Skip to content Skip to footer

قصة بطيخة “وعالسكين يا بطيخ”.

تبدأ قصتنا مع بطيخة صغيرة تعيش في سهل واسع مع أخواتها البطيخات وجيرانها من الفواكه والخضراوات، تنظر للسماء ليلا مبتهجة بأنوار القمر والنجوم ، وفي النهار تحترق بشرتها بلهيب الشمس البعيدة ، مهما اختبأت في وسع السهل والمكان . وتدعو من كل قلبها : يا ليتني أراك عن قرب لمرة واحدة حتى لو كان آخر يوم في حياتي.

مرت الأيام وجاء موعد الرحيل، كانت الشمس حارقة كالعادة . وكانت حرارة “بطيختنا مرتفعة والعرق يتصبب منها. رأت وهي تنظر للبعيد صورة الرجل المسن يقترب ويقوم بوضع يديه الخشنتين على وجه إحدى أخواتها ويحمل جسما حادا قطع به جذعها. خافت وأدركت أن دورها آت لا محالة . بعد وقت ليس ببعيد جاء دورها ، واقترب المسن منها وهو ينظر إلى جذعها اليابس والتصبغات” التي تكسو جسدها .

اقترب منها فارتعبت .

بدأ بعملية القطع، وراحت الدموع تنهمر منها كالشلّال ولكنها لم تكن تتألم . فكرت بالانفصال، الانفصال عن بيتها الحضن الدافئ ، لكن عزاءها الوحيد أنها لن تكون وحدها فأخواتها سَيَكُنَّ معها، قطع الحبل واقترب أكثر وحملها بيديه ومشى بها لصندوق العربة، أحست بالأرض الصلبة تهتز تحتها . التفتت لترى أخواتها وهُنَّ يتحدثنَ عن مصيرهنَّ مع رفيقاتهنَّ من الخضراوات والفواكه .

منتصف النهار أقلعت الشاحنة تحمل أحلامهنّ وتساؤلاتهنّ عن المصير الذي ينتظرهنَّ ؟

كانت تنظر الى السهل الواسع وهي تودّع بيتها . نظرت الى الشمس وقالت لها نفس الجملة : يا ليتني أراك عن قرب لمرة واحدة حتى لو كان آخر يوم في حياتي.

إنها أول مرة لها على هذه الطريق. كانت تتمعّن بالمناظر الخلّابة ، والهضاب من حولها ، متجاهلة أحاديث الأخريات ، وإذا بها تلمح من بعيد بقعة مياه كبيرة برّاقة بدت كالحلم . فالتفتت لأختها الكبرى وسألتها: ما هذا، مشيرة للجهة المقصودة ؟ فكانت الإجابة إنه البحر . واستمرّت تلاحقه بنظراتها قبل أن يختفي وقالت: يا ليتني أراك عن قرب لمرة واحدة حتى لو كان آخر يوم في حياتي.

اختفى البحر ، ومَرَّ الوقت . ثم نامت لبرهة لتستيقظ على صوت توقّف العجلات . يبدو أنهم وصلوا للمكان المقصود . التفتت، رأت ساحة واسعة يتنقل فيها خليط أشخاص غرباء وجلبة أصوات تنادي ” عالسكين يا بطيخ “

رأت مزارعا يتجه الى أحد الناس ويكلمهم ، وجاء بعده شخص غريب يأمر طفلا صغيرا . اقترب الطفل وبدأ بإنزال الواحدة تلوَ الأخرى . كان يجمعهنَّ فوق بعضهنَّ على طاولة مستطيلة وعندما انتهى ، التفتت الى الجهة الأخرى فرأت المزارع الذي رباها واعتنى بها حتى كبرت ونضجت وهو يرحل بعربته ويغيب عنها رويدا رويدا .. فدمعت عيناها وقد أدركت مصيرها المحتوم.

مر الوقت ، وكان كل مرة يقترب منها الطفل الصغير تخاف لأنه في كل مرة يأتي ليأخذ إحدى أخواتها ، والآن جاء دورها. فقد رأت الرجل المسنّ يتحدث مع سيارة مجهولة لم تستطع معرفة من فيها، رأت “الرجل” كالعادة يأمر الطفل والأخير جاء وحملها بين يديه الصغيرتين ووضعها في صندوق العربة وأغلقه .

بدأت بالصراخ .. ولكن دون صوت . كانت تبكي دون دموع .ظلام دامس حولها . خائفة لا تعلم ماذا تفعل ؟ والظلام زاد الأمر سوءا . أحست بعجلات السيارة تتحرك وأصوات ناس تنادي ” عالسكين يا بطيخ. “

بعد فترة من الوقت هدأ الصوت وتوقفت العجلات، علمت أنهم وصلوا لمقصدهم . كانت ترتجف . أحست بيد تفتح الصندوق. نظرت ، وإذا به ضوء النهار يحرق عينيها فاقترب منها الرجل الغريب وحملها مع بعض الأغراض بجانبها .خافت أن تعاود فتح عينيها. أحست به يضعها على أرض حارة ذات ملمس غريب. فتحت عينيها ونظرت الى الأرض فرأت أن لونها يميل الى الاصفرار . عاودت إغماضتهما وركزت على الأصوات بجانبها، أصوات ناس كثر وأصوات أخرى غريبة تخترق أذنها. لم تعلم مصدرها، ففتحت عينيها ونظرت الى الأعلى وإذا بها ترى عدة أشخاص جالسين قربها وبعدهم لمحت البحر الواسع يقبل الشمس ولون السماء الغريب يملأ الجو. أحست بالدفء ومشاعر غريبة تحسّها للمرة الأولى في حياتها لكن ، قطع لحظتها الشخص نفسه الذي حملها وهو يحمل بيده آلة تلمع فتذكرت أنها نفس الآلة التي فرقتها عن أمها الأرض . علمت مصيرها وقررت أن تظل تنظر للشمس والبحر وهي تودعهما بعيونها ، وأنّ رحلتها انتهت وبقيت عبارة ” عالسكين يا بطيخ ” تتردد في قلبها قبل أذنيها ، ومنظر الآلة الحادة يملأ ناظريها . فاستسلمت للمصير وادركت أنها خلقت وتم الاعتناء بها لهذه الساعة ، وأنّ السكين أقوى من البطيخ .

إلّا الحج حسين شمص

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.