Skip to content Skip to footer

مار مارون عاش في العراء وتقاتل مريدوه على جثمانه

يحتفل المسيحيون في 9 فبراير/ شباط بعيد القديس مارون الذي ينسبُ المسيحيون الموارنة إليه. هذا العيد هو يوم عطلة رسميّة في لبنان، حيث تمركز الموارنة تاريخياً. فمن هو الناسك مارون، ولماذا امتدّ تأثيره مئات السنين؟

يعني اسم مارون “السيّد”، وهو من الأسماء الشائعة جداً في لبنان. يعدّ هذا القديس شفيع الموارنة الذين يشكلون الطائفة المسيحية الأكبر في البلاد.

كان مار مارون راهباً سريانياً متنسكاً، عاش في شمال سوريا بالقرب من جبال طوروس، أو ما كان يسمّى بمنطقة قورش قرب انطاكيا في عهد الإمبراطورية الرومانية، في منتصف القرن الخامس للميلاد.

في الوقت الراهن، تعرف قورش بالنبي هوري، وتقع بين مدينتي عفرين إلى الشرق، وحلب إلى الغرب.اهتمّ المؤرخون في القرن الخامس بتدوين مآثر الملوك والأباطرة، ولم يلتفتوا كثيراً لموضوع النساك، خصوصاً الذين اتبعوا منهجاً حاداً في التقشف ونكران الذات، أمثال مار مارون.

بين ولادة القديس مارون ووفاته وأوّل ذكر لأتباعه على مرّ القرون، أكثر من 400 سنة. فكيف عرف شأنه، وما الدليل التاريخي على مآثره وحياته

الناسك في الجبل

يرد ذكر القديس مارون في مصدرين تاريخيين فقط، بحسب كتاب “مار مارون والموارنة – نظرة تاريخية جديدة” للكاتب سركيس أبو زيد. المصدران هما رسالة من البطريرك يوحنا ذهبي الفم موجهة إلى مارون في منسكه عام 404 أو 405 للميلاد، وفصل من كتاب “تاريخ رهبان سوريا” لتيودوريتس أسقف قورش بين عامي 423 و458.

كان يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية في أواخر القرن الرابع، وعرف بذهبي الفم لفصاحته. وفي رسالته إلى القديس مارون، يغدق عليه بالمديح، ويشيد بمآثره الروحية، طالباً منه أن يذكره في صلاته مع الرهبان المتنسكين .

لا يورد تيودوريتس تفاصيل تاريخية كثيرة عن ولادة مارون ونشأته ومكان وفاته، بل يشرح مذهبه الإيماني وأعماله. وبالنسبة للمؤرخ فؤاد افرام البستاني الذي أصدر كتيباً بعنوان “مار مارون” فإنّ كتاب تيودوريتس هو المصدر التاريخي الوحيد المستند إليه لمعرفة سيرة مارون.

وبحسب ذلك المرجع، عاش مارون وحيداً في البرية، على قمة جبل، محولاً معبداً وثنياً كان في تلك البقعة إلى مكان لعبادة الله.

في منسكه، شيّد مارون كوخاً ويقال خيمة من جلد الماعز، وأقام فيه لفترات قصيرة، إذ كان يقضي وقته في العراء مصلياً ومتعبداً، ليلاً نهاراً، وفي كافة فصول السنة.

عجائب مار مارون

ذاع صيت مارون في القرى المحيطة بمنسكه، لقدرته على شفاء المرضى، وينسب إليه تيودوريتس، القدرة على شفاء الحمّى، والآلام، وطرد الشياطين. كما كان يولي أهمية لتشذيب نفوس زواره، فيحثهم على الفضيلة، والابتعاد عن النزعات العدائية.

مذهب مارون في التنسّك جعله يستميل بعض التلاميذ، فقلده بعض الرهبان والمتنسكين. ويشير المؤرخون لسيرة مارون، على قلّة المراجع، إلى أنّه من مؤسسي مدرسة التنسّك السورية التي سار عليها أيضاً القديس سمعان العمودي الذي أقام في العراء ولكن على عمود، حيث عاش حياته معتزلاً الناس ومصلياً.

تواريخ غامضة
من المرجّح أن يكون القديس مارون قد توفي عام 410، ونشب خلاف بين أبناء المناطق المجاورة على الاستئثار بجثمانه لتكريمه. ومن المرجّح أيضاً أن يكون أهالي القرية المعروفة اليوم ببراد، في شمال سوريا، هم من فازوا بالجثمان، وبنوا له كنيسة، لم يبق من آثارها الكثير.

فلماذا الاحتفال بعيده في 9 فبراير/ شباط، إن كان يوم ميلاده مجهولاً، وتاريخ وفاته غير مثبت بدقّة؟ يشير سركيس أبو زيد في كتابه “مار مارون والموارنة” نقلاً عن المطران اسطفان عواد أحد أساقفة القرن الثامن عشر: “اكتشف البطاركة الموارنة أنّ عيد القديس مارون غير مسجل في قائمة أعيادهم الصادر بأمر من البابا زخيا العاشر عام 1647، فجعلوا عيد القديس مارون في التاسع من شباط وهو يوم عيد مار يوحنا مارون الذي نقله بدوره البطريرك يوسف اسطفان عام 1787 إلى 2 مارس/ آذار”.

مع ندرة المرجعيات التاريخية عن تلك الحقبة، يلجأ الكثير من المؤرخين إلى تناقل مرويات غير مثبتة عن حياة القديس مارون. فلم يرد في أيّ مرجع ما يثبت تأسيس الناسك مارون لجماعة دينية، باستثناء تلاميذه الذين قلدوه في نمط تعبّده.

لم ينشئ مار مارون وتلاميذه أي مدرسة أو رهبنة، ولم يشيّدوا ديراً باسمه قبل القرن السادس، حين اشتهر دير مار مارون على ضفاف نهر العاصي في سوريا، بعد المجزرة التي أودت بحياة 350 راهباً من رهبانه، إثر الانشقاق الكنسي والخلاف اللاهوتي حول طبيعة المسيح.

بحسب كتاب سركيس أبو زيد المشار إليه، فإنّ أول من نسب الموارنة إلى مارون هو مرهج بن نمرون أحد خريجي المدرسة المارونية. كما أنّ البطريرك الماروني الشهير اسطفان الدويهي (1630-1704) نسب الطائفة حيناً إلى مار مارون الناسك، وحيناً إلى دير مار مارون على العاصي.

يقول المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي في كتابه “الموارنة – صورة تاريخية” إنّ المؤرخين لم يذكروا الموارنة بشكل واضح قبل القرن التاسع عشر، أي بعد مئات السنوات من وفاة الناسك مارون. ولم تصل للمؤرخين أي وثيقة أصلية حول الكنيسة المارونية قبل القرن الثالث عشر. ويتضح أنّه بعد تخريب دير مار مارون المذكور، لجأ عدد من رهبانه، وفي مقدمتهم يوحنا مارون السرومي إلى جبل لبنان، وكان أوّل البطاركة الموارنة

الموارنة في لبنان

.في القرن السابع الميلادي، بينما كان دير مارون يتمتع بالنفوذ ويتفرد بالأهمية، وبعد وفاة البطريرك اثاناثيوس الثاني شغر مركز أنطاكية الرسمي، في هذه الفترة كان البطريرك الإنطاكي يعيّن “اسميّا” ويقطن القسطنطينية، وفي النصف الثاني توقفت القسطنطينية عن تسمية البطريرك الأنطاكي فشغر الكرسي فعليّا ابتداء من سنة 702م حتى سنة 742م، في هذه الحقبة الشديدة المليئة بالأحداث، وبينما كانت الكنيسة الإنطاكية بدون رأس كما يقول المؤرخ شارل دي كلير، أعلن دير مار مارون، ذو السطوة، والمتمتع بالحقوق على الشعب المحيط بالدير، الاستقلال التام وانشأ كنيسة وأعلن على رأسها بطريرك.

هكذا نشأت الكنيسة المارونية، كنيسة مستقلة عن سائر الكنائس ومرتبطة بها في آن واحد. وأقيم دير مار مارون على رأسه بطريركا من رهبانه هو البطريرك يوحنا مارون. أما زمن تأسيس هذه البطريركية بالضبط فلم يزل مجهولا، ويعتقد أنها نشأت في النصف الأول من القرن الثامن عشر.
انتقلت كنيسة هيرارقيا، أي البطريرك والأساقفة من سوريا إلى لبنان، ليكونوا وسط الشعب الماروني الذي كان يسكن في لبنان منذ القرن الخامس .

الموارنة وفرنسا وبكركي

تربط الموارنة علاقة وثيقة بفرنسا منذ أصدر لويس الرابع عشر مرسوماً بموافقة السلطان العثماني يقضي بوضع الطائفة المارونية تحت حماية فرنسا، ضمنت هذه الحماية للموارنة حق التقاضي أمام محاكم خاصة، والاستفادة من التعليم في المدارس، والبعثات القنصلية الأوروبية، والإعفاء من الضرائب، وسهولة السفر إلى أوروبا.
في أوائل القرن التاسع عشر اتسعت مناطق استقرار الموارنة لتشمل مدينة اللاذقية السوريّة التي يوجد فيها حي باسم الموارنة. وفي عام 1834 تم بناء أول كنيسة مارونية في المدينة رغم أن استقرار الموارنة فيها يسبق ذلك التاريخ.
واستقر الموارنة في حيفا على الساحل الفلسطيني، حيث بنيت أول كنيسة مارونية هناك عام 1842م رغم أن أقدم ذكر للموارنة في المدينة يعود لعام 1677م.

وفي العام 1823م، وخلال بطريركية يوسف حبيش انتقل الكرسي البطريركي الماروني إلى منطقة بكركي في لبنان، وهو المقر الرسمي للبطريركية المارونية حتى الآن.

جمع الروابط

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.