب والأسنانِ، في صَحراءٍ من اليَبَابِ الثَّقافيِّ، فَيُرهبونَ بها جُلَّ المُتلقِّين من عامَّة الناس؛ فيما يجبُ أن تَكمُنَ قوَّةَ وأصَحِيَّةَ أيَّةُ عقيدةٍ او فكرةٍ، في انسيابها الطبيعيِّ، الى الوجدانِ الفَرديِّ والجَمعيِّ، دونَ كَرهٍ او إكراهٍ.
وأخيرًا،
حين تفقُدُ العقيدةُ أو الفِكرةُ، مُقَوِّماتِها، في تحقيقِ تَطَلُّعاتِ الانسانِ، في العيشِ الآمن والحرِّ والكريمِ في المجتمعٍ، او حينَ تُصبحُ هذه العقيدةُ نفسُها، أداةً للإستبدادِ والبَغْي والتَّخَلُّف، فَتَيَقَّن عندها، بإنَّها تخدُفُ على الطَّريقِ السَّريعِ نحو الثُقْبِ الأسوَدِ للحضارَةِ الإنسانيَّة…
وهنا يأتي كلامُ كارل ماركس: «إنَّ كلَّ نظامٍ يشتَمِلُ في نفسِهِ، على بُذُورِ انهيارِهِ»

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.