إنَّه الرِوائيُّ والفيلسوفُ الرُّوسيُّ الأشهرَ في العالم، فِيُودُور دُوسْتُويِفْسْكي. ولقد طغى نتاجُهُ الفكريِّ – الفلسفيِّ، على السَّاحةِ الأدبيَّة العالميَّة، منذ أواخر القرنِ التَّاسِعِ عشر. يُستَشَفُّ من رواياتِهِ العديدةِ، فَهمًا عميقًا لحالاتِ النَّفسِ الإنسانيَّةِ، في الدِّينِ والمعاناةِ والاجتماعِ…
ينحدِرُ فيودور دوستويفسكي، من عائلةٍ جُلُّها رجالُ دينٍ. تَرَبَّى على الإيمانِ، على يدِ والديْهِ وهو كان صغيرًا، فأصبحَ الفيلسوفَ المؤمنَ وهو كبيرٌ، لا بل مؤسِّسَ المَذهَب الفلسفيِّ الوجوديِّ – الإيمانيِّ في العالم. تأثَّرَ بالكثيرِ من كُتَّابِ عصرِهِ، وهو في هذا المجال يقول، أنَّنا كلُّنا نَنْهَلُ من روايةِ ” المِعْطَفِ” للكاتب الرُّوسيِّ ” غُوغُولْ”. كما وإنَّه كان مُلهِمًا للكثيرِ من الكتّابِ والفلاسفةِ، من الذين أتَوْا من بعدِه، وخاصةً فرويْد وجان بول سارتر…
انتقَدَ دوستويفسكي بكتاباتِه، الظُّلمَ الطَبَقِيَّ، ودعا الى بُنيَةٍ اجتماعيَّةٍ أكثَرَ عدالة. وهو من أوائلِ الذينَ جَعَلوا الفقراءَ أبطالًا في الرِّواياتِ.
وتُمثِّلُ روايتُهُ، ” الإخوةُ كَرَمازوف “، صَفْوَةَ النُّضوجِ الفكريِّ، وقِمَّةَ الارتقاءِ الذِّهنيِّ، في تحليلِه للتأثيراتِ الإجتماعيَّةِ على واقِعِ الانسان. إنَّها أُطروحتُهُ الفلسفيَّةُ، التي نَشَرَها كوصيَّةٍ لهُ، سنةً قبلَ وفاتِه. وهي الأطولُ، ورُبَّما الأكثرُ تعقيدًا وتداخُلاً في سرديَّتِها. الحَبْكَةُ ظاهريًّا تدورُ حولَ جريمَةِ قتلٍ، فيما الجَوْهَرُ يُعالِجُ قضايًا أعمقَ مثل: الاخلاقِ والايمانِ بالله، والارادةِ الحرَّةِ، وعِلْمِ النَّفس – عِلمًا أنَّ هذا العِلمَ لم يكُن متطوِّرًا زمنَهُ.
وتدورُ أهمُّ أحداثِ القِصَّةِ، ضمنَ عائلةِ كَرَمازوف الروسيَّةِ، والتي تتألَّفُ من أبٍ وثلاثَةِ أولادٍ، بالإضافَةِ الى ابنٍ رابعٍ، غيرُ شرعيٍّ. وكُلُّ واحدٍ يُمثِّلُ اتِّجاهًا معيَّنًا في الحياةِ.
الأبُ، كان رجلًا نَزْرًا، يَعتبرُ أنَّ الحياةَ قصيرةٌ، ويجبُ التَّمتُّعُ بمَلذَّاتِها قدْرَ المُستطاع.
الابنُ الاكبرُ، دِيمِتْري، يعيشُ حياةَ الهَزْلِ والسَّلْوَى. وعندما طالبَ أبيهِ، بنصيبِهِ من الثروةِ، لكي يتزوَّجَ الفتاةَ التي يُحبُّها، رفضَ الوالدُ طلبَهُ، لانَّهُ هو أيضًا على علاقةٍ مع نفسِ الفتاة. ويتَّضحُ من سيْرورَةِ الرِّواية، أنَّ هذه الفتاةَ، تَتَلذَّذُ بالإيقاعِ بالرِّجالِ، انتقامًا لِكَرَامَتِها، إثرَ صَدمَةٍ عاطفيَّةٍ سابقةٍ.
الإبنُ الثَّاني، إيڨان، يتساءَلُ عن سِرِّ وُجودِ الألمِ والشَّرِّ، في هذا العالم، ويَخلُصُ الى أنَّهُ، لا وجودَ لله أو أنَّ هذا الإلهَ عاجزٌ.
والإبنُ الأصغرُ، إلْيُوشا، بطلُ الرِّوايَةِ، وهُوَ فتىً مُتديِّنٌ حنونٌ ومُستقيمٌ، يقضي معظَمَ اوقاتِهِ في الصَّلاة في الكنيسةِ.
والإبنُ الرَّابِعُ والغَيْرُ شرعيٍّ، ٻَاڨِل، يعمَلُ خادمًا للأسرَةِ. وهو ضَعيفُ الحِيلَةِ، ويتأثَّرُ كثيرًا بأخيهِ المُلحِدِ إيفان.
وحدَثَ أنْ وُجِدَ الأبُ مقتولًا، بعد شِجارٍ مع ابنِهِ الأكبر، حوْلَ أحقيَّتِه بِنَصيبِهِ من الثروة. فاتُّهِمَ وَحُوكِمَ وأُدينَ هذا الأخير، بهذه الجريمَة. بينما القاتلُ الحقيقيُّ كان الابنَ الغيرَ شرعيٍّ، بتحريضٍ من أخيه المُلحِدِ، الذي حدَّثَهُ قائلًا: اذا لم يكُنْ هناك إلهٌ، فكلُّ شيءٍ مُباحٌ!
وبالنَّتيجةِ،
الإبنُ الأكبَرُ، سُجنَ؛ وهو بريءٌ.
الإبنُ الغيرُ شرعيٍّ، شَنَقَ نفسَهُ بعدَ جريمتِهِ؛ مثل يَهُوَذا.
أمَّا الابنُ المُلحِد والمُحرِّض، فاختلَّ عقلَهُ؛ فَأُودِعَ المَصَحَّاتِ العقليَّةِ.
فيما بقيَ الابن الصَّغيرُ إليُوشا، مُستَمِرًّا في نَشرِ ثقافةِ المَحبَّةِ المُقدَّسَة.
وفي الخُلاصاتِ،
ليس بالمالِ وحدَهُ، يَسعَدُ الانسان.
وأنَّهُ ليسَ هناكَ عدالةٌ حقَّةٌ، على هذه الأرض.
وأنَّ نتيجَةَ الخطيئةِ، هي الموْتُ الرُّوحيُّ والأدبيُّ والجسديُّ.
وأنَّ التَّحريضَ على العُنفِ، يُدَمِّرُ صاحبَهُ.
فيما التَّقوى والصلاةُ المُحِبَّةُ، تَسمُو بالإنسانِ، عنِ الشُّرورِ والشَّهوات، فَيَخلُص!
تحيَّةُ إكبارٍ وإجلالٍ الى روحِ هذا الفيلسوف العظيم!