Skip to content Skip to footer

في الذكرى الثَّانيَةِ للحربِ

حَلَّت بالأمسِ، الذكرى الثانيَةَ لِبِدءِ العَمَليَّةِ العسكريَّةِ الروسيَّةِ الخَّاصَّةِ في أوكرانيا.
دِماءٌ كثيرةٌ أُهرِقَت. دَمارٌ كبيرٌ حَصَلَ. عائلاتٌ تَشَرذمَت وتَشرَّدَت. أطفالٌ تَيَتَّموا وبُغِتوا. ولا حلولَ في الأفُقِ المَنظور.
مأساةٌ، وقَعَت على شعبٍ مُسالمٍ وديعٍ، يَعشَقُ الحياةَ،
كارثةٌ، حلَّت في بلدٍ جميلٍ بَديعِ، يَلَذُّ فيه العيشُ.
وتبقى الاسئلةُ، لماذا…
القياداتُ الاوكرانيَّةُ في العقدِ الأخيرِ، ذهبت بعيدًا في نَحْرِ المَصالحِ الروسيَّة التَّاريخيَّة في أوكرانيا، وأهمَلَتِ الرَّوابطَ الأخويَّةَ بين الشَّعبيْن؟
الزعماءُ الغربيِّونَ، عَجِزوا عن فهمِ، ماذا تعني شِبهُص جزيرةِ القُرُم في العقيدةِ العسكريَّة الروسيَّة تاريخيًّا؟ او ماذا تُمثِّل مدُنٌ مثلَ خاركوف او كييف في نَجوى النَّفسِ الجَمعيَّةِ الروسيَّةِ… هاتان المدينتان اللتان كانتا في التَّاريخِ، عاصمَتيْنِ للأمبرطوريَّة الروسيَّة.
من جهةٍ اخرى، وجدت القيادةُ الروسيَّةُ نفسَها، محاصرةً من قِبَلِ الحلفِ الأطلسيِّ، والذي كان ما فَتِئ في اندفاعاتِه المُتَتَاليةِ، يَدلِفُ متجاوزًا حدودَ النفوذِ الروسيِّ التاريخيَّة، داكَّاً حصونًا وقاضمًا أرضًا، كانَ الرُّوسُ قد دفَعُوا أنهارَ دماءٍ، ثمنًا لتحريرِها من غَزَواتِ المَغولِ في القرن الثالثِ عَشَر- مثل مدينة كييف، او في حُروبٍ مع الامبرطوريَّة العُثمانية، حيث كانت بريطانيا وفرنسا دَوْمًا مُتَحالِفَتيْن مع العثمانيِّين ضدَّ انفراجةِ القياصرةِ نحو المياهِ الدَّافئة في شبه جزيرة القرُمِ او عبر المضائق.
وفي تلك اللحظاتِ السَّوداويَّة،
حيث كانت أهوالُ الحروبِ مع مآسيها، ماثلةً في وِجدانِ القيادةِ الروسيّة،
ولمَّا كانت رُفوفُ التَّاريخِ تُوَجِّسُّ السيِّد الرئيس، خاصَّةً بعدَ تواطؤِ الغربِ، على تفشيلِ تطبيقِ مُندَرَجاتِ اتفَّاقِ النورماندي للسَّلامِ في شرق أوكرانيا لسنة 2014،
وبما أنَّ الأمَّةَ الروسيَّة لم تكُن قد تَعَافَت بعدُ، من ذُلِّ الهزيمَةِ الوَجيعةِ، بعد تفككُّكِ الاتحاد السوفياتي، وتدمير صربيا،
فكانت لُعبةُ التاريخِ هي الحاضرةَ في ذاكرةٍ، لا تصدأُ، عند السيِّد الرئيس: روسيا تَخُوضُ آخرَ الحُروبِ الوجوديَّةِ مع الحِلفِ الأطلسيِّ. فكانت الحربُ المشؤومَةُ في أوكرانيا.
لم يَفهم الغربُ يومًا الشَّعبَ الروسيَّ، الصَّعبَ المِرَاسِ.
شعبٌ، استمدَّ من قساوةِ المَناخِ بأسًا، ومن فَساحَةِ الأرضِ حِصنًا، ومن شراسةِ قيْصَرٍ مَلجأً،
قومٌ، أطلقَ على أرضِ الوطنِ لقبَ “الأمّ ” وارتبطَ عُضويًّا بها، والتاريخُ أثبَتَ استحالَةَ الانسلاخِ بينهما،
أمَّةٌ، تُمجِّدُ بَسَالةَ أبطالِها، وتَغفِرُ خطايا زعمائِها، وتَعيشُ التَّاريخَ في مُستقبلِها!
أخطأ الغربُ في قراءةِ دَوَافعَ الانقلابِ في المَشهدِ الرَسميِّ الروسيِّ، مَطلعَ الألفيَّةِ الثالثةِ، عندما أُزيحَ يِلْتْسين عن السُّلطةِ، ونُودِيَ على بوتين قيصرًا. جِيءَ ببوتين لتنفيذِ مَهَمَّةِ الإنقاذِ التاريخيَّة. عَرَفَ بوتين دورَهُ منذ اليومِ الاوَّلِ. مدَّ يدَهُ للغربِ حاملًا غُصنَ الزيتونِ. لم يَتَلقَّف الغربُ هذه المبادرة، بل استمرَّ في اعتبارِ روسيا دولةً مهزومَةً، راميًا بغِصنِ الزيتونِ أرضًا، وهاملًا اليدَ المَمدودَةَ، في عُنجُهِيَّةٍ صَفيقةٍ. زِد على ذلك، وفي استمرارٍ لغَيِّهِ، تَمادى الغربُ في مدِّ نفوذِهِ شَرقًا، الى انْ أشرفَ على تنظيمِ الانقلاب الدَّمَويّ، على الرئيسِ الأوكرانيِّ المُنتَخَبِ ديمُقراطيًّا سنة 2014. عندها تأكَّدَ سيِّدُ الكرملين، أنَّ طبولَ الحربِ، تَدُقُّ على تُخومِ خاصرتِه الرخوة!
لقد قذفَ بوتين، بِخريطةِ روسيا المَهزومة والمُتَّضَعَة، التي حَفَرَها غورباتشوف ويِلْتْسين، في المُخَيَّلَةِ العَّامة، الى مزبلةِ التَّاريخ. فَدَفَعَ بجيشِهِ الى المناطقِ الروسيَّةِ في أوكرانيا، مُسترجعًا قاعدةَ الاسطولِ البحريِّ الروسيِّ التاريخيَّة، وضَامًّا المناطقَ ذاتِ الأغلبيَّةِ الروسيَّة.
يُدركُ بوتين انَّ الاندفاعَةَ بالجيوشِ الى ما وراء الحُدودِ، مسألةٌ خطيرةٌ جدًّا،
لكنَّه على يقينٍ، انَّ إعادَةَ الجيوشِ الى ما وراء الخرائطِ، أكثرُ إيلامًا من إخراجِها منها!
إنَّه قَدَرُ السَّاكنِ على كرسيِّ القياصرة، الذي وهو يتجوَّلُ في قَلعَةِ الكرملين مُتَفكِّرًا، إذ تُناجيهِ صُوَرُ مُستشاريهِ من العُظَماءِ، بِحَلِّ الخِيَارِ الواحِدِ: الانتصارُ او الانتصارُ!

المهندس ساسين القصيفي

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.