المهندس ساسين القصيفي
إنَّ الربَّ الإله، يُعرِّفُ عن نَفسِهِ، في كتابِهِ المُقدَّس، باسم: إلُوُهِيم. وخلالَ ترجمةِ الإنجيلِ، في أواخرِ القرن التَّاسِعِ عشَرِ، الى العربيَّةِ، اعتُمدَت لفْظَةُ الله، كتَعبيرٍ عنه.
في البِدءِ، تَعجَزُ الكلمةُ البَشَريَّةُ، عن التَّعبيرِ عن “الكَلِمَةِ” الإلهيَّة. كما ومُستحيلٌ على المَخلوقِ، فَهْمَ “عقلَ” الخالِقِ. لذلك، يَصعَبُ على الإنسانِ، أن يَسْتَوعِبَ مقاصِدَ الله، خاصَّة فيما له علاقةٌ، بالإباحَةِ للشرِّ أنْ ينتَشِرَ، أو في مَوَاقيتَ× أحكامِهِ التَّأديبيَّةِ. وإنَّني في هذه العُجالةِ، لا أدَّعِي الإحاطَةَ بكلِّ الجَوَانِبِ اللاهوتيَّة، لكنَّني أكتُبُ خلاصةً مُنبَثقَةً عن قراءآتٍ في الكِتابِ، من سِفْرِ التَّكوينِ الى سِفْرِ الرؤيا، مع مفاهيمَ ، تُعَبِّرُ عن رأيي الشَّخصيِّ.
ويَتَّضِحُ جَليًّا من الكتابِ، أنَّ أهمَّ صِفَتَيْنِ ذاتِيَّتيْنِ لله، هما أنَّه: كليَّ المَحَبَّةِ، وكليَّ العَدلِ، مع كلِّ انسانٍ مُؤمنٍ أو غيرَ مُؤمنٍ. وهذا الإلهُ الواحِدُ الأحَدُ، الذي لا شريكَ لهُ، يقول في كتابِهِ المُقَدَّسِ: أُجْرَةُ الخطيَّةِ هي الموتُ، الرُّوحيُّ والجسديُّ: ” لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. (رو 6: 23)”
وفي الكتاب المُقَدَّسِ، نقراُ كيفَ أنَّ اللهَ، الدَّيَّانَ العادِلَ، عَاقَبَ الشَّعبَ الذي اصطفاهُ، لِنقْلِ الرِّسَالَةِ الإلهيَّة، كما وأمَمٌ أُخَرٌ، على خطاياهِم. وقد تَمَّ بِسَماحٍ منه، تأديبَهُم في سَبْيٍ أو تَشريدٍ، بِسَبَبِ عِصْيانِهِم الوصايا.
في العَهْدِ القديمِ،
إِقْتَصَّ اللهُ من أهلِ سَدُومْ وعامورة، بعدَ أن عاثوا فيهما رذيلةً، وامتَنَعوا عن التَّوبَةِ.
كما وإنَّ الله نجَّى أهلَ نينوى – وهو شعبٌ وثَنِيٌّ – بعد أن قَبِلوا كلامَ النَّبيِّ يونان، وَتَابوا، فَخَلِصوا!
وفي العهدِ الجديد، كان خرابُ مدينةِ المَلِكِ العظيم، أورشليم، وتَشريدُ أهلِهَا، على يَدِ الرُّومانِ الوثنيِّين، تحقيقًا لنبوءَةِ المسيح.
والى اليوم، نرى يدَ الله التأديبيَّةِ، تعمَلُ حسبَ مِيقاتِهِ، معَ أفرادٍ أو أُمَمٍ، مِنَ الذين امتلأت كؤوسَهم دَمًا وثأرًا، أو فاضت قلوبَهُم حِقدًا وكراهيَّةً.
من جهةٍ أخرى، فإنَّ عدلَ الله المُطلَقِ والمَجبُولِ بالمحبَّةِ الكُلِّيَّةِ للإنسان، يَظهَرُ في طولِ أنَاةِ الله: “أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟” (رو2: 4)
كما وإنَّ الله حَرَّمَ الدَّمَ – القَتْلَ، مُنذُ بِدءِ الخليقَةِ.
وقد نادى الله قايينَ، بعدما قتَلَ أخيهِ هابيل، قائلًا: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ» (تك 4: 10).
وكذلك، علَّمَ يَسُوعُ التلاميذَ قائلًا: «… فمَنْ يأخُذْ بالسّيفِ، بالسّيفِ يَهلِكُ » (مت 26: 52)
كما وأوصى في مكانٍ آخر: «لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ.” ( رو 12: 19)»
إلى ذلك، فإنَّ المسيحَ، مُشْتَهى الأجيالِ، الإلهُ المُتَجَسِّدُ – لهُ كلُّ المجدِ – قد أعلَنَ عن دستورِ مُلكِهِ الأرضيِّ، في خِطابِ العرشِ، على الجبلِ، ( متّى 5،6،7)، قائلًا :»… طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ… قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ … سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا…ِ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ…فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ«
وفي الخُلاصَة،
الله محبَّةٌ وعدلٌ،
والمحبَّةُ، لا تعني التَّغاضي عن الخطيئةِ،
والعدلُ، لا يَنفي وُجوبَ القَصَاص،
بل هما تَوْجيهٌ للخاطئِ الى التَّوْبَةِ والغُفران، ليَخلُصَ هُوَ وأهلُ بَيتِهِ…
ولِمَن أُعطيَ نِعمَةَ الإيمانِ، فهو يَتَبَصَّرُ،
قَضاءَ العدلِ الإلهيِّ لمُستَوْجِبيهِ،
وَالبَركاتِ والنِّعَمَ، لِمُستحقِّيها،
وذلك، في كلِّ ساعةٍ أو يومٍ أو َزَمَنٍ، والى مَجيئِهِ الثَّانيِ…
فَهَل مَن يَتَّعظُ ويَتُوبُ ؟!